الرئيسية  /  كتاب وآراء

هل يعقد جنيف 2 ؟ بقلم: فوزي بن يونس بن حديد


دام برس : هل يعقد جنيف 2 ؟ بقلم: فوزي بن يونس بن حديد

دام برس:

كثر الحديث عن المؤتمر المزمع عقده في جنيف حول سوريا، وتداخلت المصالح الدولية وتشابكت، فبينما تسعى روسيا بكل ثقلها ومعها إيران إلى عقد هذا المؤتمر بكل ما أوتيتا من قوة، تسعى أطراف أخرى إلى إفشاله لأنه لا فائدة من ورائه كما تعتقد، ولأن المعارضة ستخسر اسمها إذا ذهبت وجلست على طاولة واحدة مع النظام السوري الذي تعتبره فاقدا للشرعية ولم يعد يمثل الشعب السوري، إذ في كل مرة يريد فيها المجتمع الدولي إنهاء النزاع في سوريا فتأتي معوقات جمة لتفسد هذا اللقاء وتؤجّله إلى أجل غير مسمى ولتبقى دائرة النزاع ساخنة وحارّة لا يقترب منها أحد.

وفي ظل هذا الأخذ والرد، والشدّ والجذب يبقى الموقف الأمريكي غير واضح من المسألة، فمرة يساند الجماعات المسلحة بكل قوّة ويريد التفاوض معها ويدعمها بالسلاح والمال ويطلب ودّها بكثير من التزلف والنفاق، ومرة أخرى يعلق مساعداته عنها وكأنه يعاقبها على فعل لا يرضاه بل ويهدّد مسارها عبر ضمّها إلى قائمة الإرهاب، ونجده في الأيام الأخيرة وكأنه بدأ يتراجع عن دعم هذه الجماعات لمّا رأى اعوجاجها وانتهاكها لحقوق الإنسان في سوريا من خلال ذبح النساء والأطفال والرجال واستخدام الشابات جاريات لهم ينكحنهن متى شاؤوا، ولما رأى أيضا أن الوضع على الأرض بدأ يميل للأسد الذي استجمع قواه وبدأ يسترجع القرى والمدن بالقوة التي تمكنه من طرد المسلحين بكافة أطيافهم وجنسياتهم.

هذا العبث بالمواقف، جعل المارد الأمريكي يفكر ألف مرة قبل الإقدام على خطوة ترجعه للوراء وتفسد عليه متعته، حتى عبّر أحد المسؤولين الأمريكيين أخيرا أن الأسد أقلّ خطرا من الجماعات المسلحة، وكأنه بدأ يلين للموقف الروسي العتيد من البداية، وموقف طهران التي استطاعت بفضل الحنكة والحكمة العمانية أن تصنع السلام النووي – إن صح التعبير- عبر اتفاقية تاريخية مع الدول الأوروبية وأمريكا في المقام الأول مما خفّف التوتر وحوّل الوجهة الأمريكية نحو إيران التي كانت في يوم من الأيام ضمن محور الشر، وكانت أمريكا في نظر طهران هي الشيطان الأكبر.

وفي ظل هذا التعقيد وتشابك المصالح، تسعى جميع الأطراف إلى إيجاد حلّ سياسي يخرج سوريا من أزمتها، ولكن مع من تتحاور سوريا؟ مع المعارضة التي فقدت عذريتها ولم يعد لها مكان في سوريا، أم مع الجماعات المسلحة التي تعيث في الأرض فسادا؟ ومع إصرار السعودية على إسقاط نظام الأسد ودعم الجماعات المسلحة جهرة وعلانية وبكل وقاحة تاريخية لا يمكن أن تكون الرياض طرفا في الحوار لأنها تفسد أكثر مما تصلح، وبهذه العنجهية والعجرفة وكل ألفاظ القسوة تعامل السعودية بلدا عربيا مثل سوريا بلد المقاومة والممانعة وتسعى إلى فرض إرادتها على شعب يريد الحرية والعيش بكرامة في ظل الأمن والأمان، لقد أفسدت السعودية الخطة مرات عدة في ظل تردد الموقف الأمريكي وتصلّب الموقف التركي، وما حصل في تركيا وزعزع استقرارها مرة بانتفاضة شعبها وأخرى بحالات الفساد المالي والأخلاقي التي طفت على الساحة وطالت أعمدة الحكم في البلاد، مما أحرج أردوغان الذي كان يأمل أن يرى سوريا بدون الأسد بل كان يحلم بذلك وصوّب جميع بنادقه نحوها إلا أنه بدأ يفشل بل وإن آثار الخسارة بدأت تتضح شيئا فشيئا، لأنه يكتوي بالنار التي أراد إشعالها في سوريا.

في ظل هذا التعقيد، هل يعقد جنيف2 ؟ هل تستطيع كل القوى أن تجتمع على طاولة واحدة الشهر القادم وتصل إلى حل يقنع الجميع؟ في رأيي المتواضع لا تستطيع هذه القوى أن تجتمع، لأن ما يسمى المعارضة رفضت الإفصاح عن نواياها، وما الذي تريد أن تقدمه فهي تعيش حالة من الفوضى والهستيريا، فإدريس هرب من موقع الحدث ولجأ إلى حضنه قطر، وجربا متوتر وضائع في بحر الهوى، لا يدري أي الطرق يسلك؟ والبقية الباقية تائهة في ظلمات الجدل والمراء، ولأن السعودية تقف شوكة في حلق هذا الاتفاق عبر مدّ المسلحين بالمال والسلاح لتبقى الساحة مشتعلة حتى تقضي على ما تسميه الطغيان وحزب الله الذي يقاتل إلى جانب النظام، ونسيت شعبها الذي يرزح تحت خط الفقر ويطالب بتحقيق العدالة، ولأن الموقفين الروسي والأمريكي متضادان لا يتحدان في اتجاه واحد.

وإن عُقد المؤتمر، فهو لا يعدو أن يكون مسرحية خيالية أو وهمية لا تمت إلى الواقع بصلة وليس لها أي تأثير على ما يحدث على الأرض، ما يحدث حرب ضروس بين نظام وجماعات مسلحة دخلت البلاد بطرق غير شرعية تريد فرض إرادتها وتكوين عصابات مسلحة تعيث في الأرض فسادا بغير حق ويبقى الشعب السوري يتلظى بنارها ويكتوي بلهبها، يموت الرجال والأطفال والنساء، فهذا لا يهمّ، فالمهم عندهم هو التمتع والتلذذ بالقتل والتخريب والتدمير في بلد كان ينعم أهله بالأمن والأمان، ولذلك الحل لا يكون إلا بقطع الإمدادات عن الجماعات المسلحة وتقييد حركتها ومحاكمتها على جرائم الحرب وفرض حالة من الأمن والأمان في الجهات التي تسيطر عليها هذه الجماعات وإجراء انتخابات حرة ونزيهة يختار على إثرها الشعب السوري من يريد أن يحكم البلاد.

 

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=48&id=36767