لم تكد تفشل محاولات غرفتي عمليات «فتح حلب» و«أنصار الشريعة» في تحقيق أي اختراق لمدينة حلب، بالرغم من الزخم الإعلامي والحشد الكبير للمعركة التي أريد لها أن تعيد تكرار سيناريو إدلب، حتى بدأت ملامح المناطق الشمالية السورية تشهد تغيّرات على مستويات عدة، أبرزها إعلان «جبهة النصرة»، إحدى القوى الضاربة في صفوف المسلحين، إخلاء مواقعها في نقاط الاشتباك مع تنظيم «داعش» في ريف حلب الشمالي، وذلك بعد دخول تركيا في الحلف الذي تقوده أميركا ضد «الدولة الإسلامية في العراق والشام».
بعيداً عن التحليل السياسي، ومدى إمكانية إنشاء «منطقة عازلة» في الشمال السوري، الأمر الذي تنفي المصادر العسكرية إمكانية حدوثه، تشير الأحداث الأخيرة في ريف حلب إلى وجود محاولات حثيثة لتغيير خريطة السيطرة في الريف الشمالي، بدءاً بتغيير الفصائل الموجودة على الأرض، وإحلال وتوسيع نفوذ فصائل أخرى، الأمر الذي تسبّب بفراغ كبير، استغله «داعش» الذي سيطر مؤخراً على قرية أم حوش، ليقترب بشكل أكبر من مثلث القتال الدائر على محور سيفات، ويغدو على بعد قريتين عن نبّل والزهراء المحاصرتين، في وقت تعد فيه القيادة العسكرية السورية عملية واسعة في الريف الشمالي لفك الحصار عن القريتين، الأمر الذي تسبّب بتوقيف العملية بشكل مؤقت، وفق مصدر ميداني.
وعلى الرغم من تذرّع «جبهة النصرة» بارتباط الفصائل المقاتلة بالمشروع التركي ـ الأميركي، الأمر الذي اعتبرته «سبباً لإخلاء مواقعها على خطوط التماس مع داعش» في ريف حلب الشمالي، إلا أن مصادر معارضة تعيد سبب انسحاب «النصرة» لأمرين أساسيين: الأول يتمثّل بالرغبة التركية بإبعاد «الجهاديين» عن هذه المناطق، والثاني في عدم الزج بعناصر «النصرة» في معارك بعيدة عن إعزاز، لا هدف منها في الوقت الحالي، الأمر الذي مثل «هدفاً مزدوجاً» دفع «النصرة» لاتخاذ هذا القرار، بالتوازي مع استمرار حصار عفرين عن طريق قطع الطرق المؤدية من عفرين إلى إعزاز، الأمر الذي رفع منسوب التوتر بين الوحدات الكردية و «جبهة النصرة»، خصوصاً مع استمرار الأخيرة في احتجاز أكثر من 40 مدنياً من سكان عفرين كانت خطفتهم قبل يومين.
الأحداث المتسارعة في ريف حلب الشمالي، تقابلها بشكل مماثل أحداث أخرى على جبهة حلب الشرقية، التي أشعلها «داعش» ببدء هجوم عنيف على مطار كويرس العسكري المحاصر، آخر المواقع العسكرية السورية في ريف حلب الشرقي القريب.
وبدأ مسلحو التنظيم هجومهم عن طريق تفجير ثلاث عربات مفخخة يقودها انتحاريون عند أسوار المطار، تبعها استهداف المطار بعشرات القذائف، قبل أن تتصدى قوات حماية المطار للهجوم، بمؤازرة سلاح الجو السوري. وانتهت أولى جولات هذا الهجوم بمقتل أكثر من 40 مسلحاً من «داعش»، بينهم سعوديان اثنان، في حين سقط في المطار نحو 15 ضابطاً وعنصراً، وأصيب آخرون، وفق مصدر ميداني.
وتزامنت الأحداث المتسارعة في ريفي حلب الشمالي والشرقي، أيضاً مع إعلان فصائل مسلحة عدة تشكيل غرفة عمليات مشتركة للتصدي لـ «داعش» في ريفي حلب الجنوبي والشمالي، أبرزها «تجمع فاستقم كما أمرت»، و «حركة نور الدين الزنكي»، و «جيش المجاهدين»، بالإضافة إلى «جبهة الأصالة والتنمية»، الأمر الذي يضع المناطق المحيطة بمدينة حلب تحت وطأة معارك عنيفة ستشهدها على محاور عدة، قد تعيد رسم مواقع السيطرة.
في هذا الوقت، بدأ الجيش السوري تحركاً مفاجئاً داخل مدينة حلب، عبر إشعاله محاور عدة بشكل متزامن، أبرزها صلاح الدين وسيف الدولة من جهة، وجبهتا بستان الباشا وسليمان الحلبي من جهة أخرى، حيث سيطر الجيش والفصائل التي تؤازره على كتل أبنية عدة في حيي صلاح الدين وسليمان الحلبي، في حين كثف الطيران السوري غاراته على مواقع تمركز المسلحين في أحياء حلب الشرقية، تزامنت مع استهداف المسلحين لحيي الميدان وسليمان الحلبي بعشرات القذائف تسببت بمقتل عدد من المدنيين، بينهم أطفال، في وقت يعيش فيه أبناء المدينة أحوالاً معيشية سيئة، وسط استمرار لانقطاع مياه الشرب للأسبوع الثاني على التوالي.
وفي وقت أنهى فيه وزيرا الكهرباء والموارد المائية زيارة مستعجلة لمدينة حلب من دون طرح مشروع حقيقي يقي أبناء المدينة الموت عطشاً، ذكرت مصادر عسكرية أن العملية التي بدأها الجيش السوري على محور سليمان الحلبي قد تثمر باستعادة السيطرة على محطة ضخ المياه الموجودة في الحي، الأمر الذي سينهي هذه المشكلة بشكل جذري، من دون تحديد موعد دقيق لاستعادة المحطة، الأمر الذي يضع الخطوة التالية تحت وطأة المتغيرات الميدانية، ما دفع الفعاليات الأهلية في المدينة للتحرك من جديد بحثاً عن اتفاق بين الحكومة و «جبهة النصرة» التي تسيطر على محطة ضخ المياه، وذلك لتوفير الكهرباء للمدينة، ومدّ بعض مناطق الريف بالتيار الكهربائي، مقابل إعادة تشغيل المحطة، لإرواء عطش المواطنين الذين أضناهم الصيف، وملوا انتظار «المعجزة»، وفق تعبير مصدر أهلي في المدينة.
السفير - علاء حلبي