الرئيسية  /  أخبار

التلطيش.. بين الأدب وقلة الأدب .. ظاهرة طبيعية أم مرض اجتماعي ؟


دام برس : التلطيش.. بين الأدب وقلة الأدب .. ظاهرة طبيعية أم مرض اجتماعي ؟

 دام برس - رنيم الماغوط  :

 من منكن يافتيات من لاتسمع حين تمشي ألف معاكسة أوألف تلطيشة بالمعنى الدارج . منكن من تبتسم ومن تغضب ومن لا يعنيها الأمر ولكن لم تنتشر هذه العادة وتتزايد بين الأوساط الشبابية بشكل لا مثيل له ؟ هل يمكن اعتبار هذه الظاهرة تصرف طبيعي كنوع من استعراض ذكوري لجذب الأنثى أم هو عائد لأمراض اجتماعية خطيرة كالكبت والجهل والتفاوت الطبقي والفقر !! . كلمات تختلف منها المزعج ومنها الجميل ، ظاهرة التلطيش ظاهرة تخطت الشارع ووصلت لصفحات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وحتى إلى أماكن العمل والتسوق ومن هنا ولتسليط الضوء أكثر على هذا الموضوع قامت دام برس بالتحقيق التالي :

"التلطيش" ثناءٌ في الشارع هو ذم .

هناك أمر لاجدال فيه أن الأنثى تحب من يثني على جمالا ، ولكن إن كانمصدر هذا الثناء هو الشارع هل يبق له أهمية بالنسبة لها فكثير من المعاكسات الجميلة تبطن بغايات سيئة ربما فتعكس شعورا مزعجاً لدى الفتيات في كثير من الأحيان . سالي طالبة في كلية الفنون الجميلة تقول : " أتعرض يوميا كلما خرجت من المنزل لكثير من المعاكسات والتلطيشات أحيان تكون لطيفة أتجاوزها وأمشي وأحيانا تكون مضحكة وأحيانا أخرى تتجاوز حدود التهذيب . هناك مناطق الازدحام وتجمع المواصلات تزداد احتمالات الإزعاجات والمضايقات التي تتجاوز أحيانا اللفظ إلى التحرش الجسدي، وهذا يحتاج إلى ضبط وتوعية بنفس الوقت من قبل لجان خاصة بذلك توجدها الدولة."

لازالت المرأة أنّى حلت عرضة للمضايقات.

تتجاوز ظاهرة التلطيش الشارع كمكان درجت به لتصل إلى الوظيفة " مكان العمل " فالمرأة أنّى حلت رغم كل التطور الذي وصل إليه العالم لازالت في مجتمعنا عرضة للمضايقات والتحرش سواء في العمل أو الشارع أو السوق. ترى السيدة منى ربة منزل وموظفة أنها كامرأة عاملة لا تنجو من بعض المضايقات اللفظية التي تندرج تحت عنوان التلطيش في العمل المكتبي من قبل أرباب العمل أو حتى زملائها في الوظيفة من الرجال وهذه الظاهرة برأيها أخطر ألف مرة من مثيلتها في الشارع من قبل أشخاص غرباء لا صلة يومية لها بهم فلازالت عقلية المجتمع لا تحتمل وجود المرأة مع الرجل في العمل والشارع والحياة وهذا ما يجعل الرجل ينظر إليها بعين الذكر . فوجودها إلى جانبه يندرج في إطار تلك العقلية تحت عنوان التصرف الغريزي .

التعليقات الفيسبوكية : تلطيش بنكهة إلكترونية .

درجت مؤخرا بشكل لامثيل له الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي كالفيس بوك كوسيلة تواصل واتصال ولاقت إقبالا من الشبان والشابات وكانت حاضنة لعلاقات صداقات وحتى علاقات حب وكثيرا ما تكون هذه العلاقات وهمية وبأسماء غير حقيقية ما يتيح المجال لكثير من الكلام الخارج عن كل الأطر . محمد طالب في كلية الطب يرى أنه باستخدام الإنترنت يتاح له علاقات على درجة كبيرة من الحرية والانفتاح على حدّ تعبيره فهو بإمكانه مغازلة أي فتاة والتعبير عن إعجابه بأريحية كبيرة .وبرأيه أن هذا الغزل أو المديح يلاقي قبولا ولايمكن اعتباره تلطيش . في حين تعتبر آلاء طالبة في كلية الصيدلة أن مواقع التواصل والدردشة تتيح أمام الشباب باب واسع من حرية الكلام التي في كثير من الأحيان تتجاوز حدود العلاقة المتعارف عليها ويعتبر هذا الكلام برأيي تلطيشا بنكهة إلكترونية .

الفتاة :لن يلفتني شاب يعاكسني في الشارع فهو حتما ليس رجل ..

تتعدد الكلمات والعبارات التي يستخدمها الشبان لمعاكسة أو لفت نظر الفتيات والوصول إلى قلوبهن حتى باتت هناك تلطيشات على الموضة  ولكن كثيرا من المغازلات لاتصل إلى قلب الفتاة إنما تثير استيائها وأحيانا كثيرة يمكن اعتبارها تحرش ومن هنا انطلقت نظرة الفتاة للشاب الذي يستخدم هذا الأسلوب للفت نظرها على أنه مراهق أو أنها حركات" ولدنة " . تقول آمال طالبة في كلية الطب : " ربما أبتسم حين أسمع بعض عبارات المعاكسة في الشارع وربما أفرح بها لا أنكر ذلك فالأنثى يفرحها الثناء إن لم يتجاوز حدود الأدب لكن ما أنا متأكدة منه أن الرجل الحقيقي لا يتصرف بهذه الطريقة لذا فمن المستحيل أن أحترم من تنبعث منه هذه العبارات . "

أحيانا التلطيشة الجميلة فعل إيجابي !!
ليست كل الفتيات سواسية هناك فتيات تفرحهن التلطيشة وحتى تتفاءلن بها وتبدأن نهارا جميلا ، هكذا ترى راما طالبة في كلية الاقتصاد فبرأيها هذه العبارات إن أخذت إطارا جميلا ولفظا مهذبا تعطي لسامعتها الابتسامة والثقة وربما اعتبارها فعل إيجابي مالم تكن جارحة للمشاعر ومن هنا يمكننا القول أن الكلام الجميل طاقة مهما كان مصدره وتواصل راما أن كثير من الفتيات عندما لا تسمعن معاكسات تقول " أكيد اليوم في شي مو ظابط " معناه أن التلطيش الجميل هو طريقة جميلة تحبها الفتيات فحلو الكلام خير من ألف هدية كماهو معروف لذا أعتبره فعل إيجابي بامتياز .

الحضارة:رجل وامرأة يمشيان في الشارع ولا أحد يزعج الآخر.

كما أن الفتيات لسن سواسية كذلك الشبان. عمار طالب في كلية الإعلام يرى أن المعاكسة فعل غير حضاري ولايليق به كشاب مثل هذا التصرف فهو لا يحترم من يقوم بهذا الفعل و يرفض التلطيش وعلى رأيه من يعاكس هو إنسان ينتقص من قيمته بالدرجة الأولى مهما كان مضمون المعاكسة فبالنهاية هذا التصرف تصرف غير ناضج وهو خلل اجتماعي يرجع أولا وأخرا إلى الأسر وطريقة التربية وهذا يحتاج إلى إعادة النظر في كثير من القوانين التي تكافح مثل هذه الظاهرة وخاصة في حالة التحرش الجسدي فيجب أن تكون هناك عقوبات تردع الشبان عن مثل هذا التصرف في حال غياب الرادع التربوي والأخلاقي فالحضارة تعني رجل وامرأة يمشيان في الشارع ولا أحد يزعج الآخر . والرجل الجدير بالاحترام يقدر أن المرأة خارج إطار شهواته هي شريكته في العمل والشارع ولا أحد يحق له أن يزعج الآخر .

باختلاف التلطيشة يختلف الرد !

باختلاف وتنوع أساليب المعاكسة تختلف وتتعدد ردود الأفعال نحوها فالكلمة الجميلة تقابل بابتسامة والكلمة المزعجة تقابلها كلمة أخرى مثل اخرس ، ورصاص ، وحمى ، الله ياخدك .. وغيرها أما التحرش الجسدي في الشارع أو الباص فهذا يتطلب استخدام وسائل دفاع مثل حقيبة اليد أو الحذاء لتأديب الفاعل .. هذا في الشارع أما في العمل فمن السهل على من يجرب أن يزعجك أيتها الفتاة الجميلة أن تعامليه بذكاء وتفضحيه بين زملائه وهذا خيارك لتعيشي بين الرجال المستذئبة إن صح القول وإن انتقلنا لصفحات الدردشة فليس عليك لتهذيب ألفاظ الأصدقاء سوى استخدام البلوك لمن يقل الأدب بكل بساطة الأمور محلولة .

والتلطيشات أيضا تناسب الظروف وتتبع الموضة .

فكما هناك موضة ملابس وأزياء هناك موضة التلطيشات التي تأخذ قالبا يناسب كافة الأوقات والظروف فمثلا هناك تلطيشات الأزمة التي باتت معروفة اليوم مثل " تعي نحب بعض تحت سقف الوطن " أو " ولي على طولي ولي على أيامي إنتي حقيقة أو تضليل إعلامي " أو "  أنا ماني تبع فترات انتقالية تبع استقرار ياحلو " أو " أصابعك هيدول أو أصابع خارجية " أو " ممكن نتعرف حتى نقوي الوحدة الوطنية " أو  " تعي اشتري من عندي لنقوي اقتصاد البلد " وكثير غيرها فهي ظاهرة لطيفة تدل على خفة دم وظرافة الشعب السوري .

عالم الفضائيات والإنترنت لم يقدر على احتكار الرجال لقيادة السيارة.

لازالت المرأة حين تقود السيارة أو الدراجة تواجه بهجوم وتلطيش ربما من نوع آخر فهي تقوم بمهام يجب أن يحتكرها الرجال فالسيدة لمياء تقول أنها عندما تقود سيارتها تسمع انتقادات من  سائقين آخرين وتلطيشات مثل " روحي حطي ماكياج أحسنلك "
أو " ما خرّب البلد غير إنو النسوان صارت تسوق " وغيرها من الكلمات التي تؤكد أن هذا المجتمع لا يخرج من ذكوريته ولا يتجاوزها حتى بهذه التفاصيل البسيطة فالفتاة إن قادت سيارة اعتمدت على نفسها لا تخلص من لسانهم السليط وحتى الدراجة التي تدرج تحت قائمة الرياضة والترفيه ربما فهي تجعل من كلماتهم تزداد غباءً وهذا مالم تقدر ثقافة الفضائيات وعالم الانترنت على محوه.


" التلطيش " ظاهرة طبيعية أم مرض اجتماعي ؟


لو حاولنا فهم وتحليل أسباب هذه الظاهرة " التلطيش " التي تشعبت ووصلت لكثير من المجالات لوجدنا أن أهم أسبابها هو الكبت وسوء التأهيل والتربية , فتقول الدكتورة مها السامي ( الطبيبة النفسية ) : " إن عادة التلطيش أو المعاكسة التي يتبعها الشباب في تعاملهم مع الفتيات في مختلف الأوساط هي نوع من الاستعراض للفت وجذب الفتيات وهو عمل ذكوري يتبعه الكثير من المخلوقات وليس فقط البشر فالطاووس يستعرض ريشه الملون لجذب الأنثى على سبيل المثال ولكن ما يختلف لدى البشر هو الضوابط الاجتماعية التي تجعل من هذا التصرف في كثير من الأحيان عندما يتجاوز الحدود وجريمة يعاقب عليها القانون ومجتمعاتنا العربية هي عموماً مجتمعات مكبوتة ما يزيد من هذه الظاهرة التي تأخذ أحياناً إطاراً غير أخلاقي وأحياناً يمكن اعتبارها كما قلت استعراض ذكوري لجذب الأنثى وفي كل الحالات هذه الظاهرة لا يمكننا أبداً الاختلاف باعتبارها مرض اجتماعي يحتاج إلى وعي أسري كبير لتجاوزه."

 

المعاكسة حالة اجتماعية لها وجهان ..

وعموما مهما اختلفت العبارات " ولي على طولي" "ياريتني كندرتك " أو "يقبرني ربك " أو " تتجوزيني لغيِّر ديني " ... كلمات تسمعها الفتيات الجميلات من المحجبة إلى السبور ولا تسلم منها حتى القليلات الجمال " حاسس حالي بكابوس " أو " غاطة وجها بعلبة المكياج" وغيرها .. ومهما اختلفت ردود أفعال الصبايا عليها فهي بلا شك حالة اجتماعية لها وجهان :
الأول حالة طبيعية لدى كثير من الشباب وتعتبر نوع من التعبير عن الرأي بالنسبة لهم وفي الوجه الآخر حين تصبح مبالغ فيها أو خارجة عن أطر جمالية أو أدبية معينة تتحول إلى مرض اجتماعي أو جرم أخلاقي يتطلب معالجة أو عقوبة قانونية وهذا نتيجة للكبت يتطلب وعي أسري وتربوي عالي وعلى صعيد الدولة أسلوب ومنهج  تنموي لكثير من المناطق الفقيرة والأمية لنشر ثقافة انسانية تتجاوز الذكر والأنثى إلى إنسانية الإنسان.

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=12&id=34952