Logo Dampress

آخر تحديث : الاثنين 17 حزيران 2024   الساعة 02:10:15
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
الأسس التي تحكم العــلاقــات الأميــركيــة الخليجيــة


دام بريس – علي فارس رستم
في ضوء الدور الذي تلعبه بعض دول الخليج في الوطن العربي منذ نحو العام أو أكثر وخاصة في مصر ثم في ليبيا، ولاحقاً في سورية، وفي ضوء ملامح الحرب القادمة التي تبدو في أفق المنطقة على إيران نرى أنه لا بد من العودة إلى الوقوف على الأسس التي تقوم عليها العلاقة الأميركية مع دول الخليج العربي. يشير الكاتب الأميركي «ديفيد هارفي» في مقابلة صحفية إلى واقعة معينة، وهي أنه عندما ارتفعت أسعار النفط بصورة كبيرة في عام 1973 وأدى ذلك إلى تراكم فوائض مالية كبيرة لدى دول الخليج وبشكل خاص لدى المملكة العربية السعودية، وضعت الولايات المتحدة لنفسها خيارين اثنين وفق ما سربته مصادر التجسس البريطانية:
الخيار الأول: الاستعداد لغزو السعودية واحتلالها.
الخيار الثاني: إقناع السلطات السعودية بتدوير الفوائض في الاقتصاد العالمي بشرط أن يتم ذلك من خلال البنوك الأميركية في نيويورك، وقد نجح الأميركيون في تنفيذ هذا الخيار، أي الخيار الثاني.
إن هذه الواقعة التاريخية الحقيقية التي ليست ببعيدة زمنياً تشير إلى أن الهم الإستراتيجي الأميركي الأول تجاه دول منطقة الخليج العربي هو السيطرة على البترول إنتاجاً وتسويقاً ونقلاً، وهذا الأمر هو جزء مهم من إستراتيجية أميركية كبرى تجاه العالم كله تتلخص في الهيمنة الأميركية على أسواق السلع وأسواق المال، إذاً، ما دام هناك فوائض مالية بترولية كبيرة في دول مجلس التعاون الخليجي، فإن الولايات المتحدة لن تقبل بأقل من ربط العملات المحلية ومبيعات البترول بالدولار الأميركي، ليظل جالساً أو متربعاً على عرش مملكة العملات العالمية، ولا أقل من أن يذهب القسم الأكبر من الفوائض تلك، ليصب في الاقتصاد العالمي من خلال المؤسسات الأميركية في نيويورك لتقوم هي بدورها بإقراض تلك الفوائض لبقية دول العالم، ثم السيطرة على الأسواق المالية العالمية.
إن أميركا لا يمكن أن تتخلى عن هذا المطلب، بل هي على استعداد في أي لحظة لاستعمال القوة إذا تطلب الأمر ذلك، مثلما فعلت في العراق لإرغام دول مجلس التعاون على القبول بإستراتيجيتها تلك، وبطبيعة الحال، فإن دول الخليج حينما قبلت بذلك فقدت بشكل كامل حرية قرارها الاقتصادي ولاحقاً السياسي.
الأمر الثاني، هو أنه أثناء رئاسة (جورج بوش) الابن قام الثلاثي الصهيوني (رامسفيلد وولفويتز وبيرل) بوضع الإستراتيجية التي يجب أن تحكم الآلة العسكرية الأميركية في الوقت الحاضر وهي: الحرب المستمرة التي لا تصل إلى نهاية قط، لكن ليس بالضرورة كاحتلال وغزو، بل كإظهار دائم وبأشكال مختلفة للقدرات التكنولوجية الشيطانية الهائلة التي تملكها الجيوش والأساطيل الأميركية، وذلك من أجل إحداث الصدمة والرعب لدى الآخرين.
لهذا يظهر المشهد الأميركي الحالي في الخليج بوارج حربية مرعبة تمخر عباب مياه الخليج ليل نهار، قواعد جوية وعسكرية أرضية في كل مكان، مخازن هائلة للسلاح، تصريحات وتهديدات باستعمال القوة بحق هذه الدولة أو تلك، ومعاهدات واتفاقات مع كل دولة، ومؤسسات تجسسية أمنية في أثواب مدنية، وخير مثال على ذلك التجسس، أن السفارة الأميركية في بغداد تعد أكبر سفارة في العالم حيث يعمل فيها تحت مسميات متعددة أكثر من أحد عشر ألف فرد، وإلى جانب ذلك كله إعلام طاغٍ يبث ليل نهار عبر محطات إذاعية وتلفزيونية وشبكات إنترنت وغير ذلك، مروجاً لشعارات رنانة مثل: المحافظة على حقوق الإنسان والدفاع عنها، ونشر الديمقراطية ومساعدة الدول في مجالات التنمية وغير ذلك من الادعاءات المشابهة.
إذاً، الإستراتيجيتان السابقتان، أي السيطرة على الأسواق المالية الاستهلاكية، وإحداث الصدمة والرعب عند الآخرين من دول وشعوب عبر استعراض دائم للقوة وللتفوق العسكري الهائل، هما العاملان الأساسيان في تكوين الإمبريالية الأميركية تجاه العالم عامة وتجاه دول مجلس التعاون الخليجي خاصة، وهي إمبريالية تختلف شكلاً ومضموناً وأسلوباً عن الإمبرياليات الإمبراطورية الكلاسيكية السابقة.
الشيء الثالث أن الآلات الإعلامية الدعائية في دول الخليج تمارس أبشع أنواع الكذب والتدجيل، عبر الادعاء بأن قرارات وإجراءات دول مجلس التعاون الخليجي تجاه هذا الموضوع أو ذاك، هي قرارات حرة ووطنية ومستقلة، وبعيدة عن أي إملاءات خارجية، لكن الحقيقة المرة والصادمة، هي أن هذه الدول لا تريد ولا تستطيع الخروج من دائرة الإملاءات الخارجية التي تفرضها الإستراتيجية الأميركية بشقيها السابقين: الهيمنة على أسواق السلع والمال، وإحداث الصدمة والرعب لدى الآخرين، ثم إن هذين الشقين بدورهما لا يمكن أن يخرجا عن دائرة إملاءات الكونغرس الأميركي واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وفلسطين المحتلة، حيث يجب أن ينسجما دوماً مع الإستراتيجية الصهيونية تجاه الوطن العربي والعالم الإسلامي عامة.
الأمر الرابع والمُوجِع فعلاً، هو أن هذه الإملاءات تلقى تعاوناً كاملاً، وقبولاً لا حدود له من الدوائر والنخب السياسية والمالية الحاكمة في دول مجلس التعاون الخليجي، ومن المؤكد أنه لولا هذا التعاون الوثيق مع الدوائر والشخصيات المحلية لما لاقت تلك الإستراتيجيات الأميركية مثل هذا النجاح على كل صعيد.
والآن وبعد هذا العرض يتبادر إلى ذهن القارئ السؤال التالي وهو سؤال مشروع، هل هناك من سبيل للخروج من دائرة هذه الحلقة الجهنمية؟ كيف يمكن لدول مجلس التعاون الخليج –في حال توافر الإرادة لديها- أن تتخلص من واقع الهيمنة المطلقة عليها؟
لا شك أن الإجابة على مثل هذه الأسئلة تكون بـ«نعم»، ولكن ضمن شرط أساسي وهو أن تقوم في هذه الدول أنظمة حكم ديمقراطية حرة حقيقية، تكون الكلمة الأولى والمسموعة فيها للشعوب ولمؤسسات المجتمع المدني الحقيقية المتحررة من الهيمنة، وللمؤسسات التشريعية المنتخبة ديمقراطياً في مجال رسم سياسات هذه الدول واتخاذ القرارات في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، في ضوء وجود مثل هذه الأنظمة بمؤسساتها وهيئاتها الديمقراطية يكون بوسع هذه الدول أن تقيم علاقة متكافئة مبنية على المصالح الشرعية المتبادلة، وعلى حق ممارسة الاستقلال الوطني من دول مجلس التعاون الخليجي. ودون ذلك، ستظل دول الخليج على وضعها الحالي من حيث التبعية المطلقة للسياسة الأميركية والغربية بشكل عام، ومن حيث فقدان القدرة على اتخاذ القرار الوطني المستقل الذي يعبر عن أماني وتطلعات الجماهير العربية هناك.
وما يلفت النظر أن السلطات الحاكمة في دول الخليج لا تكتفي بخضوعها التام لإملاءات الدوائر الأميركية والغربية التي تُفرض عليها، بل توظف نفسها من أجل توسيع الهيمنة الأميركية لتشمل باقي الدول العربية دون أي خجل، على النحو الذي تمارسه السلطة في قطر التي تحتضن منذ سنوات أكبر قاعدة عسكرية أميركية على الأراضي القطرية «قاعدة العيديد»، والتي تعمل في الوقت نفسه على تنفيذ أجندة أميركية أطلسية في الوطن العربي كما فعلت في ليبيا، ومن خلال تدخلاتها في تونس ومصر، ثم تآمرها الواضح ضد سورية وتنسيق أميرها ووزير خارجيته مع الإدارة الأميركية، في مجال الضغوط على سورية عبر تبنّي ودعم عصابات مسلحة لترتكب أعمال التخريب والقتل وعبر تشجيع النعرات الطائفية أملاً في إشعال نار حرب أهلية مدمرة بين أبناء الشعب الواحد، ومن ثم السعي لتدويل الموضوع السوري والالتفاف على المبادرة العربية وصولاً إلى طلب التدخل العسكري الخارج .

اقرأ أيضا ...
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz