دام برس: أحمد رافع الفنان المعروف تحدث لإحدى المحطات التلفزيونية بعد أن بثت برنامجا وثائقياً بعنوان " الحريق " على جزأين .. وبكى بحرقة و ألم شديدين .. فعيناه شاهدت و أذناه سمعت من قتله قبل أن يقتل نجله محمد. لكنه أصرّ على القول إن سورية قدمت له و لفلسطين كل ما ملكت يداها عبر سنين طويلة من تاريخها فكيف يُطلَب منه النكران و الجحود و الغدر!؟. لقد اختصر هذا الرجل المكلوم و في لحظة واحدة كل الحكاية رغم هول الحزن و الحسرة و المرارة و المصاب. ففي كتاب بعنوان/ العالم عام 2030 / حددت المخابرات المركزية الأميركية وبكل وضوح و صراحة " غير نادرين " أعداء أميركا الذين يشكلون خطراً مباشراً و داهماً على مصالحها في المستقبل القريب و البعيد. وجاء أول هؤلاء " الأعداء " الفكر القومي!؟ بالمعنى العام للقومية أي بغض النظر عن المكان أو التسمية .. إضافة لأعداء آخرين لا داعي لذكرهم الآن. سيخرج من يقول ما هذا الكلام المتسرب من العصور الوسطى و ربما الحجرية! وهو محق بكلامه هذا .. لكن المشكلة أن " الأميركي " يعلم جيداً أنه لن يستطيع البقاء على عرشه الذهبي من غير أن يحشر منخريه بكل كبيرة و صغيرة ليتمكن من القضاء على أي فكرة أو حلم في مهده و بأبشع و أشنع الأساليب و أقذرها مما يجعل الصورة على ذات الشاكلة فتختلط الأوراق و المشاهد و الأفكار لدرجة يصبح معها من المحال الوصول إلى أي فهم أو طريق واضح. لأن أي فكر قومي سيكون مع مرور الوقت نواة جذب و جمع تتحول لقوة فعل و حركة يمكن لها في مناخات معينة النمو لدرجة تجعل مصالح سيد البيت الأبيض ليس كما يشتهي و يريد. ضمن هذا التصور لم تكف الدوائر الأمنية و العسكرية الأميركية عن وضع الخطط المتتالية لتقول لأصحاب هذا الفكر و دعاته في اللحظة المناسبة " كش مات " كما تقول لغة لعبة الشطرنج غير البعيدة عن ميادين السياسة أبداً. الحركات و التيارات والأحزاب " القومية " العربية رغم معرفتها و إدراكها لهذه الحقيقة الناصعة و قبل صدور هذا الكتاب بكثير اكتفت بتوصيف الواقع و أسرت نفسها في دائرة رد الفعل و المتابعة مع المحافظة على ذات الخطط و المفردات كخطاب سياسي و إعلامي .. معتمدة على أن جوهر ما تطرحه للناس من شعارات و أهداف يحصنها من الرياح العاصفة و الكوارث!؟ بمعنى أن هذه الأحزاب خاضت كل حروبها الوجودية " المحقة " مع أميركا ومن معها من غير أن تهتم بتسويق هذه المعارك " بالصورة و الكلمة " مكتفية بهذه الأحقية و المشروعية. بينما خاض الأميركيون ومن معهم كل حروبهم " غير المحقة " متخفين وراء سياسة إعلامية مبهرة للعيون و العقول .. فذبحوا الملايين من الأفغان و الفلسطينيين و العراقيين و اللبنانيين و اليمنيين .. وهم يتحدثون عن الإنسان و حريته و مستقبله المشرق!؟ مع بهرجة إعلامية لا حدود لها. أما الأسماء و لون البشرة و مكان الولادة أو الجنس و غير ذلك من تسميات فلا مكان لها عند تحديد الأميركيين لخصومهم و أعدائهم الذين يجب أن تحصى أنفاسهم دون كلل أو ملل .. لأن هدفهم و غايتهم الدائمة هي " الفكر " أو " العقيدة " .. على العكس تماماً من أهل الشرق الذين تقوم كل عداواتهم و أحقادهم " الحقيقية " على أساس مسلسل باب الحارة " الشهير "!؟ ليغدو كل من يسكن خلف ذاك الباب " الفاصل " هو العدو المبين!؟ ويجب متابعته بدقة و حرص دائمين إلى أن يتمكن " شارب العكيد الصناعي"! من وضع الخطة الذكية للقضاء عليهم!؟ ولأن " مناخير " السيدة أميركا تعلم عن الشرق و أهله أكثر مما يعرفون هم عن أنفسهم .. فقد كان باب الحارة و قفله و مفاتيحه و حتى حارسه على الدوام!؟ بتصرفها و طوع بنانها ولها وحدها أن تحدد من هم أهل الحارة الحقيقيون و من هم أعدائهم الواجب على " القبضايات " ملاحقتهم و تصفيتهم!؟ الوقوف على شاطئ الذكريات و الماضي غير مجدي أبداً .. فالتاريخ مليء بقصص و معارك كانت نهايتها لا تصب في مصلحة أصحاب الحق أو " المشروعية "!؟ و السياسة ابنة شرعية للحياة و الواقع المعاش على الأرض و الحارات. لذلك لا بد للحركات والأحزاب " القومية " في المنطقة العربية إعادة ترتيب أوراقها " بثورة " عاصفة تبدأ بالخطاب السياسي و الإعلامي وترتيب الأولويات و لا تنتهي بالالتحام أكثر بمخاوف الناس و حاجاتهم .. و إشعال النيران بكل جبال الثلج و الزوايا القديمة المقفرة ، ومن دون أي انتظار أو تردد. عودة لما سبق و ذكرته في بداية حديثي فيحق " للسوري " أن يشعر بالألم و الصدمة من اللبناني و الكويتي و الفلسطيني و الأردني و السوداني و اليمني ... شريطة أن يضع نصب عينيه وعلى الدوام أنه هو المستهدف كقلب نابض بالقومية والعروبة هكذا و بكل بساطة. فهذا هو قدر الشرق و هذا هو قدر السياسة فيه إلى أن يرث الله الأرض وما عليها |
||||||||
|