دام برس:

مازالت الحكومة السورية حتى اليوم حريصة، حسبما تعلن، على دعم المواطنين وخاصة ذوي الدخل المحدود والفقراء، وذلك ما يتجلى على أرض الواقع في قرارات وتعاميم. فقد رفعت مؤخراً أسعار الدواء مجدداً بنسبة 25% للمرتفع الثمن، و50% للمنخفض الثمن وذلك بغية حماية الأمن الدوائي، والحفاظ على معامل الأدوية وتجنب إغلاقها نتيجة ارتفاع أسعار المواد الأولية ومستلزمات صناعتها حسب وزارة الصحة. هذا القرار الذي أتى متزامناً مع قرار وزارة الكهرباء برفع تعرفة بيع الكيلوواط الساعي لاستجرار الطاقة الكهربائية بالنسبة للمشتركين على التوتر 0.4ك.ف، للأغراض التجارية والصناعية والحرفية، وللأغراض الأخرى، بنسبة وسطية 100%، بحيث يبدأ تنفيذه ابتداءً من 1/9/2013. هذه الزيادة التي تبعها العديد من التصريحات والتأكيدات بأن التعرفة الجديدة للكهرباء ضمن الآلية الجديدة للدعم الحكومي لن تمس شرائح ذوي الدخل المحدود، الذين يشكلون أغلبية الشعب السوري والخاضعين لشريحة معظمهم يدفعون قيمة الفواتير تحت سقف شريحة الألفي كيلو واط ساعي.
تصريحات وإطلالات من مسؤولين سوريين اعتدنا كلماتهم، بأن عبء الدعم الضخم الذي تقدمه الدولة إنما يرجع لحرص الحكومة على محدودي الدخل والفقراء، وأن الحكومة اليوم تتحمل أضعاف نسب الدعم في السابق على الرغم من الأزمة التي تشهدها سورية، والتي يعزى الكثير من أسبابها إلى سياسات اقتصادية توجهت إلى أصحاب الرأسمال على حساب الطبقات الكادحة. فأتت قرارات الرفع الأخيرة في وقت تجاوزت أسعار صرف العملات حدود الواقع، رافعة معها أسعار مستلزمات الإنتاج الذي انعكس على أسعار بيع المستهلك. فجنون أسعار الصرف أدى لحدوث فجوة بين الأسعار وتكاليف إنتاج السلع، وهو ما ينتظر إعادة النظر والتصحيح، ولكن ليس على حساب المواطن.
إن قرار رفع أسعار الكهرباء، التي تعد مدخلات أساسية في الإنتاج الصناعي والخدمات التجارية، جاء في وقت الصناعة الوطنية بأمس الحاجة فيه للدعم والقرارات الرشيدة، لا إلى مزيد من الضغوط. ولكن ما مدى انعكاس ذلك على السواد الأعظم من السوريين الذين بات أكثر من نصفهم في حدود الفقر، وهو ما يؤكد عدم التزام الحكومة بوعودها دائماً بالوقوف إلى جانب الفقراء.
إن إلغاء الدعم لأسعار الطاقة الكهربائية للصناعات سيجد له انعكاسات على أسعار السلع المحلية، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي لارتفاع تكاليف المعيشة ومعدلات التضخم لمستويات جديدة، وخاصة أنها حالياً وصلت إلى معدلات لا تتناسب ودخل المواطن الذي فقد قدرته الشرائية أساساً، وسط عجز الحكومة عن إجراءات فاعلة للحد من التدهور الاقتصادي. وحسب دراسة قدمتها وزارة الصناعة إلى الحكومة بينت فيها أنه في حال رُفع سعر الكهرباء بمعدل 50% من السعر الحالي، فإن ذلك يؤدي إلى زيادة بحدود 410 ل.س لطن الأسمنت وسطياً، إذ بلغ متوسط نصيب طن الأسمنت من الكهرباء 173.87ك.و.س.
وبالعودة إلى الصناعة الدوائية، هذه الصناعة الرائدة في سورية، والتي تعثرت في الأزمة التي تعصف بالبلاد، بسبب الحصار الاقتصادي والعقوبات التي فرضها المعسكر الغربي ومشايخ الخليج وتركيا، وهو ما أدى إلى تدني الإنتاج، وشكل خللاً في سوق الإنتاج الدوائي، وجعل عملية تأمين الأدوية أمراً صعباً. وكخطوة مساعدة للقطاع الدوائي أصدرت وزارة الصحة الأسبوع الماضي قراراً جديداً برفع أسعار الأدوية بنسبة 50% على سعر الصيدلي للمستحضرات الصيدلانية التي سعرها مئة ليرة سورية ومادون، وزيادة نسبة 25% على المستحضرات الصيدلانية التي تزيد على المئة ليرة سورية.
وهنا نتساءل لمصلحة من أتت هذه الزيادة؟ هل راعت مصالح المواطنين والطبقات الفقيرة والكادحة التي تعاني ثقل الأزمة وترزح تحت الضغوط الاقتصادية؟!
إذا كانت الحكومة تعمل على رفع أسعار الكهرباء من جهة، ورفع تسعيرة الدواء من جهة أخرى، كما رفعت من قبل أسعار المحروقات وهو ما انعكس على الأسواق، نتساءل عن ماهية السعر المناسب وكيف يكون مناسباً ولمن؟ وبالتالي ما هي المعايير التي تحدد ذلك؟ وهل هو مناسب للمستهلك أم للمنتج أم للتاجر أم الوسيط..!
إن رفع أسعار السلع والمنتجات على اختلاف أنواعها أمر غير مرغوب فيه في الوضع الراهن، فدخل المواطن وقوته الشرائية لا يتحملان أي زيادة إضافية قبل زيادة الأجور إلى مستويات تتناسب مع نسب التضخم الحالية. مع تأكيد ضرورة إعادة النظر بالسياسات التسعيرية من جديد وفق مؤشرات الفقر والبطالة، مع التشديد على محاسبة تجار الأزمات الذين أججوا الأسعار في الأسواق السورية.