الرئيسية  /  أخبار

رسائل سوريا القاطعة .. من كسب إلى حلب


دام برس : رسائل سوريا القاطعة .. من كسب إلى حلب

دام برس :

لم يكد يعمّم خبر إسقاط المقاتلة السورية فوق جبال الساحل السوري على وكالات الأنباء، حتى قامت مقاتلات أخرى بالمهمة التي كانت مسندة للطائرة الأولى.

وقد زادت القيادة السورية على الطائرات المقاتلة بضع حوّامات تجوب الشريط الحدودي المصطنع بين جبال سوريا التي يرتفع فوقها العلم الوطني وبين الجبال المحتلة في لواء إسكندرون. بل إن هول النيران الذي استخدمته المقاتلات السورية على تنوّعها كان صادمًا لقيادات الجيش التركي التي تقود العملية، ولوسائل الإعلام التركية التي علّق بعضها أن الجيش السوري بقوّة نيرانه التي وصلت المعسكرات التركية لم يترك “شيئًا من البهجة على مزاحمة أردوغان وغول في التهنئة بإسقاط الطائرة السورية”.

وقد ترافق الإسناد الجوّي بتعزيزات كبيرة باتجاه كسب والحدود مع لواء اسكندرون، ولا شكّ أن هذه التعزيزات محمية من نقطة انطلاقها وحتى وصولها مناطق الاشتباك. هذا إضافة إلى أن سلاح المدفعية والصواريخ السوري قد بدأ بدكّ أماكن تجمّع الإرهابيين وقادتهم من الضباط والجنود الأتراك في أراضي اللواء المحتلّ، وهو ما تمّ التعتيم عليه كليًّا في وسائل الإعلام الصديقة والعدوّة.

ليست هذه التفاصيل بسيطة أو عادية كما يظنّ، لأنها هي الحرب نفسها بغاياتها ووسائلها التي أرادت القيادة السورية ترجمة موقفها منها على الأرض، ومن دون مقدّمات سياسية أو دبلوماسية هذه المرة، لأن رسائل كسب ستصل إلى أبعد من ساحات تجمّع حزب العدالة والتنمية التي يحلو لأردوغان ممارسة عثمانيته فيها، وسيبلغ صدى قوتها وعنفها عواصم أوروبا والبيت الأميركي الأبيض، مرورًا بالرعبة “الإسرائيلية” التي يعرف السوريون شروطها جيدًا.

يدلّ الردّ الفوري، إن كان في امتصاص الصدمة الأولى للهجوم أو في قوة الردّ وعنفه قبل إسقاط الطائرة ومضاعفته بعدها، على إدراك القيادة السورية الكامل لما يراد من هذه المعركة بتوقيتها ومكانها من جهة، وبدورها في جسّ نبض الجيش السوري ومدى تفاديه لاشتباك آخر، خارجي وصريح هذه المرّة.

ولا يخفى أن جسّ النبض هذا هو “إسرائيلي” قبل أن يكون تركيًّا أو سعوديًّا أو قطريًّا، فـ”إسرائيل” التي كان يعوّل عليها الأتراك والسعوديون وأعوانها من العرب، والتي أسهبت في الحديث عن “الجدار الطيب”، لم تتأكّد من عزيمة سوريا على فتح حرب شاملة إذا ما تمّ اللعب على ترتيبات خرائط جديدة تهدد أمنها الاستراتيجي، وقد فوجئت بردود سورية قاسية في الأسابيع الأخيرة، فأوكلت المهمة للأتراك مستغلّة العماء العنصري لأردوغان وأحلامه التوسعية وكذلك عماء الحقد السعودي القطري على سوريا. ولهذا جاءت الرسالة السورية رسائل مربكة وقاسية لا تنتهي عند كسب وجبال اللاذقية.

من ناحية أخرى تبدو هذه المعركة الورقة ما قبل الأخيرة التي يلقيها الحلف المعادي لسوريا، محاولاً تأمين شريط أو “جدار طيب” آخر في الشمال يمتد من النافذة البحرية، التي أرادوا تأمينها من خلال الهجوم على كسب، إلى حلب وريفها الشرقي، ولهذا ترافق الهجوم على كسب بهجوم آخر لا يقلّ ضراوة في حلب، وقد كان استيعابه ووأده سريعًا كذلك. ولتصبح حدود لواء اسكندرون آمنة كليًّا، بعد أن تصبح عفرين وريفها الغربي الممتد من شمال أطمة في جنديرس وحتى ميدان أكبس جزيرة معزولة يصبح ترتيب أمورها سهلاً مقابل تهدئة القلق التركي من سيطرة الكرد على الحدود في الجزيرة السورية.

ثلاث سنوات وهم يهددون بدعم مرتزقتهم في سوريا، تارة بالأسلحة النوعية وتارة بالمساعدات المالية، وتؤكّد الوقائع أنهم فعلوا كل ما يستطيعون لعملائهم، وأوصلوا لهم أحدث أنواع الأسلحة والذخائر، وأمدّوهم بكل ما يحتاجونه، ووصلت بهم الأمور هذه المرة إلى التدخّل المباشر في المعارك. لكن هذا التدخّل قد يكون الأخير، وقد تكون هذه المعركة التي يبدو احتمال مؤازرتها من جهة الجنوب ضئيلاً، لأن ما يراد منها وصل بحذافيره، آخر المعارك الحقيقية الكبرى التي تخوضها العصابات “الإسلامية” على الأرض السورية في المناطق الشمالية، لكنها بداية دورة جديدة في الحرب، بدأتها “إسرائيل” بالتدخّل المباشر إلى جانب عملائها في القنيطرة ودرعا وتكمل بها تركيا عبر تدخل قواتها الواضح، بل وقيادتها للمعركة من ألفها إلى يائها.

هذا الطور الجديد ما كان ليصل إلى هذا الحدّ لولا الصدمات الكبرى التي تلقّاها الحلف المعادي كله من الجيش السوري، ومفاجآته التي وضعت الاستخبارات ومراكز الدراسات في حالة لملمة أوراقهم القديمة وتقارير عملائهم وحرقها دفعة واحدة، لأن من كان يعتقد جازمًا أن الدولة السورية ستنهار صيف العام ٢٠١١ لا بدّ وأنه كان معتمدًا على معلومات ومعطيات استخباراتية تؤكّد له هشاشة البنية الداخلية السورية عمومًا، وعلى الأخص هشاشة مؤسسة الجيش الذي كان أملهم بانفراط عقده على أشهر قليلة. وهنا يدخل العامل الأهم في الحرب، وهو الحسابات “الإسرائيلية” الجديدة لمستقبلها في الجولان وفلسطين، في ضوء هذه المفاجآت الصاعقة والمحيّرة التي ظهرت نتائجها في التخبّط والإرباك “الإسرائيلي”.

هذه المعركة بجناحيها الغربي والحلبي هي معركة توثّب المارد السوري ويقظته واستعداده المبهر، وهي في الوقت نفسه محرقة كل الأوراق الإقليمية التي كانوا يلوّحون بها، لتصبح ورقة التدخّل “الإسرائيلي”، على غرار التدخل التركي الأخير، هي الأخيرة والنهائية، والتي يجب أن يكون “الإسرائيليون” قد أتلفوها بعد أن أدركهم عملاؤهم من العرب بطاسة الرعبة يوم أمس لأن عملاءهم الأتراك ما زالوا يبحثون عنها.

محمد سعيد حمادة

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=12&id=41509