دام برس :

يبدو من الواضح ان سياق العمل العسكري الذي يقوم فيه تنظيم “داعش” في البادية السورية، هدفه الوصول إلى وسط سوريا وفرض سيطرة متعددة المحاور من الشرق عبر خطوطه في مدن الرقة ودير الزور وصولاً إلى الانبار العراقية ومن الغرب نحو القلمون الشرقي والغربي وحدود الغوطة الشرقية ايضاً.

سياق هجومي إستراتيجي واضح هو ما يقوم به “داعش” في البادية السورية، فالسيطرة على مدينة “تدمر” الاثارية، لا يغدو إلا حلقة في سياق سلسلة يسعى التنظيم للاستخواذ عليها، لكن هذه الحلقة محورية جداً من أجل تحقيق السياق هذا. من الواضح ان “داعش” عمل وفق خطط معدة مسبقاً ومرسومة ومتقنة بعناية تأخذ في عين الاعتبار الاهمية الاستراتيجية لمنطقة والهدف المقبل منها. ليس صحيحاً ان سيطرت “داعش” على مدينة “تدمر” تأتي في سياق تدعيم نفسه على حساب التنظيمات الاخرى او في سياق الثأر فقط من التاريخ، بل هي تأتي في الحقيقة ضمن سياق يُعمل عليه منذ مدة، هو ربط مناطق العراق بسوريا والوصول عبرها إلى منفذ حدودي هام يفتح الخطوط العسكرية للتمدد نحو دول أخرى.

لبنان يعيش في داخل سياق الاحداث لدى التنظيم، فبلاد الارز ليست بعيدة عن خطط السيطرة لديه، هو في أدبيات القاعدة يعتبر جزءً من الشام، وعليه يترتب على بلاد الفينيقيين ما يترتب على بلاد الشام ككل.

أتى هجوم “داعش” في البادية السورية، تحديداً في تدمر، في غمرة الاحداث في الأنبار العراقية حيث تكاد المعارك تشتعل مع وصول الحشود العسكرية. هناك في الرمادي جبهات ساخنة ايضاً تصل حماوتها إلى ميدان البادية السورية، فجغرافياً المنطقة متصلة ببعضها في نفس البيئة الطبيعية، اي صحراء متصلة. عمل “داعش” منذ اليوم الأول لاعلن خلافته وفق سيناريو كسر الحدود وربط المناطق، ولهذا الغرض سيطر ويستميت بالسيطرة على محافظة الأنبار لما لها من إرتباط مع مناطق سيطرته من أرياف ومدن في الشرق السوري. الرقة ودير الزور وريفهما أساسيات للتنظيم، وتأمين ظهرهما أساسي من الأنبار التي لا يجب ان تكون خاصرة رخوة أبداً.

تأتي أهمية تدمر من أنها تعتبر عقدة وصل ما بين المحافظات السورية، خصوصاً دمشق وحمص، لكن الأهم بالنسبة إلى «داعش» أن سيطرته على تدمر تعني تمكنه من الربط بين مناطق يسيطر عليها في شمال سوريا ووسطها وشرقها، وتهديد مدينة حمص، وقطع أحد الشرايين الرئيسية لتنقل القوات السورية بين المحافظات. ويمكن ربط «غزوة» تدمر بالتطورات في جبال القلمون الشرقي التي تعتبر بوابة ريف دمشق باتجاه البادية، والتي طالما كانت محطة التحرك الأولى بالنسبة إلى كثير من المجموعات المسلحة، كما أن البادية السورية، التي تتوسطها تدمر، تملك حدوداً طويلة مع محافظة الأنبار العراقية، التي كان قد سيطر التنظيم التكفيري على «عاصمتها» الرمادي قبل اسابيع.

سيطرت “داعش” على معبر “التنف” المعروف في العراق باسم معبر “الوليد” قبل شهر من الان يظهر أهداف التنظيم، فهو عمل على تأمين ظهره إنطلاقاً من العراق عبر تأمين المعبر المذكور. إستراتيجياً، يمكن النظر إلى ان المعبر هذا يؤمن وجود “داعش” في مدينة تدمر من الخلف، حيث انه سيستطيع إستقدام دعمٍ عسكري من ظهره (العراق) في حال هاجم الجيش السوري المدينة من غربها حيث يتمركز، ايضاً، يعتبر هذا الخط الذي سيطر عليه التنظيم بدءً من معبر الوليد، خطاً إستراتيجياً لديه وممراً يستطيع خلاله دعم الجبهة بمسلحيه.

إلا ان حسابات حقل “داعش” مختلفة عن البيدر السوري والعراقي ايضاً، تطوّر المعارك في العراق خاصة في الأنبار يؤثر على حرية نقل المسلحين من هناك نحو سوريا، حيث بات التنظيم بحاجة إلى العنصر العسكري في تأمين عملية السيطرة على الأنبار التي يتهدّدها تقدم قوات الحشد الشعبي العراقية مع القوات الحكومية.

إذاً عملية إستكمال تمدّد “داعش” في البادية السورية وتهديد حمص من شرقها إنطلاقاً من قنواته في الشرق السوري والعراق دخلت في ثبات حالياً نتيجة التطورات الميدانية، لكن هذا لا يسقط فرضية نوايا التنظيم بالنسبة إلى حمص حتى الداخل اللبناني، اي عمله على إعادة فتح ذلك الخط الذي اغلق بسيطرة الجيش السوري والمقاومة على خط تلكلخ وريفها وصولاً إلى القصير ومحيط حمص المدينة.

الحدث نيوز