دام برس :
من تعريفات الحرب أنها صراعٌ يدور على جبهةٍ أو أكثر وقد تتكوّن من معركة أو عدّة معارك وعلى جبهات متعددة.
ولم يتطابق حساب الحقل على حساب البيدر، وكان أن دخلت سورية في السنة الرابعة من المواجهة مع فارق أنّ عشرات المعارك قد تمّ كسبها لصالح الدولة السورية في مواجهة أكثر من 250 الف مقاتل لأكثرمن 1500 فصيل مسلح منتشرة على أغلب الجبهات السورية.
وما يجري في الجنوب هو تماهي مصالح بين "إسرائيل" والجماعات المسلّحة وعلى رأسها "جبهة نصرة إسرائيل" وهي التسمية الأكثر ملاءمةً مع واقع الحال، فلم يعد خافياً على أحد الدعم الناري المباشر الذي تقدمه القوات الصهيونية لجبهة النصرة في كل عملية هجومية تنفذها، ولا الكم الكبير من الأسلحة النوعية ولا الدعم اللوجستي والالكتروني من تشويش وأنظمة قيادة وسيطرة وإدارة للمعركة بشكل مباشر من غرفة العمليات المشتركة في الاردن، والتي يتفرع عنها أكثر من غرفة عمليات ميدانية بإدراة إسرائيلية مباشرة. بالعودة الى ما يجري في الجنوب السوري فإنّ عملية إعادة الإنتشار التي نفّذتها وحدات الجيش السوري في الشيخ مسكين ونوى هي التدبير الأسلم للخروج من مرحلة الإستنزاف والقتال المتداخل، والدخول في مرحلة تثبيت نقاط الإرتكاز على قاعدة قتال الجبهات المرتكز على أنساق متتالية في أرض معدّة مسبقاً لاحتواء زحف مدرع كبير ليس بوسع الجماعات المسلحة القيام به لا في المرحلة الحالية ولا في المرحلة القادمة، وما قامت به وحدات الجيش السوري لا يتطابق مع التطبيل الإعلامي الذي رافق عملية إعادة الإنتشار ولا تصوير مجموعة التلال التي سيطرت عليها الجماعات المسلحة البارحة وقبلها على امتداد الشهور السابقة على أنها تلك القمم التي يمكن من خلالها حسم معركة دمشق، وحتى لا يبقى الأمر في سياق التهويل فإنّ هذه التلال لا تبلغ مساحة أكبرها 2 كلم مربع وهي إن كانت تكتسب أهمية في مواجهة الجيش الصهيوني كمواقع إستطلاع ومراقبة الكترونية فإنها لا تقدم للجماعات المسلحة ميزات إضافية لتأمين السيطرة، فهذه التلال هي كناية عن مرتفعات صغيرة في مساحة من المنبسطات لن تكون قادرة على مواجهة زحف مدرع كبير في سياق أي معركة هجوم مضاد لاحقة يقوم بها الجيش السوري، مع الإشارة الى أنّ الجيش السوري يمتلك عند حدود المنطقة التي أعادت وحداته الإنتشار فيها وتحديداً عند بلدة إزرع لواءً كاملاً مدعوماً بفوج مدفعية على عكس ما كان حاصلاً في اللواء 112 وكتبية الحجاجيات وتل حرفوش وتل حمد في محيط نوى والشيخ مسكين حيث لم يتجاوز عدد عناصر الجيش في هذه النقاط تعداد كتيبة، أي ما يقارب الـ45 ضابط وجندي.
وأنا في هذا العرض لا استهدف أبداً أمراً يخالف الواقع ويمكن للبعض أن يصنفه في إطار رفع المعنويات وشد العزائم، بقدر ما أحاول نقل صورة تقارب الواقع دون الدخول في تفاصيل ميدانية قد تندرج في سياق لا يخدم المرحلة اللاحقة من المعركة.
لا أحد يستطيع منع الجماعات المسلحة من التطبيل والتزمير لما حصل في نوى والشيخ مسكين، هذه الجماعات التي تستطيع تحقيق إنتصارات تكتيكية في جبهات متداخلة ولكنها عجزت حتى الآن عن إبقاء سيطرتها على المناطق التي تحتلها، وحتى لا ننسى ما جرى في كسب وما رافق هذه المعركة من تطبيل وكيف انتهت هذه المعركة التي تُعتبر أصعب بكثير من معركة الجنوب السوري لصالح الجيش السوري، وكذلك الأمر في أكثر من جبهة حيث تعيش الجماعات المسلحة مرحلة التفكك والإنهيار. معركة الجنوب السوري قد تكون آخر المعارك التي ستحسم في سورية لمجموعة كبيرة من الإعتبارات، ولكنها ستكون المعركة الأسرع في الحسم عندما يقرر الجيش السوري أمر الحسم. حالياً سيعمد الجيش السوري الى تثبيت نقاط ارتكازه التي ستمكنه من امتصاص وتدمير أية هجمات تقوم بها الجماعات المسلّحة من القنيطرة الى الحدود مع الأردن، وقد نشهد بعض أشكال إعادة التموضع والإنتشار بحسب الضرورات، ولكننا يجب أن نعرف أنّ ما يحصل هو معركة موضعية على جبهة غير مترابطة وما حققته الجماعات المسلحة يندرج ضمن تسمية النصر التكتيكي وليس الجبهوي، وما سيقرر نتيجة الحرب هو سلسلة المعارك التي ستشهدها جبهة الجنوب السوري، ولا نعرف اذا ما كانت القيادة السورية ستقرر تغيير أولوياتها في تصنيف المعارك وأهميتها وتدفع باحتياطها الإستراتيجي من جحافل المدرعات الحديثة وسلاح الصواريخ التكتيكي لحسم معركة الجنوب السوري. في كل الأحوال نحن أمام مشهد معقّد جداً تتداخل فيه مصالح القوى الإقليمية والدولية، ووحده الجيش السوري قادر على رسم آفاق المعركة القادمة من خلال تقدير الموقف واتخاذ القرار، فأية تهديدات جدية لدمشق رغم عدم وجودها حالياً الا في أحلام المسلحين ومشغّليهم سيجعلنا أمام مشهد جديد مختلف تماماً، وقد يكون هذا الكلام غير شعبي في هذه المرحلة إلّا أنه الكلام الأكثر واقعيةً وعقلانيةً، أقلّه من وجهة نظري كوني كاتب هذه الكلمات. سلاب نيوز |
||||||||
|