الرئيسية  /  تحقيقات

السياحة الشعبية في سورية على قارعة الطريق... فهل تستطيع وزارة السياحة إصلاح ما أفسده غلاء الأسعار


لأن دخول أسرة متوسطة الدخل لمطعم وتناول وجبة عشاء قد تبقيها نصف شهر بدون طعام ، ولأن القيام برحلة خارج المدينة يكلفها ادخار سنة كاملة ، فيما يبقى حلم النوم بالفندق ولو لليلة واحدة بعيد المنال و ضرباً من الخيال بالنسبة للكثيرين ، في وقت غاب مصطلح السياحة الشعبية عن ذهن الكثيرين ، واقتصر على جلسات بأطراف الطرقات تلجأ إليها عائلات ذوي الدخل المحدود هرباً من ضغوطات الحياة والعمل التي تفوق وطأتها حر الصيف ، تسعى وزارة السياحة لتنظيم رحل سياحية بأسعار مناسبة تؤمن رحلة لكل عائلة بالسنة في مسعى لإصلاح ما أفسده الغلاء .

تحليق بالآمال والآلام على طريق المطار

حمل أبو بشار عدة القهوة وشرشف قديم واتجه مع زوجته وأطفاله الثلاث صوب طريق المطار لقضاء عدة ساعات ، علهم ينعمون بنسمة هواء تنسيهم صعوبة الحياة ويتمتع الأطفال باللعب على العشب ، بعيداً عن جدران المنزل الذي ضاق بأبو بشار وأسرته ، وبعد تبادلنا أطراف الحديث مع أبو بشار وزوجته عن الحياة ومصاعبها وصف المكان بالمتنفس الوحيد " للدراويش وأصحاب الدخل المحدود " ويقول " للمطاعم أهلها وللمتنزهات روادها بينما أمثالنا ممن يقل دخلهم عن 15000 لا يجدون سوى طريق المطار لقضاء ساعات بعيداً عن مشاكل الحياة وضغوطاتها " ويتابع " قضاء نزهة بأحد المصايف كعين الخضرا أو الفيجة مع أسرتي ، يكلف أكثر من 3000 ليرة وهو ما يفوق طاقتي ولو مرة واحدة بالسنة " ، فيما اشتكت أم بشار من غلاء الأسعار الذي صعب مسؤولية تدبير المنزل وتأمين أساسيات الحياة حيث وصلت تكلفة طبخة الغذاء أكثر من 500 ليرة " .
على بعد أمتار جلس ماهر وصديقه محمد مع عائلاتهم يشربون المتة ، وتوسطت الجلسة الأراكيل وصحون البزر والفواكه ، في جلسة عائلية تتكرر مرة كل أسبوع بعيداً عن ضوضاء المدينة فيقول ماهر " نأخذ قسط من الراحة هنا بعد أسبوع عمل شاق فيما تشعرنا جدران المنزل الضيقة بالكآبة ".
و بدا الوضع المعاشي الصعب واضح من كلام محمد فيقول " للشهر الثالث على التوالي يستمر الكسر بمصروف البيت على ما يبدو فالأمور ذاهبة نحو التدهور " ويضيف محمد " تعتبر جلسة طريق المطار كفسحة الأمل بالمستقبل ، حيث توحي حركة السيارات المسرعة وضجيجها بإيقاع الحياة المتسارع ، وبالرغبة بالتمسك بفرصة أمل تنطلق فينا للمستقبل " .
مطالب كثيرة تحملها أمال البسطاء قد يراها البعض بالبسيطة والمستحيلة بأن واحد ، لكنها تحمل بطياتها حاجة ماسة فيقول بسام " نرجوا العناية بالمكان وتخديمه بمنهل لمياه الشرب ودورة مياه وهاتف فقط " ويتابع " نعلم أن المكان غير مخصص للنزهة ويشكل خطر على حياة أبنائنا لقربه من الطريق لكنه الوحيد الذي نستطيع تنشق الهواء بالمجان فيه بغياب الحدائق العامة بدمشق ".

فرح ابنك بخمس ليرات و أركيلة غير شكل

تجمع الأطفال حول أبو علي بائع الغزلة وهو ينادي " شعر الحلوين ياغزلة " ، وبابتسامة حذرة استقبلنا علمنا سبب حذره لاحقاً حيث توقع أننا من عناصر المحافظة أو البلدية ، التي ضيقت الخناق على الباعة الجوالين وصادرت دراجاتهم الهوائية و بضائعهم من " الغزلة وبوالين الأطفال والترمس " التي لا تتعدى قيمتها الألف ليرة.
" بقيت تسعيرة الغزلة على حالها نحن الوحيد بسورية لم نرفع أسعارنا " هكذا بدأ أبو علي كلامه واصفاً المكان بالجميل ، وزبائنه من لأطفال بالرائعين متمنياً لهم حياة أفضل مما يعيشها أهاليهم من الطبقات الكادحة ، ورغم ما حمله حديثه عن الأطفال من عذوبة لم يخفي انزعاجه من تزايد عدد البائعين بالمنطقة و بالرغم من قناعته بعملنا الصحفي فقد رفض أخذ صورة له خوفاً من المحافظة .
على بعد عدة أمتار من تجمع العائلات ركن مصطفى عدة أراكيل ومنقل للفحم يعمل مع أخوته الثلاثة على تقديمها للمتنزهين وبأسعار يصفها بالرخيصة بما لا يتجاوز 100 ليرة للأركيلة الواحدة .

الغلاء هم مشترك بين أصحاب المطاعم والزبائن

ويرى محمد زيارة المطعم بالأمر الصعب بالنظر لدخلة الذي لا يتجاوز 12 ألف ليرة ، ووصف رواد المطاعم هذه الأيام بالطبقة " الهاي هاي " ويقول " حتى المطاعم الشعبية التي كانت للبسطاء لم نعد قادرين على زيارتها منذ سنوات لارتفاع أسعارها " ، ويتابع " فاتورة أي مطعم تتجاوز 3000 ليرة وهو مبلغ كبير بالنسبة لدخلي " ويتذكر محمد أخر زيارة له لمطعم منذ خمس سنوات .
غيبت فكرة زيارة المطاعم عن بال شريحة واسعة حيث رمى ارتفاع الأسعار بثقله على كاهلهم فيقول سميح " لماذا نزور المطعم ونقضي طول الوقت بالتفكير بقيمة الفاتورة الحلبية التي سندفعها " .
فيما وصف نبيل مدري صاحب مطعم مصنف نجمتين ارتفاع الأسعار بالهم المشترك بين الزبون وصاحب المطعم ، حيث بات من الصعب المحافظة على نفس سوية الخدمة المقدمة بالأسعار القديمة ، لتزداد الهوة بين التكاليف والأسعار ففي الوقت الذي زادت الأسعار بنسب فاقت ال 100% ، يجد صاحب المطعم صعوبة بزيادة السعر 50 أو 100 ليرة على الشخص الواحد.
ولفت مدري لكتلة المصاريف المرتفعة المترتبة على المطاعم من كهرباء ومواصلات وأجور ومحروقات ، وما أصاب هذه الكتلة من تضخم نظراً للارتفاع الشديد بأسعارها ترافقت بانخفاض عدد الزبائن واقتصادهم بالطلبات ، الأمر الذي يشكل خطراً على السياحة الداخلية ، ويقضي على أمال المطاعم الصغيرة التي تسعى لتطوير خدماتها وتقديم وجبة محترمة بسعر مناسب .

السياحة عمل متكامل

يشير سليمان نصر الدين من غرفة سياحة دمشق لما تقدمه السياحة الداخلية والشعبية من فائدة كبيرة للدولة والمواطن ، وخاصة الطبقة المتوسطة وذوي الدخل المحدود ، و لابد لنجاحها من تأمين المقومات الأساسية لقيام هكذا نوع من السياحة بداً من فنادق ومطاعم الثلاث نجوم والنجمتين والنجمة الواحدة ، وانتهاءً بشركات النقل السياحي ومكاتب السياحة والسفر .
وتابع بالقول " عند تأمين المقومات المذكورة تتضافر الجهود لإنجاح السياحة عبر التكامل بين القطاعات ، والمنافسة فيما بينها لتقديم أفضل العروض بأسعار مناسبة ، مع التأكيد على تخديم المنشآت المذكورة بالكوادر المهنية الجيدة و التركيز على جودة الخدمة ، بأسعار تناسب الطبقة الوسطى و ذوي الدخل المحدود " .
وأكد نصر الدين بأن خفض أسعار الخدمة السياحية على أرض الواقع غير ممكن بغياب العدد الكافي من المنشآت القادرة على استيعاب كل من يرغب بالقيام بنشاط سياحي ،الأمر الذي يدفع المنشآت لتقديم عروض تنافسية تخفض الأسعار لحدود معقولة قد تصل دون الحد الأدنى للأجور .
و اعتبر أمين سر غرفة سياحة دمشق بأن ارتفاع الأسعار مرتبط بارتفاع التكلفة ، فبالمقارنة مع السنوات الماضية فقد ارتفعت أسعار المكونات الأساسية للعمل السياحي بشكل كبير ، بنسب تتراوح بين 50 – 150 % للمواد الغذائية ، بينما ازدادت تعرفة الكهرباء من 240 إلى 500 قرش للكيلو واط الساعي ، فيما ارتفعت أسعار المحروقات بنسبة 335 % وأجور العاملين 25 % مما رفع أسعار التكلفة .
وطالب نصر الدين الوحدات الإدارية بتأمين حدائق عائلية حول مراكز المدن على مستوى جيد تؤمن مساحة خضراء ، ومستلزمات إقامة رحلات عائلية من طاولات ومقاعد ثابتة وألعاب بسيطة للأطفال و " مناقل للشوي " ومناهل للمياه ، وغيرها من الخدمات التي تؤمن راحة للطبقة الشعبية بأسعار رمزية كما هو متبع بكل دول العالم .
ورأى نصر الدين بالعمل السياحي عمل متكامل ويرتبط بكل مرافق الدولة من طرق مواصلات وكهرباء ، وقال " حتى سيارات التكسي تساهم بدعم السياحة فعندما تنظم بمواقف نظامية بشكل يخفف من حركتها ضمن المدينة دون ركاب مما يقلل الازدحام وتلوث البيئة وتعميم لباس موحد وأنيق للسائقين تقدم صورة مشرقة للسياحة السورية " .

رسم الإنفاق الاستهلاكي من جديد

لفت سليمان نصر الدين لتطبيق وزارة المالية جباية رسم الإنفاق الاستهلاكي على المنشآت السياحية بنسبة 10 % من مطاعم وفنادق بغض النظر عن تصنيف المنشأة ، وهو ما أثر على عمل هذه المنشآت وبشكل خاص منشآت النجمة والنجمتين التي رأى بإعفائها من رسم الإنفاق تخفيض الفاتورة على الزبون من جهة ، وتشجيع لأكبر عدد ممكن من المواطنين لارتياد المنشآت ، وطالب بتعديل نسبة تحصيل رسم الإنفاق ليصبح 5 % بالنسبة لمنشآت الثلاث نجوم و 7 % للأربع نجوم و 10 % للخمس نجوم ، وهو ما تم الاتفاق علية باجتماع ضم ممثلين عن غرف السياحة في القطر، ووزارة السياحة وممثلين عن وزارة المالية عام 2005 قبل صدور قانون رسم الإنفاق ، وتابع نصر الدين " لا يمكن معاملة فنادق الخمس نجوم بنفس الطريقة التي تعامل بها فنادق النجمتين أو مطاعم الخدمة السريعة من حيث رسم الإنفاق " .
فيما أبدى أصحاب المنشآت تذمرهم من آلية تحصيل وزارة المالية لرسم الإنفاق الاستهلاكي ، الذي خفض عدد الزبائن لارتفاع قيمة الفاتورة .
من جهتها تعتبر وزارة المالية فرض رسم الإنفاق الاستهلاكي خطوة لتحصيل حقوق الخزينة من الضرائب التي تقدر ب 13 % من دخل المطاعم المعلن عنها ، منها 10% إنفاق استهلاكي يدفعها الزبون، و 2.5 % ضريبة أرباح و 0.5 % ضريبة أجور وعمال يدفعها صاحب المطعم.

رحلات سياحية داخلية

أعلنت وزارة السياحة عن إطلاق برامج سياحية تتضمن تسير رحلات داخل القطر بأسعار تشجيعية وأشار المهندس نضال ماشفج مدير عام الشركة السورية للسياحة بأن الفئة المستهدفة من برامج الشركة هي ذوي الدخل المحدود والمتوسط ضمن برامج سياحية متنوعة وتشمل مختلف المناطق السورية.
وأضاف أن الشركة جهزت البرنامج السياحية التي يشتمل على زيارة المناطق المقصودة ومحيطها من مناطق تنموية سياحية لتشجيع السياحة إليها لأغلب المحافظات السورية كحمص وحماه ومنطقة الساحل وكسب و تدمر بالإضافة للزيارات داخل مدينة دمشق كالجولات ضمن دمشق القديمة أو زيارات الأماكن الدينية المسيحية و الإسلامية .
واعتبر ماشفج نجاح البرامج يسعى لترسيخ ثقافة السياحة الداخلية عبر برامج تقليدية تشمل الأماكن المعروفة والتي تروج لنفسها ، وإطلاق برامج جديدة بهدف التعرف على مناطق سياحية جميلة يجهلها أبناء المنطقة نفسها .


دام برس : سعد الله الخليل
sadalakh@yahoo.com

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=11&id=8266