دام برس :
تسهل الحكومة الأردنية دخول قيادات الميليشيات المسلحة إلى أراضيها لتلتقي بالمبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، ستيفان دي مستورا، الأمر الذي يدلل على عمق ارتباط هذه الميليشيات بالمخابرات الأردنية كوسيط في تعامل هذه الميليشيات مع المخابرات الدولية، وفي حضور دي مستورا إلى الأردن بهدف لقاء قيادات الميليشيات المسلحة، وذلك خلال جولته التي تسبق طرح ما سيتوصل إليه لحل الأزمة السورية، ما يوضح أن دي مستورا يمتلك تصوراً يحاول إقناع المسلحين به ليضمن لهم البقاء، وذلك من خلال تحويل الجنوب السوري إلى منطقة عازلة من خلال العودة إلى أطروحة "تجميد القتال"، وهنا سيعول المبعوث على دفع إسرائيل للميليشيات بقبول هذه المبادرة شكلاً، خاصة وإن الجنوب السوري شهد عواصف قتال أفضت إلى خسارات كبرى في صفوف الميليشيات المسلحة في الآونة الأخيرة في مناطق عدة من الجنوب في سوريا، فالكيانيين الإسرائيلي والسعودي باتوا اليوم في مرحلة علنية من التنسيق فيما بينهما حيال العديد من الملفات الدولية، وخصوصاً ملفي سوريا واليمن، بعد أن فشلت مساعيهما في هدم الاتفاق النووي الإيراني قبل أن يوقع.
في الجنوب السوري ستكون المصلحة السعودية من خلال القبول بمثل هذا الطرح ( تجميد القتال في درعا)، إخراج قطر من اللعبة الميدانية في الملف السوري، من خلال إعادة هيكلة الميليشيات المسلحة في الجنوب، خاصة وإن قطر تعمل على تحويل الدعم الدولي المقدم للميليشيات في سوريا إلى «جبهة النصرة» على الرغم من تطرفها، وذلك باعتبار إنها الخيار الأكثر قابلية للتأثير، ومن ذلك خلال تعويمها على أنها الخيار الضامن لسقوط الدولة السورية عسكريا، وإذا ما قدرت قطر على تحويل التوجه الدولي إلى دعم النصرة، فإن السعوديين سيخرجون من الميدان السوري بالمطلق، وذلك بكون التوجه القطري مخصص للنصرة بميليشياتها المنتشرة في الشمال السوري، و الرأي السعودي أكثر قابلية للقبول من قبل المجتمع الدولي المعادي لسوريا، لأسباب من أهمها قبول إسرائيل بطروحات آل سعود، وبذلك تضمن الأسرة الحاكمة في السعودية بقاء هيمنتها على الأنظمة الخليجية من الناحية القبائلية.
إن كان ما سيطرح المبعوث الأممي هو التحول جغرافياً بأطروحة تجميد القتال من حلب إلى درعا، فإن في ذلك هو المزيد من اضاعة الوقت والمماطلة، فالمبادرة التي رفضتها الجهات المشغلة للميليشيات في حلب من خلال دفع النصرة إلى مهاجمة مدينتي نبل والزهراء شمال غرب حلب، فإن إعادة طرحها في درعا ستلقى قبولا ً دوليا وذلك بأن الكيان الإسرائيلي يريد الجنوب منطقة عازلة تضمن بقاء الميليشيات كجدار فصل ما بينه وبين القوات السورية، وكعامل ضغط يمكن من خلاله الذهاب إلى تقسيم الدولة السورية، وفي هذا تتلقى بوضوح التوجهات في تل أبيب مع نظيرتها في الرياض، وبذلك يؤكد المبعوث الأممي إنه يذهب بمهمته لخدمة مصالح جهة دون أخرى، وبعيداً عن الحياد.
في موقف آخر، تقرأ التصريحات التي جاءت على لسان الرئيس الفرنسي فرانسو هولاند اليوم المطالبة للحكومة الإيرانية بالتدخل في الملف السوري بما يضمن الرأي الصهيوسعودي المشخصن للأزمة السورية، والذي يؤكد ألا حل إلا من خلال تنحي الرئيس السوري بشار الأسد عن مهامه، يقرأ على إنه إثبات من الفرنسيين على تحولهم إلى رأس الحربة لتحقيق التوجهات التي تتوافق عليها إسرائيل والسعودية، وهو ذات الدور الذي لعبته فرنسا طوال المفاوضات النووية الإيرانية، ولأن أي قوة إيرانية هي قوة سورية، فإن الرئيس الأسد كان من أوائل المهنئين للرئيس الإيراني بالاتفاق النووي، ليقول للعالم أجمع أن محور المقاومة انتصر في الملف النووي ما سيمنحه الهامش الأكبر في مواجهة الإرهاب، فعودة بوتين إلى إطروحة التحالف الدولي المعروفة بـ «معجزة بوتين»، قبيل الإعلان عن توقيع الاتفاق بشكل رسمي، ما هي إلا تأكيد من الرئيس الروسي على إن التحالف الذي يطرحه هو أول ما سيعمل عليه بعد إنهاء المفاوضات الطويلة الأمد باتفاق حقق لإيران ما تريده ويضمن سيادتها بشكل مطلق، فعواصف السياسية التي مرّ بها العالم خلال الفترة الماضية، تفضي إلى أن مبادرة دي مستورا القادمة ستكون ميالة لصالح الطرف المعادي لسوريا، لتكون الهامش الذي تناور من خلاله أمريكا ومن معها في مواجهة التوجه إلى تحالف دولي حقيقي ضد الإرهاب، وبذلك تضمن لحلفائها بقاء مشاريعهم في سوريا، مما يؤكد أن دمشق وإن قبلت بأطروحة من قبيل تجميد القتال في درعا، فإنها ستكون أكثر حذرا من إن تحول مثل هذه الأطروحة إلى حصان طروادة لضرب سوريا في مقتل، والأخيرة مدعمة بقرار حلفائها، وقوتهم التي زادت بالاتفاق النووي الإيراني.
عربي برس - محمود عبد اللطيف
