الرئيسية  /  أخبار

هل ستكون الأردن أول ملَكية عربية تسقط ؟ بقلم: ديفيد شينكر – معهد واشنطن


دام برس : هل ستكون الأردن أول ملَكية عربية تسقط ؟ بقلم: ديفيد شينكر – معهد واشنطن

دام برس:

"هذا المقال هو جزء من سلسلة من المقترحات السياسية للفترة الثانية من ولايةالرئيس الأمريكي بعنوان «أوباما والشرق الأوسط: الفصل الثاني» ، يقدمها زملاءمعهد واشنطن."

بعد عامين من اندلاع ما يطلق عليه بـ "الربيع العربي" تبدو المحصلة لجمهورياتالشرق الأوسط قاتمة ومروعة. فقد تم حتى الآن إسقاط ثلاث حكومات كانت جمهوريةاسماً، أما الرابعة - وهي سوريا - فسوف تتبعها لا محالة في عام 2013. ورغممشاكل الحوكمة القائمة منذ فترة طويلة ومخالفات حقوق الإنسان، إلا أن الأنظمةالملكية العربية نجت إلى حد كبير من الثورات الشعبية التي أطاحتبجيرانها النظم الأوتوقراطية. وحتى الآن عمل "الخط الأحمر" لهذه الملَكياتعلى حماية المصالح الأمريكية. وفي النهاية، وحيث توجد علاقات ودية تربط الولاياتالمتحدة مع هذه الممالك والإمارات، لن تستفيد واشنطن الكثير من سقوط هذه الأنظمةمثل قطع الدومينو، فقط لكي تحل محلها أنظمة إسلامية معادية.

لكن الخط الأحمر للأنظمة المَلَكية لن يدوم إلى الأبد، وسوف تواجهواشنطن سلسلة من التحديات الاستراتيجية الجديدة عندما يتم تجاوزهذه العتبة وإذا ما تم بالفعل تجاوزها. إن نهاية النظام الملكي في الأردن سوفيشكل صفعة بالغة الخطورة لمصالح الولايات المتحدة. وإذا ما سقط النظام، فسوفتخسر واشنطن أفضل حلفائها العرب الباقين، كما ستخسر إسرائيل آخر شريكموثوق في عملية السلام.

كان النظام الأردني على مدى التاريخ قادراً على تحمل السخط الشعبي من خلالاعتماده على دعم سكان الضفة الشرقية - وهم الأردنيون الذين سكنوا المنطقة قبلوصول اللاجئين الفلسطينيين الأوائل عام 1948. وقد وقف هؤلاء السكان إلى جانبالنظام الهاشمي خوفاً من وصول أغلبية من ذوي الأصول الفلسطينية إلى السلطةإذا ما وقعت ثورة في البلاد. لكن على مدى العامين الماضيين، عانت المملكة مناحتجاجات مستمرة تركزت على التباطؤ الاقتصادي وانتشار الفساد - وهي قضيةربما تعمل للمرة الأولى على توحيد المحتجين من سكان الضفة الشرقية ومن ذويالأصول الفلسطينية. وفي حين أن تحسن الاقتصاد الأردني - الضعيف على الدوام -سيستغرق بعض الوقت، ينبغي على واشنطن تشجيع الملك عبد الله على أن يتخذالآن خطوات جريئة لاستئصال الفساد وتحصين نظامه، وذلك لكي تضمن الولاياتالمتحدة بقاء النظام الملكي على المدى الطويل.

 

[وتجدر الإشارة هنا] إلى أنه في تقريرها السنوي حول "مؤشر مدركات الفساد"وضعت "منظمة الشفافية الدولية" الأردن في المرتبة 58 من بين 176 دولة، وهي بذلكتحتل مرتبة من بين أفضل المراتب في منطقة الشرق الأوسط. ومع ذلك، لا يزالالفساد يمثل مشكلة حساسة في الأردن، وهي مسألة لها دويها وأثرها بين أنصارالملكية القبليين التقليديين ومنتقديها الإسلاميين. إن الأردن هي دولة صغيرة تنتقلفيها الشائعات بسرعة بالغة وتحظى البلاد بمعدلات عالية من انتشار الإنترنت، لذافإن تقارير الفساد المالي وإسراف القصر قد أنتشرت في كل مكان على مدى العقدالماضي.

 

وإذا تسأل الأردنيين عن الفساد فسوف يتحسرون على غياب الشفافية في بيعالأراضي الحكومية - على سبيل المثال بيع مقر "القوات المسلحة الأردنية" في عمان،وشبه بيع مركز "الملك حسين الطبي" - وعملية الخصخصة غير التنافسية لصناعةالفوسفات الوطنية. كما سيبثون إليك شكواهم من غياب المحاسبة عن الخسائر الماليةالهائلة المرتبطة بتوقيع امتياز حكومي لإنشاء كازينو على شواطئ البحر الميت ثمإلغائه بعد ذلك. بل إنك قد تسمع عن خالد شاهين، رجل أعمال مُدان كان يقضيحكماً بالسجن لمدة ثلاث سنوات في قضية فساد مالي، لكن سُمح له على نحو لايمكن تفسيره بمغادرة الأردن لعلاج طبي مطول في الولايات المتحدة - إلا أنه لوحظبعد ذلك وهو يتسوق مع عائلته في محلات "هارودز" في لندن.

 

إن قائمة مزاعم الفساد المرتبطة بكبار صناع القرار في عمان طويلة، لكن الأكثرضرراً - والأكثر معضلة بالنسبة للملك عبد الله - هو التصور المتنامي بأن الفسادوالانحلال وصلا إلى القصر. فقد بدأت المشكلة بعد فترة وجيزة من اعتلاء العاهلالأردني العرش، حيث اتهمه بعض الأردنيين بالاستيلاء على بعض الأراضي"القبلية" بشكل غير مشروع. ومنذ ذلك الحين تنامى ذلك التصور. وإذا لاحظنا أيضاًأنه في عام 2011 - وفي أعقاب حفل ميلادها الأربعين المسرف الذي شهد تغطيةإعلامية كبيرة - كتب زعماء 36 قبيلة في الأردن خطاباً عاماً ينتقدون فيه فساد الملكةرانيا. ومؤخراً، أبرز الموقع الإلكتروني الأردني Jo24.net تسليم طائرة فاخرة جديدةللملك عبد الله من طراز إيرباص 330، وهي طائرة لكبار رجال الأعمال يقال إنتكلفتها بلغت 440 مليون دولار. والقائمة لا تنتهي.

 

ومما يدعو للأسف، أن الشعب الأردني شعب صبور، لكن الصحوة العربية أضرتباقتصاد المملكة العليل منذ فترة طويلة. وحيث تواجه البلاد عجزاً في الميزانية يبلغنحو 30 بالمائة هذا العام، أعلنت الحكومة في تشرين الثاني/نوفمبر 2012 أنه تمشياًمع التزاماتها تجاه "صندوق النقد الدولي"، فإنها سوف تخفض الإعانات على الغذاءوالطاقة. وقد أدى قرار التقشف، الذي فاقم من حدته إسراف القصر المتصور، إلىدفع البعض إلى الدعوة لـ "الثورة".

 

ويقيناً، بينما كانت الاحتجاجات في المملكة - والتي تمثلت بالمطالبة بتحقيق انفراجةاقتصادية وزيادة الدعم والتحرر السياسي وإنهاء الفساد - روتينية ومستمرة منذمطلع 2011، إلا أن المظاهرات لم تقترب من الكتلة الحرجة. فقد تمكن الملك عبد الله -على الأقل في البداية - من نزع فتيل المسيرات والمظاهرات من خلال مجموعة منالإنفاق المعتمد على الاقتراض والإصلاح الدستوري الجاد لكن المحدود. ويبدو أيضاًأن الخوف من الفوضى على غرار ما حدث في سوريا قد ثبط عزيمة العديد منالأردنيين الذين كان يحتمل أن يكونوا من المحتجين. وبالمثل احتوى العاهل الأردنيالمعارضة من خلال القيام بأشكال أخرى من الضغط غير المهلك، بما في ذلك شنحملة متواصلة من الاعتقالات.

 

إلا أن خط التوجه غير مطَمئِن. والأمر الأكثر إزعاجاً هو أنه على مدى الثمانية عشرشهراً الماضية ظهر ائتلاف معارضة مثابر لا يشمل معارضي النظام الملكيالإسلاميين الدائميين فحسب، بل أيضاً عدداً متزايداً من "سكان الضفة الشرقية".وعلى الرغم من أن المشاعر في صفوف هذه المجموعات، المعروفة باسم "الحِراك"،ربما لا تكون واسعة الانتشار بين قبائل المملكة، إلا أن أعضاءها متماسكون وأبدواوقاحة غير عادية في انتقاد الملك عبد الله، حيث انتهكوا كافة الأعراف والقوانين فيالأردن التي تحظر تشويه صورة أفراد العائلة المالكة.

 

وكان أشهرها قيام متظاهري "الحِراك" من محافظة الطفيلة ومنطقة الطفيلة فيعمان - المعروفين بولائهم للنظام الملكي - برقص "دبكة الفساد"، وهي رقصة محليةتقليدية تتمثل في خطوتين رافقتها احتجاجات تتهم العاهل الأردني وعائلته بالفساد،لدرجة وصف الملك بأنه يمثل "علي بابا والأربعين حرامي". بل إن بعض أفراد العائلةالمالكة دعوا إلى خلع الملك عبد الله واستبداله بأخيه الأصغر غير الشقيق، الأميرحمزة.

 

لدى واشنطن مصلحة واضحة في بذل كل ما في وسعها لضمان استمرار بقاءالنظام الملكي. وفي حين لا تستطيع الأردن التراجع عن سياسة التقشف الحالية،بإمكان إدارة أوباما المساعدة على التخفيف من حدة المتاعب التي تواجهها المملكةمن خلال إقناع "مجلس التعاون الخليجي" - الذي التزم في عام 2011 بإعطاءالأردن 5 مليارات دولار على مدار خمس سنوات - بتوفير دعم فوري للميزانية، بمافي ذلك تقديم مدفوعات نقدية إلى الملك، لمساعدته على تعزيز قاعدته القبلية.

 

والأهم من ذلك، وبالتأكيد من منظور شعبي، ينبغي على واشنطن الضغط على الملكعبد الله من أجل شن حملة حقيقية لمكافحة الفساد، من شأنها إزالة "ملفات الفساد"من سريات البرلمان ونقلها إلى جهة أكثر شفافية. إن الخطوات الرمزية إلى حد بعيدالتي تم اتخاذها حتى الآن - والتي شملت بعض جلسات استماع برلمانية حولفضيحة كازينو البحر الميت وإلقاء القبض على رئيس بلدية عمان وإدانة رئيساستخبارات سابق والحكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة 13 عاماً - لم تكن كافيةلاستعادة الثقة.

 

وفي مطلع كانون الثاني/يناير، اتخذت الأردن خطوة غير مسبوقة بإصدارها مذكرةاعتقال بحق عم الملك عبد الله الهارب، وليد الكردي، المتهم باختلاس مئات الملايين [منالدينارات] من صناعة الفوسفات الأردنية. إن إجراء محاكمة علنية لأحد أفراد العائلةالمالكة قد يقطع شوطاً طويلاً نحو طمأنة الجمهور - لا سيما في دوائر الضفةالشرقية الداعمين للنظام الملكي - حول التزام العاهل الأردني بمحاربة الفساد.ينبغي على واشنطن أن تشجع الملك عبد الله على المضي قدماً في محاكمة الفسادالعلنية هذه وغيرها من المحاكمات، بهدف تحسين صورة العاهل الأردني المشوهة فيالداخل وزيادة احتمالات نجاته من الاضطرابات الإقليمية الحالية.

 

ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهدواشنطن
 

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=12&id=37069