الرئيسية  /  كتاب وآراء

كـفى كـفى تـدعـو إلى الصحوة و إقامة الدولة القوية .. بقلم: الدكتور عاصم قبطان


دام برس : كـفى كـفى تـدعـو إلى الصحوة و إقامة الدولة القوية .. بقلم: الدكتور عاصم قبطان

دام برس:

في غمرةِ التطورات الأخيرة التي تعصف في هذه المنطقة من العالم و التي لم يعد مقبولاً إلا الإعتراف بأنها تتعرض لمخطط شيطانيٍ كبير تشرف غلى تنفيذه الدوائر العالمية و تستزلم فيه القوى الإقليمية و تنفذه جهاتٌ مختلفة تحت مسمياتٍ عديدة و تشارك بالتنفيذ حلقاتٌ سلفية أبعدُ ما تكون عن الإسلام في مقابلِ سلفياتٍ أخرى و بمفاهيمَ أخرى تناقض الأولى  جعلت من الأراضي السورية مسرحاً لتنفيذ أجنداتها و تفريغ حقدها على حساب المدنيين العزل سواءٌ بصواريخ التدمير و مدافع جهنم أو ببراميل الموت التي تنهمرُ من السماء ، لطالما نعتقد كلنا أفراداً وتياراتٍ سياسية أننا نحمل أفكارٍاً خلاقة كما نحمل الولاء لهذا الوطن الجريح ، ألم يحن الوقت لكي نتوحد في توجهاتنا كي نصل إلى نقطة لقاء بيننا جميعاً ، نلتقي على وحدة الوطن ، الذاكرة تعود لسنوات عديدة حيث كان الكلُ يخونُ الكل ، و الجرأةُ تقتضي القول أن التناقضات مابين هذه التيارات الوطنية المختلفة كان لها الأثر الكبير في ضياع سورية و ضياع سياسييها و مثقفيها ، ولن تنسى ذاكرةُ الأمة كيف تبادلت هذه التيارات و الأحزاب السجون و الزنازين ، فالقوميون السوريون اتهموا بالخيانة بعد استشهاد عدنان المالكي ، و من هناك توالت الدوائر لتدور ضد بقية الأفكار و المبادئ و الإتجاهات ، و في عهد الوحدة احتدم الخلاف مع الشيوعيين الذين تاهوا دون غيرهم في محاربة الوحدة بشكلٍ صريح ، في نفس الوقت الذي لم يتوقف فيه اضطهاد القوميين السوريين ، و يأتي الانفصال في الثامن و العشرين من أيلول 1961 ليتوقف القمع ضد القوميين السوريين و الشيوعيين و ينتقل إلى اضطهاد المؤمنين بوحدة الأمة  العربية و القوميين العرب و الناصريين و تمتلئ السجون بهم ، ثم تشرق شمس الثامن من آذار 1963 ، و يعتقد الجميع من المؤمنين بالفكر القومي العربي و الناصريون أن شمس الحرية بزغت من جديد ، و ما هي إلا شهور قليلة ليعود القوميون العرب و الناصريون و الوحدويون ليملئوا السجون مرةً ثانية ، بعد تفرد حزب البعث القائد للدولة و المجتمع بسلطة الحكم ، و ينعتق القوميون السوريون و الشيوعيون في مراحلَ مختلفة ، وهكذا تدور الدوامة ، و تتوالى العقود بصرف النظر عن الخلافات العقائدية التي كرست تلك المواقف من الأنظمة تجاه هذه الاتجاهات و التشكيلات الحزبية .

اليوم أصبح من الواجب أن نطرح السؤال إلى أين ؟ و ماذا نريد من هذا الوطن ، و ما هي واجباتنا تجاه هذا الوطن ، و نسأل كل هذه القوى الوطنية و بالتالي كل الحكوماتالتي توالت على حكم شعوب هذه المنطقة الجغرافية ، و التي اتهمت كل من سبقوها بالرجعية و الفساد و القمع و العمالة للشرق و الغرب ، إذا تحققت الشفافية و المصداقية لدى الجميع ألا يمكن لكلِ هذه المكونات المتناقضة التي تدعي الإخلاص و الوطنية أن تجد قواسماً مشتركة تجمعها كلها على مبدأ حب الوطن و التضحية في سبيله و بناء الدولةِ القوية ، ألا يمكن لنا أن ننسى و لو للحظات كلَ ما بنيَ من فكر هذه التيارات و الأحزاب التي تبلورت في أشكال المعارضة أو الموالاة تلك التي أوغلت في تفسير تنظيف البيت من الداخل ، المطلوب أن  نرتقي إلى فكر الدولة القوية المترامية الأطراف و لتكن البداية من هنا من سورية القوية بشعبها و تاريخها و موقعها و فسيفسائها ، الذي يحلل الأمور يصل إلى قناعة بأن كل هذه التيارات و حتى الأنظمة الحاكمة باتت محكومةً بفلسفات ردات الفعل و أحياناً الكيدية و الشخصانية ، و تجعل في حساباتها مواقف القوى الدولية و الإقليمية و قد وقعت مطيةً لها بصورةٍ أو بأخرى ، لماذا لا نكون أصحابَ قرارنا في ما نؤمن به و نعمل من أجله في بلادنا ، عالمنا هو عالمُ الكبار و أن الشَرذمةَ و الدول الصغيرة لن يحسب لها حساب في هذا العالم الواسع ، و ما لم نقرر اتخاذ المبادرة فإنالقوى العظمى القديمة و الصاعدة ستبقى صاحبة القرار في مصائرنا، إن اتساع الرقعة الجغرافية في عالمنا اليوم يمثل حجر الأساس في الدول الفاعلة في العالم و هذا ما تمثلهالولايات المتحدة بجغرافيتها المترامية الأطراف ، و نستطيع أن نتفهم و نستوعب كيف يحافظ الاتحاد الروسي على بقاء دولته الاتحادية بالحديد و النار ليبقى نداً للأمريكان في قوته و اتساع رقعته الجغرافية ، لنقرأ  كيف أصبحت الصين و البرازيل و الهند و غيرهم في مصاف الدول العظمى ، و انطلاقاً من ذلك ألا يجب علينا أن نفكر في بناء دولتنا القوية المترامية الأطراف لنكون جزءاً فاعلاً في عالم الأقوياء ، و نحن نملك كل المقومات  ، إن الموقع الجغرافي الذي تتميز به سورية و جاراتها من الدول الناطقة بالعربية و التي تجمعها مقومات الوحدة الجغرافية و التاريخية و الثقافية يجب أن يدفع المخلصين لتطوير رؤيتهم الفكرية و السياسية وصولاً إلى القناعة بأن إقامةالدولة القوية لا يمكن أن تتجسد ما لم يتحقق لها الأمتداد الجغرافي الكبير و إنطلاقاً من هذا المفهوم فإن الجميع مطالبون بالتفكير في مشروع هذه الدولة الكبيرة المترامية الأطراف و التي تتوفر لها كل مقومات النجاح إذا توفرت العزيمة و الرؤية الواضحة و الإيمان بالهدف البعيد والبناء الفكري الممنهج و القيادة السياسية الواعية و البعيدة النظر، لقد تميز النصف الثاني من القرن الفائت العشرين بسيطرة مفاهيم التحرر من الاستعمار و المد القومي العربي الذي رافق الاستقلال و قيام ثورة 23 تموز 1952 في مصر ، و الذي لم تتفاعل معه بايجابية بل لم تدرك الآفاق الإيجابية البعيدة لهذا المشروع الكبير القوميات الأخرى المشاركة في هذه الرقعة الجغرافية و التيارات السياسية المختلفة سواءٌ كانت من اليمين أو اليسار و حتى الاسلام السياسي ، و بالرغم من أن الناصريةكحركةٍ قوميةٍ و وطنية طليعية اعتمدت من البداية الدوائر الثلاث ( الدائرة العربية و الدائرةالافريقية و الدائرة الاسلامية ) فإنها قوبلت بالرفض و التشكيك من القوى الاسلامية فيتلك المرحلة بل كانت و دائماً عرضةً للتآمر ، لقد كان الفعل القومي يعول على الظهير فيالدائرة الاسلامية و لكن و للأسف لم تستطع تلك القوى أن تدرك الأهداف البعيدة لهذا الفكر و تآمرت عليه مع أن القوميين و المخلصين ما زالوا يرددون أن العروبة و الاسلاموجهان لعملة واحدة ..

إن الدولة القوية التي ندعوا إليها تمتد من الحدود الشرقية للعراق و الأهواز إلى أقاصي المغرب و موريتانيا ، و من جبال طوروس شمالاً و شرق و جنوب البحر الأبيض المتوسط ، و إلى الجنوب في البحر العربي و المحيط الهندي و الخليج الاسلامي ( بدلاً من العربي أو الفارسي ) و الصحراء الإفريقية الكبرى و جنوب السودان ، هذه الجغرافيا الواسعة التي تمثل مركز العالم و نقطة التقاء الحضارات و مهبط الأديان السماوية كلها ، و التي تملك القوى البشرية و الثروات الباطنية ، هي فعلاً المؤهلة  لإقامة الدولة القوية الواحدة التي يمكن أن تترعرع فيها الديمقراطية و تحقق لمواطنيها الكرامة ، و العدالة و الثقافة و الاكتفاء الذاتي لكل شعوبها ، و كي لا تقوم هذه الدولة كان لا بد من غرس الخنجر الصهيوني في قلب هذه الجغرافيا لمنع إقامة هذه الدولة الحلم و لفصل جناحها الشرقي عن جناحها الغربي ، لا بد من تطوير الطرح القومي العربي ، ليشمل كل المكونات القومية و الاثنية لشعوب هذه المنطقة و تتساوى فيها بكامل الحقوق و الواجبات ، و لا بد من أنتتحقق العدالة و المساواة ما بين كل أبناء الدولة ، و لا بد لهذه الصراعات أن تنتهي ما بين الجميع .

في عالمنا هذا و في دولتنا التي ندعوا لها لا بد من اعتراف الجميع بالجميع ، البربر و الأمازيغ و الأفارقة و الأقباط و النوبيون و العرب و الأكراد و التركمان و الشراكسة و الداغستان و الآشوريين و السريان و الكلدانيين و الأرمن و غيرهم و غيرهم و غيرهم كثير، هذا عدا عن الانتماءات الدينية و المذهبية المتعددة و التي لها أول و ليس لها آخر ، كل هؤلاء ينبغي أن يتحقق لهم شعور المواطنة و العدالة الحقيقية و مبدأ تكافؤ الفرص بين الجميع ، أما التقسيم و تكوين الدويلات على أساسٍ طائفيٍ أو إثنيٍ فلن يؤدي إلا إلى تقويض كل الوشائج التي بنيت على مر العصور بين مكونات المجموعات البشرية التي عاشت على هذه الجغرافية ، و من الطبيعي أن تكون العربية لغة التواصل ما بين كل هذه المكونات ليس من منطلقٍ قومي شوفيني و إنما من الواقع العملي كما هي الانكليزية في الولايات المتحدة و المملكة المتحدة و كندا و استراليا و نيوزيلنده و جنوب إفريقيا و غيرهامع التأكيد على حرية كل القوميات في استعمال لغاتها الخاصة في مدارسها و جامعاتها.

لا شك بأنه سيكون هناك من يشكك في هذا الطرح و قد ينعته بالبلاهة و العفوية في هذه المرحلة من تاريخ بلدنا سورية ، التي خرج العديد من أبنائه عن جادة العقل و الإدراك تحكمهم جميعاً العصبية و الطائفية ، نحن نعتقد أن طرح النقيض يمثل ضوءاً في نهاية النفق  ، ويمكن أن يكون منطقياً إذا فكرنا فيه بتؤدةٍ و تروي ، و لا بد لنا من معرفة أن الأوربيين كان في حالٍ أسوأ من حالنا قبل أن يصلوا إلى عصر التنوير و التحرر رغم كل تناقضاتهم و استطاعوا بناء دولهم الحديثة بنجاح بعد أن استوعبوا مفاهيم الحضارة و الحياة المدنية .

نحن في حركة كفى كفى التي ولدت من رحم المعاناة السورية  نعتقد بأرجحية هذا الفكر و البناء عليه ، إنطلاقاً من أن الفكر القومي العربي كان له دوره الفعال و البناء في مرحلة هامة من تاريخ المنطقة ، فقد آن الأوان لإعادة النظر في مقتضيات المرحلة و تطوير هذا الفكر و التأكيد على أن سورية لكل أبنائها يتساوى فيها الجميع أمام القانون و يتمتع فيها الجميع بشعور المواطنة الحقيقي ، و أن الماضي لن يعود مهما غلت التضحيات ، فلنقدم حلولاً نهائية لما يجب أن يكون ، و لكي نرتقي فوق الفكر الطائفي و التقسيمي لبناء دولتنا القادمة .

هل نستطيع أن نتمثل هذا الفكر و نجعل انطلاقتنا من سورية لتحقيق حلم الدولة القوية التي سترفرف أجنحتها شرقاً و غرباً و يستعيد أبنائها الحرية و الكرامة بدلاً من التقسيم و الشرذمة .

هذه أفكارٌ مطروحةٌ للمناقشة و الجميع مطالبون بالقراءة الموضوعية قبل اتخاذ المواقف سواءٌ سلباً أو إيجاباً

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=48&id=46273