دام برس
جاء في افتتاحية صحيفة البعث السورية الصادرة صباح اليوم تحت عنوان ...على الأرض : من العسكري... إلى السياسي .. بقلم: الدكتور عبد اللطيف عمران , مايلي : للأطراف الخارجية دور واضح في الأزمات التي يعيشها العرب مجتمعات ودولاً، من حيث أن هذه الأطراف التي دخلت اللعبة في عدد من الدول العربية كان لها نصيب في رسم النتيجة وفي ما سيليها، إلا أن الوضع في سورية مختلف تماماً إذ يثبت مرور الأيام أن الحلول المجدية والقابلة للاستمرار هي تلك التي تنطلق من الأرض السورية، ومن القوى الوطنية الحيّة والفاعلة تاريخياً في المجتمع العربي السوري.
وعلى أي مبادرة محلية أو إقليمية أو دولية أن تأخذ هذه الحقيقة بالحسبان، فهؤلاء الذين يرتزقون ويتآمرون في عواصم الرجعية والأطلسي، ويدفعون بالمغرّر بهم الى حمل السلاح والتمرّد ورفض الحوار، لن يستطيعوا أن يقدموا حلاً ناجحاً عسكرياً ولا سياسياً للأزمة التي تعيشها البلاد، ولن يتمكّنوا مستقبلاً من حماية هؤلاء من العقاب الذي ينالهم وينتظرهم قريباً.
فمن الواضح أن الأطراف الخارجية وعملاءها الذين تجاهلوا الخطوات الإصلاحية الناجزة - والمٌتأخّر فيها - للقيادة السياسية السورية، وقوّضوا طروحات الحوار الشعبي والرسمي هم الآن في إرباك كبير بعد أن تأكدوا من أن تغذية الأزمة بالسلاح والمال أدى بحساباتهم وخططهم إلى فشل ذريع، وإلى ضريبة لن يستطيعوا الاستمرار في تحمل أوزارها، فهم في إرباك في توجّههم نحو عسكرة الحل.
وهم اليوم أيضاً في إرباك أكبر في تعاملهم مع طروحات الحل السياسي، حيث تتكشف مخازيهم وتزويرهم للحقائق بعد ارتهانهم للمعطى الرجعي والأطلسي، وتنكرّهم للمعطى الوطني والعروبي. وسيزداد هذا الإرباك ويكبر مع الأيام بعد أن توضّح لهم سورية بقواها الوطنية كيف ورّطوا أنفسهم وورّطوا الآخرين معهم، فليس بمستطاعهم الخروج الآمن من الأزمة لا لأنفسهم ولا لمن غرروا بهم، ولا للبلاد، وإنما يخبطون خبط عشواء.
وينضم اليوم الى الثلاثي السعودي القطري التركي طرف رابع لايتمثّل في مصر الشعب والتاريخ بل في الشيخ مرسي الذي أخطأ الهدف من أول لحظة توجّه فيها نحو إعادة مصر إلى النشاط السياسي في المنطقة، فأساء إلى نفسه وإليها وإلى سورية، واتضح أنه إذا مابقي يرزح تحت هذه العقلية لن يكون مؤهلاً لشيء على الإطلاق.
وعلى هذه الأطراف الأربعة وحلفائها في الغرب أن تدرك أن فشل خيارها العسكري، سيكون رديفاً لفشل خيارها السياسي إذا مابقيت أسيرة المنطلقات نفسها التي تتجاهل أن لسورية الأرض والتاريخ والشعب والقيادة السياسية تجارب عديدة وراسخة ومستمرة في مجابهة التحديات، وأن النصر في أغلبها كان حليفها.
فالقوى الوطنية الحيّة في سورية تدرك افتقاد الجانب الأخلاقي في السياسات الإقليمية والدولية المعاصرة، كما تدرك أبعاد ومخاطر التحالف الرجعي الأطلسي على القضايا الوطنية والحقوق العربية، وما يرسّخ هذا التحالف من أقذر الاستراتيجيات في المنطقة من تكتيك «العودة الى العصر الحجري» الذي تحدّث فيه بالأمس الكاتب الأمريكي جو توزارا. الى تكتيك نظيره جين شارب «في كتابه البدائل الحقيقية» حيث العمل على التنظيم الدقيق لثورات التخريب التي انساقت وراءها الشعوب، والتي اتفق فيها - وتباين أحياناً - مع الفرنسي الصهيوني برنار ليفي وبعض المعارضة السورية في نظرية الإطاحة. الى كلينتون التي تراهن على الأنياب أولاً كضرورة لمشروع أي حل سياسي للأزمة. في الوقت الذي يتأكد فيه أن الإدارة الأمريكية ومنذ الانهيار المالي في أيلول عام 2008 تطرح استراتيجية الانسحاب الآمن من المنطقة وإرباك الأطراف الإقليمية بأعباء تنفيذ سياساتها القذرة «الأنياب».
والآن، وبعد نمو وعي متزايد في المجتمع السوري بهذه الحقائق. وإدراك أن الحل «الخارجي» لن يكون ناجحاً لا عسكرياً ولا سياسياً. وبعد الضربات الموجعة التي تلقتها العصابات الإرهابية المسلحة جسدياً ومعنوياً. على كافة الأطراف أن تدرك مكامن أبعاد القوى الحقيقية على الأرض والمجتمع الوطني في سورية، ومن خلال عدة استحالات معروفة أهمها عدم إمكانية تطبيق أي نموذج إقليمي للحل في سورية، لعدم إمكانية أن يكون الوطنيون السوريون تاريخياً ومستقبلاً منقادين لترتيبات خارجية.
هذا ماأدركه جيداً كوفي أنان، ونعتقد أن الأخضر الإبراهيمي سيكون أدق إدراكاً، فهو ابن هذه الأرض من المحيط الى الخليج التي عانت وتعاني من التحالفات الخطيرة المعروفة.
د. عبد اللطيف عمران
المدير العام - رئيس هيئة التحرير في صحيفة البعث