دام برس :
انطلقت في فرنسا قبل حوالي الشهرين مظاهرات يقودها مرتدو السترات الصفراء ، في مواجهة السياسات الليبرالية التي تنتهجها حكومة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ، سياسات لم يعد المواطن الفرنسي قادرا على تحملها ، الضرائب المرتفعة ، زيادة الضريبة على استهلاك البنزين ، انخفاض القدرة الشرائية و ما تبع ذلك من تبعات يعاني منها الفرد الفرنسي ،
ليخرج معبرا كعادته بعد ثورة 1848 ، 1789 ، 1968 ، وبعض المظاهرات التي لم ترق الى درجة الانتفاضة ، انتفاضات مستمرة تبين مدى وعي الشعب و حسه الوطني ، كيف لا و هو الذي لم يتوقف عن الخروج للمطالبة بحقوقه كلما شعر بالظلم .
خروج جعله قانونيا بعد ثورة بنت دولة عظيمة و ليست مثل الثورات العربية التي أخرجت المستعمر و وضعت حكاما ديكتاتوريين عساكر يحكمون ، هذه الانتفاضات المتتالية تعد موضوعا محل بحث و دراسة دقيقين بالنسبة للشعوب المغاربية التي تعيش نفس الظروف تقريبا ، لكن المؤسف تركها دائما تمر دون تحليل ،فئة فقيرة تعيش في تمنراست ، المسيلة بل و حتى العاصمة الأم في الجزائر ، في مواجهة فئة غنية بالمدن المذكورة و غيرها ، طبقية مقيتة صنعتها سياسات استعبادية قائمة على قوة المال ، و الجهل العام الذي يسود ،
غياب تام لروح الوطنية و الثورة وسط العمال أدى لزيادة الضرائب الحكومية و ضعف الأجور المؤدي لضعف القدرة الشرائية ، كارثتان يصبر عليهما الفرد الجزائري و كأن شيئا لم يكن ، هنا يظهر الفرق الشاسع بين الجزائري و الفرنسي ، التاريخ طبعا يعيد نفسه ، البارحة كانت الضرائب العثمانية المفروضة على الجزائريين مرتفعة وسط سكوتهم و قبولهم بالواقع ، في مقابل أن الفرنسيين انتفضوا ضد السياسات الملكية عشرات المرات .
ان التناقض الطبقي الذي تعيشه فرنسا حاليا لا يختلف عن التناقض المعاش في الجزائر مع وجود بعض التفاصيل الدقيقة التي يختلف فيها المجتمعان ، لكن السياسات الليبرالية المؤدية لسحق الطبقة العاملة هي نفسها في جل الدول ، الجميل أن الطبقة العاملة الفرنسية دائمة الوعي بالخطر الذي تحمله تلك السياسات الناشئة من منطلق رأسمالي خبيث يهدف لاستعباد الشعوب و إدخالها في دوامة القبول بالواقع ،
هنا ظهرت الخلفية الفكرية الثقيلة للفرنسي الثائر دوما ، و ظهرت خلفية الجزائري الراض بالذل ، الفارق الطبقي حاسم و مهم في تحديد توجهات الدولتين داخليا ، و لكن قوة العنصر الداخلي الثائر فرنسيا تجعل الحكومات المتعاقبة تحسب ألف حساب له ،
و لكن ماكرون الشاب يبدو عليه عدم القدرة على قراءة التاريخ بالنظر للطبقة السياسية و الاقتصادية المحيطة به ، طبقة تهدف لتعظيم المنفعة لتكون النتيجة مظاهرات رافضة للخضوع لتلك السياسات التي تهدف لجعل الشعب مجرد تابع ، العجيب أن الشعب الجزائري يعاني منذ سنين من ارتفاع سنوي للضرائب لكنه يقف مصفقا باحثا عن السلام فقط ،
و على النقيض فان باريس التهبت لأجل الحق.ان التعامل البرجوازي مع الطبقة العاملة في فرنسا و الجزائر هو نفسه ، صراع مستمر بين طبقتين احداهما هدفها ربحي بحت و الأخرى تهدف للعيش فقط ، الفرق أن العمال الفرنسيين لهم وعي كامل بنتائج السياسات البرجوازية الخبيثة أما في الجزائر فالقوم تسيرهم الأنانية و يسيرون سبهللة في الأرض ،
طبعا هذا يعود للخلفية الفكرية للشعبين فالسوربون التي خرجت فوكو و سارتر ليست مثل الجامعة الجزائرية التي أصبحت مساجد وعظ ، الجميل هو أن الفرنسيين صنعوا لوحة جميلة تبين أخوة شعبية و إدراكا تاما بالخطر المحدق ، و على النقيض فان الشعوب العربية لازالت تعيش وفق الحكم الشمولي و سياساته الرأسمالية التي تستعبد الفرد العربي و تجعله مجرد آلة للاستعمال النفعي.أخيرا ، وجب القول بأن الانتفاضة الفرنسية الحالية سواء استمرت أم لا ،
فإنها ستبقى نموذجا مثاليا لسكان المغرب العربي بالنظر لارتباطهم الوثيق بالمستعمر السابق ، ذلك أن نفس السياسات المنتهجة في فرنسا تنتهج في دولهم ، بالنظر لسرقتها و بالتالي فان نفس الأسباب هناك و هنا تؤدي الى نفس النتائج على الشعوب و لكن لماذا لا ينتخب الفرد العربي حاكمه يوماً .
شخاب عدنان