دام برس :

كتب عمر معربوني في سلاب نيوز .. مهما تكلّمنا وشرحنا وفصّلنا عن طبيعة الحرب الدائرة في سورية بين الجيش العربي السوري والجماعات الإرهابية المسلّحة، فالمعركة هي بين سورية و"إسرائيل" والسبب الرئيسي لهذا الطرح أنّ أية حرب تُخاض يجب أن نوصّفها انطلاقًا من أهدافها ونتائجها. ولأنّ ما كان مخططًا له أن يحصل في شهور قليلة تحت عناوين مموهّة لم يحصل، واقصد به تفكيك الجيش العربي السوري وانهيار الدولة السورية، وهذين الهدفين إضافة إلى الهدف الرئيسي وهو إعادة رسم خارطة المنطقة على أسس مذهبية وإثنية لتحقيق أعلى مستوى من الأمان للكيان الصهيوني عبر تحقيق الفوضى العمياء الدائمة والحروب المستمرة بين الكيانات الناشئة على الأسس المذهبية والإثنية وطبعًا عبر تغليف العملية بعبارات رنّانة تحت عنوان التغيير وإسقاط الأنظمة وغيرها من الشعارات التي طُرحت منذ بداية " الربيع العربي"، الذي كان بمثابة حصان طروادة نجح في البداية في تونس ومصر عبر إيصال الإخوان المسلمين إلى السلطة، وهذا ما حصل أيضًا في اليمن. وإذا ما رجعنا بالذاكرة إلى الوراء، فكلنا نذكر الطلب الواضح من وزير الخارجية التركي آنذاك، أحمد داوود أوغلو، بإشراك الأخوان المسلمين بالحكم في سورية بداية الأزمة ورفض القيادة السورية للطلب وهو ما شكّل بداية انقلاب الموقف التركي وظهوره على حقيقته لجهة بسط نفوذ الأخوان من تونس إلى مصر وصولاً إلى سورية وأكثر من مكان. وكذلك الغضب الأميركي من رفض الرئيس السوري الدكتور بشّار الأسد لطلبات وزير الخارجية الأميركي آنذاك، كولن باول، بعد سقوط العراق سنة 2003 الذي كان بداية اتخاذ القرار بتدمير سورية وتفكيكها وهو أمر موثق ولم يعد خافيًا على أحد.

أما وقد مضى على الحرب قرابة أربع سنوات ونصف، ولم تتحقق الأهداف منها حتى اللحظة، فإنّنا نشهد انتقالاً إلى مراحل مختلفة حسّاسة ومفصلية خصوصًا في مناطق الزبداني وسهل الغاب بشكل أساسي، إضافة إلى جبهتي حلب والجنوب السوري.
ففي الزبداني بات مؤكدًا أنّ حسم المعركة وتحرير الزبداني سيُنهي مخططًا خطيرًا ومعقدًا تكلمنا عنه سابقًا لجهة إفشال خطة تطويق دمشق والسيطرة عليها من خلال فتح جبهات قريبة في الغوطتين الشرقية والغربية، ومن خلال الضغط عبر القلمون إضافة إلى الضغط عبر جبهات الجنوب لوصل المناطق ببعضها وتحقيق أمرين أساسيين: الأول، إقامة المنطقة العازلة على الحدود السورية الفلسطينية في الجولان وصولا إلى مشارف الحدود الأردنية السورية وسيطرة الجماعات المسلّحة على العاصمة دمشق وكلا الأمرين لم يتحققا حتى اللحظة، علمًا أنّ مخطط ربط القلمون بحرمون سينتهي إلى غير رجعة. إضافة إلى المصاعب التي تعانيها الجماعات المسلّحة المدعومة من "إسرائيل" مباشرة في الجنوب السوري في درعا والجولان من خلال فشل كل عواصف الجنوب والضربات الكبيرة لرؤوس هذه الجماعات عبر عمليات نوعية نفذّها الجيش العربي السوري أكثر من مرّة.
وما الغارات الصهيونية الأخيرة إلاّ دليل على حالة التوتر الصهيوني بنتيجة ما يجري في الزبداني والجنوب السوري، وكذلك ما تقوم به جماعات زهران علوش من استهداف يومي للعاصمة دمشق.

في الموازاة، نعرف جميعًا ما حصل منذ منتصف شهر أذار في محافظة إدلب لجهة سقوط إدلب وجسر الشغور وأريحا وبعض قرى سهل الغاب بيد الجماعات المسلّحة بهدفين أساسيين:
1- المباشرة بتشكيل ضغط على مفاتيح سهل الغاب، حيث يشكل السهل أهمية عسكرية وأخرى اقتصادية عبر فصل المنطقة الساحلية عن حماه وقطع العديد من طرق الإمداد الاستراتيجية للجيش السوري من المنطقة الساحلية وصولاً إلى حماه وتاليًا حلب، إضافة إلى نقل المعركة من جديد إلى أرياف حماه المحررة. أما في الجانب الاقتصادي، فسهل الغاب الذي تقارب مساحته ألف كلم مربع هو منطقة خصبة وحيوية تؤمن إنتاجًا كبيرًا من القمح والخضراوات وغيرها، سيتيح للجماعات المسلّحة مردودًا اقتصاديًا ويعقد على الدولة السورية مسألة تزويد مناطق سيطرتها بالمواد الزراعية بشكل كبير.
2- فتح جبهة واسعة وخطرة مع المنطقة الساحلية عبر ربط سهل الغاب بسلسلة الجبال الغربية التي تسيطر الجماعات المسلّحة على أجزاء منها وخصوصًا عند جب الأحمر وكتف الغنمة.
وما الضغط الذي تقوم به الجماعات المسلّحة في سهل الغاب إلا بسبب حاجة الداعمين والمشغلين لتحقيق نصر كبير على الدولة السورية يكون بحجم يساعد هؤلاء الداعمين وعلى رأسهم "إسرائيل" وتركيا والسعودية من إملاء شروطهم في أية مفاوضات قادمة.
الترابط في التخطيط والدعم والقيادة بين "إسرائيل" وتركيا والسعودية لم يعد خافيًا، فالقادة الصهاينة يجاهرون بدعمهم لجبهة النصرة علنًا وكذلك تفعل تركيا مع جيش الفتح الذي تؤمن له كل شروط النجاح في عملياته بما فيها القيادة المباشرة للعمليات عبر ضباط أتراك وخبراء ميدانيين في بعض المناطق وخصوصًا في إدلب.

الضغط الذي تقوم به هذه الجماعات في إدلب وسهل الغاب هدفه المباشر إعادة خلط الأوراق وإحداث شرخ كبير في خرائط السيطرة لمصلحة هذه الجماعات، وبالتالي لمصلحة "إسرائيل" ومشروعها التاريخي المرتبط بتحقيق الأمن والأمان للمجتمع الصهيوني من خلال نظرية إغراق المنطقة العربية بالفوضى والتي تم تطويرها منذ مخطط كيسينجر وحتى اللحظة أكثر من مرة لخدمة الهدف التاريخي لـ"إسرائيل".
خلال الفترة الممتدة من أذار الماضي حتى الآن، استطاع الجيش العربي السوري ورغم خسارته لمساحات جغرافية كبيرة من إعادة تجميع قواته على تخوم سهل الغاب، وبات قادرًا على تفعيل المبادرة والقيام بهجمات مضادة وتنفيذ مناورات بأشكال مختلفة ضمن تكتيكات تتلاءم مع طبيعة تكتيكات الجماعات المسلحة القائمة على استخدام الصواريخ المضادة للدروع والتشويش الإلكتروني واستخدام أعداد كبيرة في الهجوم على محور واحد، وهو ما تتعامل معه وحدات الجيش العربي السوري بتكتيكات جديدة أذكر منها، على سبيل المثال لا الحصر، اعتماد اللامركزية في اتخاذ القرار لقادة محاور القتال والبدء بعملية ربط بين مواقع الجيش العربي السوري في سهل الغاب وجب الأحمر كمرتفع استراتيجي في سلسلة الجبال الغربية.

الأمر الهام أنّ الجيش العربي السوري أوقف مفاعيل هجمات الجماعات المسلحة في سهل الغاب، وبدأ بتحصين خطوط دفاع جبهية محصنة ينطلق منها إلى الهجوم المضاد بشكل بطيء وحاسم معتمدًا على الهجمات الخاطفة والكمائن التي تلعب دورًا كبيرًا في استنزاف الجماعات المسلحة.
ختامًا، إنّ المواجهة التي تخوضها الدولة السورية هي بوجه قوى معادية تملك مخططًا جهنميًا وأدوات أثبتت ولاءها لداعميها وعلى رأسهم "إسرائيل" قطعت الدولة فيها أشواطًا كبيرة في تثبيت أسس المواجهة التي ستشهد في المرحلة القادمة تحولات نوعية وكبيرة عسكريًا وسياسيًا.