دام برس :
ليست المعركة في الشمال معركة بين الميليشيات المسلحة المؤتلفة فيما يعرف باسم جيش الفتح، والجيش السوري وحسب، وإنما هذه المعارك التي تتخذ طابع التصعيد المستمر، والمدعومة وفق تقارير إعلامية أوروبية لوجستيا من قبل الحكومة التركية، وتؤكد ذلك المصادر الميدانية بأن ثمة تشويش تركي على اتصالات الجيش، ونشر لضبابة إلكترونية على المنطقة، بما يفيد عرقلة التواصل بين مختلف القطعات العسكرية السورية، إضافة إلى فتح الطريق أمام انتقال المقاتلين من وإلى الأراضي السورية، ويلعب المحور القطري التركي دوراً كبيراً في إدارة المعارك في الشمال، فالعلاقة ما بين تنظيم جبهة النصرة والدوحة ليست بخفية، وتأثير العاصمة القطرية بمسار التنظيم الذي يعد الأساس في تشكل ميليشيا جيش الفتح كبير جداً، وعلى إن هذا الكلام لا يبرر بالنسبة للمتلقي انسحاب الجيش السوري من هذه النقطة أو تلك، يجب أن تفهم جغرافيا المنطقة على المستوى العسكري أولاً، وعلى المستوى السياسي ثانياً، والمراد من هذه المعارك في المرحلة الحالية، ولماذا يسعى القطريون والأتراك إلى الاقتراب من مناطق الساحل السوري، وعمق المنطقة الوسطى..؟.
ميدانياً، اتخذت قيادة القوات في سهل الغاب قرارا بالانسحاب نحو المناطق العمق، إلا أنها لم تسلم المناطق بالمجان، ولا بغير مقابل ميداني لن يكون أقل منتوجاً على المستوى العسكري، فالمعركة في الشمال على المستوى العسكري، هي معركة السيطرة على المرتفعات الجبلية، وما ستعكسه السيطرة عليها من إسقاط المناطق التي أخلاها الجيش السوري، فالتجربة أثبت إن الذهاب نحو عمق الشمال، بطريق مباشرة هي معركة استنزاف، تميل كفها للمسلحين لجهة العدد، وطبيعة التطور في شكل الميليشيات المهاجمة في تلك المنطقة، فالمعلومات التي تشير إلى اتجاه النصرة نحو تقليد داعش في زج انغماسييين في المعركة، من مقاتلي ميليشيا جند الشام الشيشان، يعني إن ثمة توجه كبير نحو الوصول إلى اٌقصى درجات التصعيد على المستوى الميداني في الشمال، بعد الفشل الكبير للميليشيا بما فيها النصرة في الجنوب، وأمام هذا الزخم الكبير من الهجوم يكون الجيش السوري قد اتخذ قراراً صائباً بالتراجع إلى العمق قليلاً، مؤمناً بذلك المجنبتين اليمنى واليسرى، بما يبقي الميليشيات في جهة واحدة، هي الأمام، ثم هل ذكرت أي من الجهات الإعلامية الداعمة للإرهاب في الداخل السوري حجم الخسائر البشرية التي لحقت بميليشيا جيش الفتح خلال الـ 48 ساعة الأخيرة..؟.
ومن المفيد ألا يكون ثمة إحباط على المستوى المعنوي للجبهة الداخلية في سوريا، بمعنى إن الوضوح في الخطاب الإعلامي العسكري، من قبل الدولة السورية، يأتي متوازناً ومقادر الإحساس بالقوة الموجودة، فالذهاب نحو معارك أشبه بمعارك القلمون مع تبدل الجغرافية قليلاً، يرجح كفة الجيش السوري، وبالتالي إذا ما أسقطت هذه المناطق نارياً، سيكون العدد الكثيف، سلاحاً محيداً، وسيكون من المفيد جداً أن يتم استبدال الخطة العسكرية بأخرى وفق الاستراتيجية التي تفرضها المعارك، فالاستنزاف، لا يصب في خانة أي من القوى العسكرية النظامية، ذات الهدف الواضح، والتي تعمل ضمن الأنظمة المؤسساتية، وهذا المناطق يتعاكس تماماً والقرار الميداني للميليشيات المسلحة التي لا تعنى بعدد قتلاها، ولا تعنى بحجم الخسائر، فالإمداد البشري والعسكري الكبير من قبل المشغلين، يدفع بقادة الميليشيات نحو تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب على الأرض دون الإلتفات إلى حجم الخسائر، وعلى هذا الفهم يؤسس للنظر نحو الهدف السياسي من معارك الشمال.
بالنظر إلى الخارطة الميدانية على أساس الجهات المشغلة، يفهم أن ثمة توافق على إن الطرف الأضعف من بين هذه القوى سياسياً في المرحلة الحالية يبحث لنفسه عن موطئ قدم في ناتج الحل السياسي السوري، ولكون المعطيات التي استند إليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في دعوته لتشكيل تحالف ضد الإرهاب بدأت تتضح من خلال التسريبات السعودية، وهي تسريبات تسعى الرياض من خلالها إلى تهيئة الجو نحو تبدل المواقف المعلنة، وهذا التبدل سيكون منسجماً مع القرار الأمريكي بالتحول أيضاً في الملف السوري لجهة تهدأة منطقة الشرق الأوسط، ومن الواضح إن الدول الغربية بدأت تميل نحو الحل السياسي في سوريا، ولعل المبادرة الإيرانية ستكون بوابة نقاشات كبرى جديدة تضمن حل جدياً، يؤسس من موسكو3، ويذهب نحو جنيف من خلال ورقة عمل سورية تستند إلى المزاوجة ما بين “معجزة بوتين” و المبادرة الإيرانية، ليكون القالب النهائي لهذه الورقة سورياً بامتياز، وسيكون مضمون هذه الورقة مستنداً إلى محاربة الإرهاب أولاً، لضمان مناخ سليم لخلق أي تحول سياسي مرغوب به من قبل السوريين، فلا يعقل أن تجري انتخابات جديدة في ظل وجود الميليشيات المسلحة على الأراضي السورية.
وبكون السعوديين والروس والإيرانيين والأمريكان وحتى العمانيين ضمن دائرة الطروحات السياسية للحلول في سوريا، فإن القطريين والأتراك أحسوا بأنهم خارج ناتج الحل في سوريا، الأمر الذي يدفع بالدوحة وأنقرة للتصعيد ميدانياً، ولا يستغرب أن يكون ثمة دور إسرائيلي في هذه الجبهة، بالتنسيق مع هذا المحور الثنائي، فلتل أبيب حضورها في مشهد تمويل ودعم النصرة جنوب سوريا، ولكون الحكومة الإسرائيلية غير مستفيدة مطلقا من التهدئة في سوريا، فمن مصلحتها التصعيد، وهذا يؤسس لفهم شكل المرحلة القادمة، وتنطلق هذه القوى الثلاثة في تسخين الجبهات الشمالية في سوريا، من قربها من الساحل السوري، وما له من رمزية في الخطاب الإعلامي المعادي لسوريا، ومن هذا المنطلق، كانت وستبقى الجبهة الشمالية جبهة التسخين المستمر، ولا يمكن أن يكون هذا التحرك خارج نطاق معرفة الإدارة الأمريكية، والتي وإن كان لها توجهاً نحو التعاون مع روسيا لحل الأزمة السورية، إلا أنها لابد وأن تبقي على قطر وتركيا في الضفة الأخرى لضمان استمرارية الضعوط على دمشق، لكن يمكن للطرف المعادي أن يكسب معركة، غير إنه هل سيحسم الحرب...؟.
فالإدارة الأمريكية نفسها، تعترف بقوة الدولة السورية، ومقدرة الأسد على إدارة المعارك بالتزامن مع إدارة الملف السياسي، والمعروف عن الأمريكيين خصوصاً، والغرب عموماً، إنهم لا يذهبون نحو محاورة أي من القوى السياسي في العالم سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وبشكل علني أو سري، إلا نتيجة إحساسهم بقوته، وبفشل الذهاب نحو استخدام القوة معه، وكنتيجة طبيعية لهذه القوة التي تقرأ أمريكياً من حسم معارك القملون، والحسكة، والسويداء، وتأمين دمشق، واقتراب المعارك من شريط الفصل مع الأراضي المحتلة، وإسقاط ما اسمي بعاصفة الجنوب عدة مرات، مضافاً إلى ذلك التأكيدات الروسية والإيرانية بالتحديد على إن الموقف من سوريا لم ولن يتغير، تجد الإدارة الأمريكية نفسها ملزمة بالحوار، لحل الأزمة السورية.
عربي برس