دام برس : حتى سنوات قريبة كان أبناء مدينة الرقة يخيفون أطفالهم من المناطق الأثريّة، لتجنيبهم المساءلة إذا ما قادهم فضولهم إليها. ما دفعهم إلى ابتكار الحكاية الخرافيّة حول «السعلوة»، زوجة ملك الجان، التي تسكن القلاع الخاوية، وقد تظهر بهيئة عنزة أو قطّة سوداء، أو امرأة تبيع غزل البنات، وتخطف من يدخل قصرها. لم يخطر للأطفال، الذين باتوا اليوم شباناً، أنّ الخرافة ستغدو واقعاً. وأن «السعالي» ستسكن المناطق الأثريّة، بعدما عملت كتائب «الجيش الحر»، والكتائب المبايعة لـ«جبهة النصرة»، خلال استيلائها على المدينة، على نهب آثارها، حتى خلت الرقة من أيّ قطعة أثريّة فوق الأرض. متحف الرقة ومستودعات هرقلة
متابعة سارقي آثار متحفي الرقة، وقلعتي جعبر وهرقلة، الأثريتين، لا تُعد مسألة صعبة. كلّ شيء موثّق بالصور والفيديو، على شبكات التواصل الاجتماعي، و«الثوّار» الذين دمّروا المدينة، هم الآن في أوروبا، يبحثون عن طريقة للتخلّص من هذه المقاطع. «أبو حذيفة الرقاوي» كما يعرّف عن نفسه، أحد مسلحي لواء «أمناء الرقة»، المُنحلّ، يروي لـ«الأخبار» أنّه «كانت مهمتنا الأساسية، الدفاع عن الممتلكات العامة والخاصة، وعن الآثار والمتاحف. بعد تحرير الرقّة أردنا حماية المدينة من السرقات التي تكثر في حالات النزوح والفوضى والقصف». ويضيف: «لم يُكتب لمهمتنا النجاح والاستمرار، بسبب ضغف الإمكانات والتمويل، وخطف قائد اللواء على يد جهة مجهولة. وخرجنا من متحف الرقة، وبقية الأماكن، مرغمين، لتصبح تحت سيطرة حركة أحرار الشام الإسلامية وتختفي كل مقتنيات المتحف، مع مغادرة الحركة للمحافظة». قلعة جعبر أوّل عملية اعتداء على الآثار، في محافظة الرقة، سجّلت حين سرق مسلّحون ملثّمون متحف قلعة جعبر، عام 2012، وأفرغوه من مقتنياته التي كان أبرزها تماثيل للآلهة «عشتار». وكانت الهيئة العامة للآثار قد أحدثت متحفاً ضمن القلعة، يضمّ، إضافة إلى التماثيل، عدداً من اللقى الأثرية وأوانٍ فخارية، وجرار متنوعة، ومدافن تعود إلى العصر البيزنطي، لكن القلعة تحوّلت إلى مقر لـ«جبهة النصرة» بعدما فرَّ مسلحوها من الرقة بداية عام 2014، وتحصنوا في القلعة، إلى أن أخرجهم منها تنظيم «داعش»، الذي حوّل القلعة إلى مقرّ رئيس له، مستفيداً من قربها من أهم معسكرات تدريب مقاتليه، الواقع في جزيرة عايد («معسكر الصاعقة» لمنظمة «اتحاد شبيبة الثورة» سابقاً). التنقيب مستمر
بعد سيطرة «داعش» على المدينة، عمل على إحداث هيئة مختصّة بشؤون الآثار، مهمّتها الإشراف على المواقع الأثرية، وافتتاح عمليات تنقيب منظّمة فيها، باستخدام أدوات وآلات حديثة، على عكس ما جرى في بداية دخوله، حيث دمّر، بالجرّافات، تمثالين لأسدين آشوريين، عند مدخل حديقة الرشيد. الناشط الرقاوي، أبو أحمد، يروي لـ«الأخبار» عمّا يجري اليوم: «يشرف أمراء من جنسيات مختلفة على المواقع الأثرية، والتلال والقلاع، ويتابع أمير تونسي، بنفسه، عمليات التنقيب في تل البيعة (توتول). وعمليات التنقيب تجري بواسطة أجهزة حديثة جداً، تستطيع رصد ما تحت الأرض». ويضيف: «يتركز اهتمام الأمراء على الآثار العائدة إلى العصر الروماني، ولا يعيرون اهتماماً للآثار الإسلامية. أما المكتشفات، فتحفظ في صناديق، بعد تصويرها، وإرسال صورها إلى تجّار مختصين في تركيا. وبعد الاتفاق على السعر، يجري شحنها عبر خطوط التهريب، في مدينة تل أبيض». |
||||||||
|