الرئيسية  /  كتاب وآراء

حرب أهلية .. أم حرب على الإرهاب ؟ بقلم: د . عبد اللطيف عمران


دام برس : حرب أهلية .. أم حرب على الإرهاب ؟ بقلم: د . عبد اللطيف عمران

دام برس:

كتب الدكتور عبد اللطيف عمران في افتتاحية صحيفة البعث السورية مايلي : تجتهد بعض المؤسسات والشخصيات السياسية والإعلامية والدبلوماسية لاستغلال الخلط القائم بين مفهومي الحرب الأهلية، والحرب على الإرهاب اجتهاداً غير موضوعي لقيامه على الانحياز والتوظيف والارتزاق، بما يعصف بالمنجز الذي طالما اعتز به السوريون ولاسيما في نصف القرن الأخير من استقرار ودور فاعل متألق للشعب وللدولة وللمواطنين.

ولطالما افتنّ الغرب الأطلسي وأتباعه بتصوير التصدعات الاجتماعية والسياسية في المنطقة على أهوائهم انطلاقاً من هذا الخلط، فالحروب التي أوقدوها في عدد من الدول ومنها أفغانستان والعراق... هي حرب على الإرهاب وليست أهلية. بينما تلك التي استهدفت إسقاط أنظمة هي ثورة ومنطلقها الأساسي سلمي وديمقراطي؟! لذلك تفاجئ تطورات الأحداث هؤلاء يومياً بأنهم أمام قراءة خاطئة تزيد في إرباكهم وإرباك أدواتهم، وفي الواقع ليس من صعوبة في التفريق بين المفهومين، لكن الخلط والتجاهل يوظفان لأسباب سياسية مسبقة، وهذا ماأوضحته التصريحات الأخيرة لزعماء القاعدة.

- والحرب الأهلية تنشأ لأسباب طبقية: سياسية أو اقتصادية أو دينية أو عرقية أو مزيج منها، وتحدث خلالها انقسامات كبرى في المجتمع، ويضيع معها دور الدولة الوطنية ومؤسسات الحكم التي لن تعود قادرة على إصدار قرار أو تنفيذه ولاسيما في مجال الخدمات العامة والرواتب والأجور..، كما يتلاشى معها دور الجيش الوطني وبنيته ووظيفته. وهي تشمل مناطق آهلة بالسكان يتمزّق فيها النسيج الاجتماعي وتكبر الفُرقة بين الأهل والجوار بما يمهّد الفرصة لتكون القرارات طبقاً لتدخل دول الجوار والدول الكبرى، وصولاً الى قوات حفظ السلام الأممية... وهذا طبعاً ليس ولن يكون قائماً في سورية. - أما الحرب على الإرهاب فهي مصطلح ابتدعه ووظّفه المحافظون الجدد بعد ابتداع عدو جديد إثر انهيار الشيوعية هو الإسلام.

وهي حملة سياسية واقتصادية وعسكرية قادتها الولايات المتحدة بعد 11 أيلول 2001 وطورّتها من القاعدة، إلى محور الشر، إلى من ليس معنا فهو ضدنا، ومعها ازدادت الاضطرابات الأمنية في العالم أجمع، وتم تجاهل الأوضاع الداخلية في كافة البلدان، كما تم التلاعب فيها على أهواء القطبية الأحادية والهيمنة على الأمم المتحدة، ومثال ذلك قرار مجلس الأمن رقم 1373 لعام 2001 الخاص بمكافحة الإرهاب والذي يجب أن ينطبق اليوم على الأوضاع التي تُفتعل في سورية.

- مايجري في سورية اليوم هو تحوّل من تحديات خارجية زمن الحرب على الإرهاب بعد "إسقاط" بغداد ورفض الرئيس الأسد شروط كولن باول للتفاوض بشأن قرار الكونغرس عام 2002 بمحاسبة سورية، فاستُهدفت البلاد من الخارج بسياسات الحصار والعزل والتهديد الدولية والإقليمية التي تم إفشالها بين 2008 - 2011 وبعدها تم الانتقال الى الاستهداف من الداخل باستخدام استراتيجية مختلفة أدواتها إرهابيون ومرتزقة ومجاهدون عابرون جوّالون، هدفها الأول والأخير «تغيير النظام». ولا صلة لهذا أبداً بالمعارضة الوطنية التي أقرّت وعملت القيادة السورية على تحقيق مطالبها المشروعة في إجراءات متتابعة لايمكن نكرانها. وكان هذا الخلط بين المفهومين نظير الخلط بين "السلمية" و"الثورة" التي بيّنت الاعترافات أن سرعة الدعم بالمال والسلاح وتجهيز المخيمات... كان مواكباً إن لم يكن سابقاً لأول مشهد احتجاجي شهدته البلاد، وبين أمل وعمل المعارضة التي تدافعت الى الخارج وطالبت بالتدخل الأجنبي، ليتم بعدها التعايش بين أطياف الإرهاب: المعارضة المسلحة - المرتزقة - حمد - أردوغان - برنار ليفي.... كما قامت بعض المؤسسات الدولية والإقليمية واللجان المنبثقة عنها ولاسيما الجامعة العربية بتقديم تصورات منحازة وخاطئة تسوّغ فيها الجرم الإرهابي -قرار مجلس الجامعة في 6/3/2013 المنتهك لميثاقها وللقانون الدولي- وبالمقابل قام بعضها بتعريف الحرب الأهلية وتوظيفه على نحو مانجد في تصريحات نافي بيلاي المفوضة الأممية لحقوق الإنسان 1/12/2011، وهذا كله لم يستفد منه كوفي عنان ولا الإبراهيمي، بل وقعا فيه بقسوة وقلق وانحياز.

إن خطط الإطاحة بالحكم عن طريق دعم الإرهاب واضحة، وهي ليست منقطعة عما يجري في المنطقة، ولا عن الاستهداف السابق لدور الدولة الوطنية والعروبية في سورية، وهذا الربط المخاتل بين مسميات وهمية: سلمية - ثورة - إسقاط النظام - حرب أهلية، لا يلغي الواضح للعيان من الصورة المرعبة للفعل الإجرامي الإرهابي التدميري الذي يوزّع الأدوار بين المأجور والمرتزق والمغرّر به.

- إن عدم تنحي الدولة الوطنية وقيادتها عن دورها التاريخي، أو التخلي عن مهام مكافحة الإرهاب، حق وواجب للشعب السوري على قيادته. وعلى الوطنيين من أصحاب الخطاب السياسي والاجتماعي والروحي التحذير من مخاطر الندوات واللقاءات الإقليمية في اسطنبول والدوحة التي تعمل على زرع قناعة بوجود حرب أهلية في سورية. إنها نظرية يتم الاشتغال عليها منذ بداية الأزمة ولاسيما مع تشجيع الهجرة والإنشقاق، وهي واضحة من تشريح بنية المجموعات الإرهابية المسلحة، ومن ألاعيب أردوغان العرقية لتشجيع الحرب الأهلية وضرب بنية الدولة الوطنية ووحدة الشعب السوري.

ولذلك ينظر الشعب السوري اليوم بارتياح وتفاؤل الى النجاح المتحقق في ضرب الإرهابيين بما سيعزز في البلاد وحدتها الوطنية وعيشها المشترك وقوة مؤسساتها، وسيُفشل مؤامرة الاستقواء بالخارج لدعم الإرهاب، وطرح نظرية الحرب الأهلية التي يتخيلونها أطلسياً ورجعياً وقاعدةً.

د. عبد اللطيف عمران 

المدير العام - رئيس هيئة التحرير في صحيفة البعث

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=48&id=27000