دام برس :
رسم الجيش العربي السوري أمس الأول خطوطاً حمر جديدة للعاصمة السورية دمشق، بعد عملية مباغتة في الغوطة أدت للسيطرة الكاملة على مدينة المليحة بوابة الغوطة الشرقية ومزارعها، الخبر وقع كالصاعقة على الميليشيات المسلّحة المتواجدة في جوبر، والتي كانت ترى في المليحة الرئة الوحيدة التي من الممكن أن تتنفس منها في حال أقدم الجيش السوري على تضييق الحصار عليها أكثر، فتلك المليشيات التي تعمل جميعها في جوبر تحت قيادة أجنبية، "غسلت أيديها" من "الرئة الدومانية" كما قلنا في مقالات سابقة، خاصة وأنها بدأت تيقن أنها لم تعد ملجأها ولا مستودع ذخيرتها وبيت مؤنها، فوحدات الجيش السوري المرابطة في محيطها والتي تفرض على مدينة "دوما" حصاراً خانقاً تراقب كل شيء يتحرك فيها عن كثب.
وبالوقت الذي كانت فيه وسائل الإعلام "المعادية" والصديقة تتحدّث عن انتصار الجيش السوري في المليحة وشقّ طريقه باتجاه ماتبقى من مناطق الغوطة الشرقية التي تقبع تحت سيطرة الميليشيات المسلّحة، وتستعرض على شاشاتها الكبيرة والصغيرة خرائط تشرح من خلالها أهمية السيطرة على هذه البلدة بعد مايقارب الـ 131 يوماً من الاشتباكات، كانت وحدات عسكرية أخرى تضع خططها في ريف دمشق لترسم ملامح الدخول باتجاه الهدف الثاني، بعد فرار من استطاع الفرار من كمائن الجيش السوري المتقدمة في الخطوط الخلفية للمليشيات باتجاه "كفر بطنا وجسرين وعين ترما"، وبدأت تلك الوحدات "تُغازل" بين الفينة والأخرى تلك الميليشيات بأوكارها من خلال المدفعية وصواريخ سلاح الجو، التي قتلت بحسب مصادر شبه مؤكدة مايزيد عن 150 عنصر أغلبهم من الجنسيات الأجنبية، بينما ألقت القبض على مايفوق الـ 100 مسلّح استسلموا عندما باتوا وجهاً إلى وجه أمام جنود الجيش السوري في آخر معاقلهم بمزارع المليحة، وهي الحدود الفاصلة بين المليحة وكفر بطنا وجسرين..
الإنجاز الذي حققه الجيش السوري أول أمس ليس كاملاً ضمن "العلم العسكري"، خاصة وأن تلك الميليشيات مازالت قادرة على تهديد العاصمة السورية والمناطق المحيطة بها من خلال قذائف الهاون والصواريخ، فمناطق كـ"جرمانا والدويلعة وباب توما ...الخ" مازالت ضمن مدى تلك القذائف التي ستحاول أن تطلقها تلك الميليشيات خاصة من جهة عين ترما، فهي الأقرب والأكثر حاضنة للمسلحين، لكنها ليست البديل الاحتياط في حال سقوط المليحة، فالميليشيات لم تلحق تجهيزها كبديل عن المليحة كون سقوط الأخيرة كان مفاجئاً وسريعاً. وصارت المهمة أصعب على الجيش السوري، حيث عليه أن يُحافظ على جبهة المليحة بين يديه، وأن يتقدّم بسرعة باتجاه انتشار الميليشيات في عمق الغوطة، مستغلاً الحالة الفوضوية التي يعيشوها إثر سقوط حصنهم ماقبل الأخير، والذي باتوا يفهون جيداً أن المعارك مع الجيش السوري ليس هم من يحدد مجراها ولا إدارتها.
فبالوقت الذي تجهّزت الميليشيات المسلّحة لصد أي تقدّم للجيش السوري في عمق الغوطة استكمالاً لعمليات المليحة، استطاعت إحدى الوحدات العسكرية في الريف الحلبي الالتفاف على المجموعات المسلّحة التي تسيطر على منطقة "مشفى الكندي" الاستراتيجية والسيطرة عليها بالكامل، مخلّفةً ورائها عشرات القتلى والمصابين والأسرى، ممن سلّموا أنفسهم أمام ضياع وتخبّط من التقدّم السريع في تلك الجبهة "المحصّنة" جيداً، حيث بات الطريق أمام الجيش السوري إلى مخيم حندرات مفتوحاً، هذا المخيم الذي يقع تحت سيطرة مزدوجة من "النصرة وداعش". تزامناً مع تقدّمه على جبهة الكاستيلو.
ماسبق، تزامن مع غارات جوية دقيقة على محيط الطبقة في أطراف مدينة الرقة، أدت إلى مقتل عشرات المقاتلين من تنظيم "داعش" الذي يحاول بعد سيطرته على مقر قيادتي "الفرقة 17 – اللواء 93" بعد انسحاب الجيش السوري منهما إثر هجوم بالآلاف لتنظيم "داعش" على النقطتين العسكريتين، أن يفرض طوق ومن ثم اجتياح وسيطرة على المطار العسكري الذي يعتبر آخر معقل للجيش السوري في المدينة، لكنه جوبه بمقاومة شديدة من قوات حماية المطار التي استطاعت حتى الآن من تأمين محيط المطار بمساعدة سلاح الجو الذي يقوم بعمليات تمشيط على مدار الساعة في محيط المطار، إضافة إلى غارات مكثّفة على مناطق تجمّعهم في مدينة الرقة.
لايوجد أدنى شك بقدرة الجيش السوري على صد أي هجوم متوقع للميليشيات المسلحة، خاصة وأنه اليوم بمواجهة مباشرة مع داعش الذي سيطر على قرى مهمة في ريف حلب بعد طرده للجبهة الإسلامية التي كانت تسيطر على "احترين – تركمان بارح – الغوز – المسعودية – العزيزية – دابق – أرشاف - صوران" قبل أن يسيطر عليها التنظيم الإرهابي، في طريقه للسيطرة على "اعزاز" التي تعتبر "عاصمة الريف الشمالي" ومقسومة بالقيادة بين الجبهة الإسلامية وجبهة النصرة، والتي تكمن أهميتها إن سيطر عليها داعش، في قدرته على قطع الطريق بين محافظة حلب ومعبر باب السلام الذي يعتبر المورد الاقتصادي الأهم الوحيد لجبهة النصرة والجبهة الإسلامية، بعد فقدانها الموارد النفطية التي كانت تسيطر عليها سابقاً قبل دخول داعش إلى مناطق تواجدها في الرقة ودير الزور وطردها منها.
الميدان السوري عاد من جديد ليخلط أوراقه، خاصة في ظل تعدد المليشيات المقاتلة في سوريا، والتي تنتظر دورها في التصفيات لتصل إلى المعركة الأخيرة أمامه، لكن توغل داعش باتجاه تلك الميليشيات والسيطرة على معاقلها، يترك الخيارات أمام الجيش السوري كثيرة جداً، فهل يقوم بعمليات استباقية ضد تجمعات داعش الجديدة والقديمة ..؟؟، أم يترك لنفسه فرصة الاستراحة بينما تقوم باقي المليشيات بتصفية بعضها حتى ينتصر أحدها ومن ثم يتقدّم لميدان المهركة الحقيقية في مواجهة الجيش السوري ..؟؟.
عربي برس