دام برس :
يختلف داخل مدينة الرقة السورية كثيراً عن خارجها، وتختلف أيضاً النظرة العامة لشعب يعيش منذ أكثر من عام تحت "الحكم الداعشي"، عما ينظر من هم خارج هذه المدينة، فعندما سقطت الفرقة 17 وبعدها اللواء 93 ومن ثم مطار الطبقة، وجّهت معظم أصابع الاتهام إلى أهالي الرقة "الذين لم يقدّموا أي مساعدة عسكرية لعناصر الجيش العربي السوري هناك"، وصارت النظرة لهم تذهب باتجاه اتهامهم بالتعامل والولاء لهذا التنظيم قاطع الرؤوس وسابي النساء ...الخ، إلا أن حقيقة ماكان يجري فعلاً بالداخل الرقاوي يختلف كثيراً عما كان يقوله من يعيش خارجها، وبدأت فيما بعد تظهر قصص وروايات حول ماقدّمه هؤلاء الأهالي للجيش العربي السوري، وكم من أهالي المدينة تعرضوا للقتل والإعدام والتعذيب والتهجير عندما كُشف أمرهم لاحقاً..
سامر الذي طلب منّا عدم كشف اسمه كاملاً "خوفاً من انتقام التنظيم من عائلته، هو شاب من أهالي مدينة الرقة وعاش الفترة التي سيطر فيها التنظيم على مدينته منذ البداية وحتى آخر نقطة عسكرية متواجدة هناك، ووصف لـ"عربي برس" كيف تعايش أهالي المدينة مع الأخبار الواردة "من قبل التنظيم"، وكيف كان يتصرّف هؤلاء أمام عناصر التنظيم وكيف يتصرفون في غيابه، يقول سامر: "في حضور عناصر التنظيم كان أهالي مدينتي يُظهرون الفرح لانتصارات داعش على الجيش السوري، أما في الخفاء أي في منازلهم وخلواتهم بعيداً عن أنظار عناصر التنظيم، كانوا يتشاورون فيما بينهم حول سبل المساعدة التي من الممكن أن يقدّموها لعناصر الجيش، كأن يقدّموا له أماكن توزّع التنظيم وحواجزه ومقاره الرئيسية ومستودعات ذخائره وسلاحه، إضافة إلى أماكن احتفاظهم بالمخطوفين والأسرى، وكانت للإخباريات التي يقدّمها الأهالي دوراً كبيراً في ضرب معنويات التنظيم المعروف بسريته وكتمانه على مناطقه الحساسة وأماكن تواجد قياداته".
ويضيف سامر الذي رسمت إحدى شظايا صواريخ "التحالف" على جسده جروحاً موزّعة كونه تواجد في مكان سقوط إحدى تلك الصواريخ، "إن تنظيم داعش يخشى طائرات سلاح الجو السوري كثيراً، لا يلبث عناصره أن يسمعوا صوت الميغ تحلّق في أجواء المدينة حتى يبدأ معه عملية الإخلاء العشوائية والركض في شوارع المدينة، أما عن طائرات التحالف فهم يخشوها أيضاً لأنها بدون أصوات "طائرات بدون طيار"، لكن لسلاح الجو السوري وقع خاص في نفوسهم خاصة عندما تهدر الطائرة "فجأة" في سماء المدينة وتبدأ بالقصف "المركّز"، ويتابع، ما يميّز سلاح الجو السوري عن طائرات التحالف "قبل تشكيل التحالف"، أنه يضرب في كل الأوقات لذا ترى عناصر التنظيم متخبّطون على مدار ساعات اليوم الواحد، بينما طائرات التحالف تكتفي بالتصوير نهاراً والقصف ليلاً فقط، إلا أنها دائماً "توجّه ضرباتها إلى أماكن كان أخلاها عناصر التنظيم مسبقاً، كمبنى الأمن السياسي الذي كان يتخذه التنظيم مقراً رئيسياً له في وقت سابق، حيث كانت ضربات سلاح الجو السوري سابقاً أكثر تأثيراً وتوقع إصابات كثيرة في صفوف التنظيم كونها كانت تسبق أي عملية إخلاء يقوم بها العناصر لمقارهم أو حواجزهم في المدينة.
وكشف سامر أنه في مدينة الرقة، إضافة لوجود عناصر شيشانية وسعودية وغيرها من الجنسيات لعناصر التنظيم الإرهابي، إلا أن "الجنسية التركية" تطغى على داعش في الرقة، وهذا ما دفعنا لفهم سبب امتناع "تركيا" من مشاركة التحالف في ضرباته الموجّهة ضد "داعش"، وإصرار «إردوغان» على عدم مساعدة أكراد "عين العرب" السورية في حربها ضد التنظيم، حيث يقول سامر أن الأتراك أيضاً يشاركون بكثافة في محاولة السيطرة على مدينة "عين العرب"، مسيراً إلى أن الرقة استقبلت عائلات هاربة من عين العرب، وأن التنظيم على علم بوجودهم لكنه لايقترب منهم أبداً برغم ترداده مرات عدّة أنه سوف يقوم لاحقاً بقتلهم جميعاً.
وعن السوريين المنضوين تحت جناح "داعش"، قال سامر أن أهالي الرقة مغلوب على أمرهم، هناك الكثير من الشباب المنضمين للتنظيم في "الشكل"، لكن في الحقيقة هم يمارسون حياتهم الطبيعية بعيداً عن أنظار التنظيم، ويوضّح سامر أن "ابن عمّه" أحد عناصر تنظيم "داعش"، فعندما يكون في البيت أو في أماكن لايوجد فيها أي "داعشي" والموجدين "موثوقين"، يقوم بـ"التدخين وشرب الأركيلة وسُباب وشتم التنظيم وممارساته"، لكن مجرد صار بينهم يختلف 180 درجة، وتشعر للوهلة الأولى أن هذا الشخص من مؤسسي التنظيم، يعزو ذلك إلى محاولة هؤلاء الشباب من خلال تصرفاتهم لإثبات "نفسهم" أمام التنظيم، كما هو الحال مع التنظيم نفسه الذي يهدف بكل سلوكياته إلى القول بـ"أني موجود" لا أكثر، ويروي سامر قصّة حصلت معه في أحد أسواق المدينة، عندما كانت امرأة تقف عند "حذّاء" ليُصلح لها حذائها وكانت تكشف عن عيونها من فوق "الخمار"، مرّ أحد عناصر داعش عمره "14 عاماً" يحمل بيده سلاحاً وطلب منها أن ترمي "الخمار" على عيونها، ومنع سامر الذي كان يقف بجانب المحل "صدفةً"، من الوقوف خلفها "لأنه ممنوع في شرع التنظيم الوقوف خلف المرأة"، وما أن غادر "الداعشي الصغير" حتى عادت المرأة وكشفت خمارها وتكمل الشرح للحذّاء لكن ولسوء حظّها رآها هذا "الداعشي" وقام باعتقالها هي وصاحب المحل بتهمة "كشف العورة" ....
يختم سامر لـ"عربي برس" قائلاً: "تنظيم داعش يعرف تماماً أن مدينة الرقة ليست حاضنته، ويعرف كثيراً أن أهالي المدينة لايروقهم وجوده رغم كل مظاهر "التناغم" الذي يحاول أبناء المدينة إظهاره لهم، لكن خوف أهالي المدينة من جرائم هذا التنظيم هو ما يمنعهم من التحرك ضدّه"، ويضيف، "هو يعرف أن أهالي الرقة سيوجّهون له ضربات في حال سنحت لهم الفرصة، لذا اعتمد على حواجز ثابتة ولكن قليلة في المدينة، وهو "أي التنظيم" يتحاشى القيام بدوريات متحرّكة إلا في مناطق سيطرته المطلقة، أي المناطق المؤمّنة 100% فقط، لكن هناك مناطق لا يدخلها إلا بصورة جماعية وبسلاح كامل وبشكل مفاجئ، لأنه يخشى من أي عمل عسكري ضدّه، والأمثلة كثيرة على عمليات نوعية نفّذها شباب من المدينة استهدفوا فيها عناصره وقتلوا منهم ما استطاعوا..".
عربي برس - ماهر خليل