في وقت دخلت فيه معركة القلمون منعطفات حاسمة بعد التقدم السريع الذي حققه الجيش السوري و «حزب الله»، وسيطرتهما على عدد من التلال الحاكمة، لا سيما في جرود عسال الورد والجبة ورأس المعرة، وأحدثها مرتفعات قرنة مشروع حقل زعيتر وجور بيت عبد الحق، المطلة على جرود نحلة، غرب جرود رأس المعرة، كانت المفارقة أن «جيش الفتح في القلمون»، الذي تهيمن عليه «جبهة النصرة»، اختار، وفي ذروة هذه التطورات، أن يصدر بيانه «رقم واحد» لإعلان القتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش»، ويهدد باستئصاله من الوجود، في حين أن معاقل الفصائل التابعة لهذا «الجيش» كانت تتهاوى تحت ضربات المهاجمين من «حزب الله» والجيش السوري.
ولم يكن البيان «رقم واحد» مفاجئاً من حيث مضمونه، لأن قرار القتال ضد «الدولة الإسلامية» كان دخل حيز التنفيذ قبل ذلك بساعات. وكشفت «السفير» في عددها الصادر أمس الأول، نقلاً عن مصدر مقرب من «جبهة النصرة في القلمون» أن «قرار القتال ضد الخوارج نهائي ولا رجعة عنه، وليس متعلقاً بالقلمون الغربي وحسب، بل يشمل كل المناطق الأخرى، وعلى رأسها القلمون الشرقي ووادي بردى والزبداني».
ويبدو أن «أمير النصرة في القلمون» أبو مالك التلّي، الذي يمسك بزمام الأمور في جرود القلمون، ارتأى أن يصدر أمر القتال بشكل جماعي، بحيث لا تنفرد «جبهة النصرة» به، تحسباً لأي تصرفات فردية من قبل بعض الكتائب تمنح عناصر «داعش» هامشاً في المناورة أو توقع المصير المعدّ لهم، وذلك كما حصل في أكثر من منطقة سورية استفاد فيها عناصر «داعش» من تراخي بعض الكتائب في قتالهم، وتمكنوا بسبب ذلك من الإفلات وأحياناً قلب الطاولة على اللاعبين الآخرين.
وذكر البيان الصادر صباح أمس ان الفصائل العاملة على الأرض «اتخذت القرار باستئصال هذه الفئة المفسدة، حيث أنه لم يعد هناك خيار إلا ذلك»، وترجمة ذلك على الأرض تعني أن الهدف هو منع أي تواجد لعناصر «داعش» في جرود القلمون الغربي، واستمرار القتال ضدهم حتى ينسحبوا إلى مناطق أخرى، أو يتعرضوا للقتل أو الاعتقال.
وذكر البيان جملة من الأسباب التي دفعت إلى اتخاذ قرار القتال، أهمها « تكفير المسلمين، ونشر هذا الفكر بين العوام وقطاع الطرق، حتى أصبحوا فئة باغية ذات شوكة ومنعة وجب شرعاً استئصالها، وقد تكون هي المصلحة الشرعية المقدمة الآن»، و «عدم قبول التحاكم للشريعة».
كما ذكر البيان عدداً من الجرائم التي قال إن «داعش» ارتكبها، ويتعلق معظمها بحوادث معروفة، من حيث قتل أو اعتقال عدد من قادة الفصائل المسلحة والاستيلاء على أسلحتهم، وهي حوادث تداولها الإعلام سابقاً.
ولكن كان لافتاً أن يخص البيان مدينة عرسال ببند مستقل في سياق تعداد جرائم التنظيم، حيث قال إن من بين الأسباب التي دفعت إلى قتاله هو «ترويع المسلمين وجلب الأذى والضرر عليهم داخل عرسال وخارجها، بسبب تصرفاتهم اللامسؤولة». فهل يعني هذا أن استئصال «داعش» سيصل إلى عرسال في هذه المرحلة؟.
ولم يفت البيان أن يذكر ملخصاً وافياً عن الأحداث الأخيرة التي شكلت السبب المباشر لاندلاع الاقتتال ضد «داعش»، ومنها محاولة إغلاق خطوط الإمداد التي يستخدمها المسلحون ونصب الحواجز واستفزاز العابرين عليها. وقد أقر بصحة الوثائق التي نشرتها «السفير» قبل يومين حول السماح لعناصر «داعش» بالمشاركة في القتال، إلا أنهم استغلوا ذلك لاستقطاب «البيعات» والانتشار في المنطقة، وأسروا أحد قادة الفصائل على أحد حواجزهم، وهو ما دفع إلى قتالهم.
وقد اعترف مصدر إعلامي مقرب من «الدولة الإسلامية» بالخسارة التي لحقت بالتنظيم جراء الضربة الأولى التي وجهت إليه من قبل «جيش الفتح في القلمون» أو «صحوات القلمون» كما يسميهم. وقال إن «هذه الضربة استهدفت حوالي 100 مجاهد من مجاهدي الخلافة، تمّ أسر 50 منهم على يد الصحوات، في حين أن الخمسين الباقين في عداد المفقودين أو المقتولين».
وفي محاولة لامتصاص صدمة هذا الهجوم، قام عناصر «داعش» في المنطقة بتوزيع أنفسهم إلى مجموعات صغيرة لتسهيل الهروب، إلا أن إحدى هذه المجموعات تعرضت لكمين، وتم أسر غالبية عناصرها، وقد تبين أن بينهم «قيادي كبير» يعتقد أنه أبي بلقيس العراقي، إلا أن المصدر لم يؤكد هذه المعلومة. كما أنه نفى الاتهامات الموجهة إلى عناصر التنظيم والتي استدعت قتالهم كما وردت في البيان «رقم واحد»، مؤكداً أن «أبي مالك التلي هو من سمح للأخوة، البالغ عددهم 100، بالدخول إلى أرض المعركة ضد حزب الله، وأن ما جرى هو أن فصيلاً مقرباً من النصرة أراد الفرار من أرض المعركة فما كان من الأخوة إلا أن اعتقلوهم وأخذوا أسلحتهم»، مشيراً إلى أن «الرد على هذا الهجوم سيكون موجعاً للصحوات»، لأن «الأخوة»، بحسب قوله، «بدأوا بتجميع بعض الخلايا التي ستشن هجمات معاكسة».
وبلغت حصيلة الاشتباكات بين الطرفين أكثر من 15 قتيلاً من «داعش»، بالإضافة إلى اعتقال 60 آخرين. ومن بين القتلى القائد العسكري السابق لـ «داعش في القلمون» المدعو أبو الورد العسكري. كما قتل عدد من عناصر «جيش الفتح»، عرف منهم مالك الدوس المعروف باسم أبي هريرة التلي.
من جهة أخرى، أعلن محافظ حمص طلال البرازي عن مقتل أربعة أشخاص، وإصابة 28، في تفجيرَين عبر دراجتين ناريتين مفخختين استهدفتا حيي وادي الذهب والزهراء.