دام برس: قبل ثلاثة سنوات , عندما كان الجميع مشغولون بالسياسة او بمظاهر الاحتجاج او الشغب او نشرات الاخبار او الصراخ او اي شيء آخر يمكن ان يقال عنه ( مشهد مدني ) , كان الجيش العربي السوري لا يزال في ثكناته العسكرية يتدرب تدريباته الروتينية ويقوم من جهة اخرىبالعمل على التنسيق مع حركات المقاومة في كيفية تطوير ترسانتها العسكرية والصاروخية , لم يكن قد وجد نفسه معني بمعالجة المشكلة الطارئة داخل الوطن السوري , فهناك جهات اخرى مختصة في التعامل مع هكذا مستجدات . بعدها بايام قليلة بدأت بالظهور مشاهد لجماعات ترفع السلاح خفية , مندسة بين المتظاهرين او في البنايات المحيطة , تطلق النار على رجال الامن السوري ثم تختفي , بل وتطلقه على المتظاهرين انفسهم , ويكون هناك من قد صور المشهد كاملا وقام بارساله الى عشرات القنوات المترقبة لكل جديد (ثوري , درامي ) .
كان الجيش العربي السوري لا يزال وحتى تلك اللحظة في معسكراته الممتدة على طول الوطن السوري , يراقب عن بعد مستجدات الواقع السياسي وتفاصيله الشائكة . مجزرة جسر الشغور , وضرورة التدخل . القيادة في سوريا تعرف جيدا ان مئات بل الاف الجهات الدولية تنتظر من النظام السوري اول العثرات التي قد توقعه بالفخ , وان يقوم نتيجة للتوتر او الخوف او الارتباك بردات فعل غاضبة تساعدهم لاحقا في استخدامها ضده لتبرير اي موقف عدائي من شأنه مساندة المساعي الهادفة لاسقاط النظام . ورغم المعرفة المسبقة للقيادة السورية بان المسيرات الصغيرة والنادرة لن تتمكن من احداث اي هزات تذكر , وبالتالي فان المساعي الدولية ( المتآمرة ) ستسعى حتما لعسكرة المشهد , في محاولة لتكرير السيناريو الليبي مع تكثيف اكبر في الجهود الاعلامية والدبلوماسية تمهيدا للدعم الاكبر بالسلاح والمقاتلين , وبما يتناسب وخصوصية النظام السوري وجيشه العقائدي المتين . القيادة السورية تجنبت منذ اللحظة الاولى في ادخال الجيش لحسم النزاع رغم المطالب الشعبية التي بدأت تصدح وتطالب بسرعة تدخله بعد ان اتضح جليا تسلح الجماعات واعتداءاتها المتكررة على رجال الامن وعلى الموطنيين . فكانت القيادة منذ اللحظة الاولى واعية لهذا المخطط , ففوتت كثير من الفرص للجهات المتربصة , وهذا ما استدعى التحول نحو خطط اخرى اكثر خبثا ودهاء , فكانت الخطة ان ترتكب الجماعات المسلحة المجازر ثم تصورها و تتهم النظام السوري بارتكابها , فتأجج بذلك العالم كله ضد النظام السوري وجيشه ورجال الامن فيه . في تاريخ 2011/7/6 تفاجئ الجميع بمجزرة خطيرة وبشعة نال فيها اكثر من 120 رجل أمن سوري مصرعهم , مع مواطنيين كانوا قد لجئوا الى مركز أمني قريب للاحتماء من اعتداءات الجماعات المسلحة التي بدأت باستهداف المواطنيين الذين يرفضون التعاون معهم او يعتقد بان لهم مشاعر تأييد مع النظام , 20 عنصرا أمنيا من الشهداء كانوا قد تعرضوا لكمين مسلح قبل المجزرة بلحظات .
تجنب هذا الجيش العريق كل الاستفزازات التي قد تحدث كردات فعل غاضبة لحالات القتل والتنكيل الغادرة التي تعرضت لها كثير من جنوده في نقاطه العسكرية .
من دواعي التوثيق ان اتذكر في هذا المقام , الشعور الذي كان يرافق المسافرين ,( حينها كنا ندرس الماجستير في جامعة حلب قبل عام ونصف ).
الجيوش العربية بحاجة للاستفادة من خبرة وتكتيكات الجيش العربي السوري :
كيف تمكن الجيش السوري من مواجهة كل هذه الهجمة المسعورة وكل هذه الامكانيات الدولية وكل هذا الضخ بالاموال والسلاح والمقاتلين من جميع انحاء العالم ؟ اليس هذا سؤال كبير محط تعجب واعجاب ؟؟
* كاتب يمني |
||||||||
|