دام برس
تُشكل المواطنة إحدى الركائز الأربعة لجملة مفاهيم (العقلانية، العلمانية، الديمقراطية، المواطنة) وهي مجموعة مفاهيم متكاملة، تحيل إلى تحكيم العقل في التفكير وفي السلوك، فالعقلانية هي تفكير فلسفي، والعلمانية تفكير اجتماعي، والديمقراطية تفكير سياسي، بينما المواطنة هي عقد اجتماعي سياسي بين الأفراد لتشكيل المجتمع.
دخل مفهوم المواطنة إلى الثقافة العربية منذ أواسط القرن التاسع عشر على يد رفاعة الطهطاوي عندما حدد المواطن بأنه ابن الوطن المتأصل به أو المنتجع إليه الذي توطن به واتخذه وطنه يُنسب إليه.
أردنا أن نضع تعريفا للمواطنة فكانت النتائج كالآتي:
حسب دائرة المعارف البريطانية فإن الموطنة هي: “علاقة بين الفرد والدولة، كما يحددها قانون تلك الدولة، بما تتضمنه من حقوق – متبادلة – في تلك الدولة”.
والوطن هو الهوية، وهو إرادتنا في العيش المشترك، والوطن السوري هو سورية بحدودها الدولية والجغرافية، وبتاريخه وبكل مكوناته وكل خصوصياته النفسية والثقافية.
في سورية للمواطنة تعاريف عدة، ومفهومها يبقى واحداً واضحا ولو حرر على ألسنة السوريين بعدة مناهج وطرق، إلا أنه لم يبتعد كثيراً عما يدلل عليها.
فهي إحساس الفرد بالمسؤولية تجاه مصير البلد وأحواله وهي أمن الإنسان وكرامته وحقه في أن يحيا حراً كريماً عزيزاً متنعماً بخيرات بلاده هي حقه في أن يرى مستقبلاً أمناً مزدهراً مشرقاً له ولأسرته داخل هذا الوطن المتعدد في كل معطياته وعناصره.
الشباب السوري، وكل موقع له في مفهوم المواطنة رأي ومنهج، يرى من خلاله ما يجسده هو ذاته من هذا المفهوم العريض لأهم عناصر البقاء والوحدة والحياة في هذا الوطن، من هنا يأت دوري الشباب السوري في بناء الوطن.
لا بد للشباب السوري في هذه المرحلة وفي الوضع الراهن الذي تكثر فيه الأكاذيب والتداعيات، أن يأخذ دوره كاملاً في تعزيز الوحدة الوطنية، لذلك لابد أن نتعامل مع أي موضوع بصدق على مبدأ إذا أردت إصلاح المجتمع فعليك البدء بنفسك، وهذا حوار طويل لكن الأهم رؤية الأشياء الإيجابية وعدم الذهاب وراء الجهل وإذا أمكن الأشياء التي نريد إصلاحها بشفافية بعيداً عن النقاشات العقيمة التي تُختلق بين الأشخاص.
إن التربية تلعب دوراً هاماً في تكويـن الإنسان المواطن الواعي الممارس لحقوقـه وواجباته في إطار الأسرة والمجتمع والبيئة التي ينتمي إليها كما تتمثل في العمل المبرمج من أجل أن تُنَمـّى لديه القدرات والطاقات التي تؤهله مستقبلاً لحماية خصوصياته وهويته وممارسة حقوقه وأداء واجباته بكل وعي ومسؤولية حتى يتأهل للتواصل الإيجابي مع محيطه.
حيث تخاطب التربية عقل المواطن لتمده بالمعارف اللازمة عن تاريخ بلده وحضارته وبالمعلومات الضرورية عن حقوقه وواجباته كما تخاطب وجدان المواطن لتشكل لديـه منظومـة قيـم وأخـلاق تنمي لديه الإحسـاس بالافتخـار والاعتزاز وتحفزه على العطاء والإخلاص والتضحية كما تتوجه إلى حواسه لتمده بالمهارات الكافية في كل المجالات التواصلية والتقنية والعلمية التي تجعله قادراً على الإبداع والتميّز من جهة وقادراً على التعريف بحضارة بلده والدفاع عنها من جهة ثانية.
فالتربية تتمثل أهميتها بالمواطنة الفعالة عموماً في كونها ترسخ الهوية العربية والحضارية بمختلف روافدها في وجدان المواطن، كما ترسخ حب الوطن والتمسك بمقدساتـه مع تعزيـز الرغبـة في خدمته وتتجلى هذه الأهمية أيضاً في تقوية قيم التسامح والتطوع والتعاون والتكافل الاجتماعي التي تشكل الدعامة الأساسية للنهوض بالمشروع التنموي للمجتمع السوري خصوصاً والعربي عموماً. وبفضل ما تثمره التربية على المواطنة من روح الأمل والتعبئة فإنها تعتبر حصناً متيناً ضد ثقافـة اليأس والتشاؤم والانهزامية وتفتح آفاقاً ملؤها الثقة في استشراف مستقبل أفضل.
المواطنة الحقيقية تحتاج إلى الانتماء فليس كل من حمل المواطنة كفعل يعد منتمياً إلى الوطن، ومثالنا على ذلك شخصان يعيشان في بناء واحد يحملان نفس مكونات المواطنة ومعهما هوية مدون فيها الاسم الشخصي واسم الأب والأم والجنسية ولهما في القانون الوضعي الرسمي للدولة حقوق وواجبات مترتبة على كليهما، لكن الفارق أو الأحرى المفارقة هنا أن أحد هؤلاء ذهب وحمل السلاح بما يخدم به العدو الصهيوني الذي يحمل الحقد على هذه الأمة، وبالتالي هذا الذي حمل الأذى لا يبالي إن رأى مجموع الأوساخ في الشارع، وإذ رأى حديقة تحترق فلا يعنيه ذلك، إذا هو مواطن حمل عناصر المواطنة لكنه لم يحمل الانتماء إلى هذا الوطن، لأن الانتماء هو إحساس ومشاعر يحملها الفرد تجاه المكونات المادية التي كونت هويته الوطنية، و كلما كان الانتماء متجسداً بصورة أرقى وواضحاً ودافعاً لفعل أفعال المواطنة، حين ذلك تكون الصورة المثلى التي تنشدها من بناء المواطن، بمعنى ليس كل المواطنين بنفس الدرجة.
فهناك مواطن يعمل ليل نهار لخدمة الوطن وحماية أبنائه والدفاع عن حياته لتحقيق التقدم للوطن والأمة، هنا نقول إنّ الانتماء تحقق وإنّ المواطنة انتقلت من سلوك جامد إلى فعل صيرورة يتكون ويتحول ويتطور وينمو مع الأيام ويقوم بنقلها إلى الأجيال الأخرى، سواء كانوا متعلمين أو أبناء أو أخوة أو أصدقاء أو كما نرى في بعض اللقاءات والندوات من بعض الأشقاء العرب كمواطنين كيف ينقلون مشاعرهم وانتماءهم بالوطن ويحركون المشاعر لتصبح هي المكون الداخلي للشخصية الإنسانية.
باختصار إن سورية هي نتاج تاريخ أولاً ومعبر وممر للأنبياء ومقر للأولياء الصالحين، هي الإسلام والتسامح والمحبة،إسلام الحياة لأن القيمة ليست أن نتعايش مع الآخر وإنما القيمة أن نحيا مع الآخر، قيمة الحياة إذاً هي القيمة، والتعايش ليس قيمة إنه شيء طارئ، وأن تحيى، فهذا يعني أنك إنسان تقدر لنفسك وللآخرين مالك ولهم وعليك وعليهم.