الرئيسية  /  كتاب وآراء

العقل السوري بخير مادامت اجنحة فلسطين المكسورة في القصير .. بقلم: بلال فوراني


دام برس : العقل السوري بخير  مادامت اجنحة فلسطين المكسورة في القصير .. بقلم: بلال فوراني

دام برس:

حين تحاول قراءة أي كتاب بالشكل المقلوب , فأمر طبيعي أن لا تفهم شيء لأن الجاذبية لا تتآمر مع الاثقال ضد قوانين الطبيعة , وما شممناه مؤخراً من رائحة حماس القذرة في القصير , ما هو سوى حلقة من مسلسل الطعن في الخاصرة السورية , إذاً ليس الأمر معلقاً فقط على حماس التي أطعمناها يوما ثم بصقت على الصحن الذي أكلت فيه , فحماس لا تمثل الفلسطينين كما تماما مجلس اسطنبول او الائتلاف السوري لا يمثل السوريين . وقراءتنا للأحداث بكل أسف صارت معممة , بحيث نحكم على الكتاب من عنوانه فقط , وهذه الهجمة الشرسة التي لا داعي لها على شيء اسمه الوجود الفلسطيني , هو تفسير واضح بأن الكتب دوما نقرأها بالشكل المغلوط , وحماس ما هي سوى فقرة واحدة من فقرات الخازوق العثماني القطري السعوي , تماما مثل فقرات كثيرة ملتهبة في حب الوطن ويريدون حرية الوطن وهم سوريون في أصل الأمر .
المشكلة التي نواجهها ليست في حماس التي كشفت عن وساختها , ولا حتى عن السوريين الذين باعوا بلدهم وشرفهم وعلمهم وجيشهم لأجل الحرية . وليس في أصابع داوود باشا التركي التي لعبت في الحساء السوري حتى احترق , وليس في أخوة يوسف الذين لم يخجلوا من طعن يوسف علناً أمام باب الكعبة المشرفة حتى راقت دماؤه على جلد الذئب .


المشكلة في عقولنا التي ما زالت مثل الاسفنجة المعفنة , التي تخلت عن مهمتها في امتصاص أكبر قدر من المياة القذرة . وصارت أي قطرة ماء تجعلها تتمايل وتهتزّ كأنها امتلئت بالماء . وأبجدية التعميم المطلق والأعمى التي ننشرها في الأجواء , ما هي سوى دليل أننا ما زلنا في الدرك الأسفل من تخلفّ بعضّ المثقفين الذين يمارسون ثقافة الشجعان وهم جبناء يختبأون وراء أسماء ملوك وملكات من عصر كليلة ودمنة . وما زالت الشهرة بمفهومها المعروف هي اللعنة المقدسة التي ابتليّ بها الشعب السوري من شماله العثماني الى جنوبه الاسرائيلي , ومن شرقه الطائفي الى غربه النائي بنفسه .
مشكلتنا أننا جمهور يحترف التصفيق بكل مهارة , ونهللّ ونزمر ونطبلّ لكل من يقف معنا ويروينا بالماء المعصور على مزاجنا , وفي اللحظة التي يشعر بأن الماء قد تغير عياره , ينقلب عليه مثل الكلب السعران كي ينبح عليه ويهمشه بلا رحمة . والأمثلة كثيرة حتى للأعمى الذي لا يرى , ونحن سنظلّ للأسف نعيش في دائرة كبيرة ونحن نبحث عن زاوية فيها , وسنظلّ مثل القط الذي يحب خانقه دوماً . لأننا امتهنا ثقافة المكان وليست ثقافة الجغرافيا , رغم أن الرئيس بشار وهو الناطق الرسمي باسم هذا الشعب قد أوضح أن مشكلتنا في ثقافة الفكر والعقول , وهو من يعلم تماما ما حدث من خيانة حماس , ورغم هذا لم يقع في فخ ثقافة التعميم , ولم يقل أن الشعب الفلسطيني قد خان أمتنا , بل على العكس ما زال يتمسك بالقضية الفلسطينية , لأنه يعلم أن من يمثل حماس ما هم اليوم سوى رعاة أوباش لا يمثلون شيء من فلسطين ولا حتى من بعدها التاريخي أو الثقافي , باعوا قضيتهم كي يلحسوا الحذاء القطري , وفلسطين كما هي سوريا فيها من خرج يرفع علم بلده وفيها من خرج يرفع خرقة الانتداب الفرنسي . انها ثقافة التعميم التي يحاولوا أن يغرقونا فيها , فمجرد أن تسمع أن هناك فلسطيني أو أردني أو تونسي أوعراقي قد افتعل جريمة مثلا في سوريا , حتى يبدأ لسانك الكريم في تلاوة آيات الشتيمة والسباب والتنكيل بكل الشعب الذي ينتمي اليه هذا الشخص .
مشكلتنا أننا تحررنا يوما من الانتداب الفرنسي لكن لم نتحرر بعد من أفكارنا المعاقة , وانتصرنا في معارك كبيرة ولكن لم ننتصر على الحسّ الطائفي في داخلنا , ومهما زاودنا في الكلام ونمقنا الحديث واستخدمنا كل أدوات المكياج كي تتجملّ الحقيقة , فستظل مشوهة لأنها حقيقة . والشعور الطائفي ما زال ينخر في عظامنا مثل الدود وهذا ما يعتمد عليه تماما كلاب الأمة وأعداء الوطن ,  ففي الوقت الذي تشنّ فيه بعض الدول حرب على حزب الله لأنهم طائفيين , نسوا تماما أن حربهم هي أصلا طائفية لأنهم جردوهم من قيم الاسلام وخصخصوهم في طائفة واحدة . وما زالو يعزفون على وتر حقير قذر يمثل تربيتهم واخلاقهم المنافقة , ويقولون أن هذا شيعي وهذا سني . في حين أن ملك الموت حين يقبض الروح لا يسأله ما طائفتك بل يسأله ما دينك . وديننا الاسلام كلنا وكما هناك شيعي هناك أيضا وهابي , ومن العدل حين نفتح جبهة ضد حزب الله باسم الاسلام , أن نفتح جبهة أخرى ضد الوهابية باسم من يشوه الاسلام .


على حافة الوطن
"كل التعميمات خطيرة، بما في ذلك هذا التعميم ذاته."
ألكسندر دوما
بلال فوراني

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=48&id=28626