دام برس: لم تعد التبدلات والتغيّرات في الخارطة الجيوسياسية المعاصرة تنجم عن الحروبالتقليدية الإقليمية والعالمية كما شهد القرن الماضي، ولا سيما ما أفرزته الحرب العالميةالأولى والثانية. فمع الإعلان عن ولادة النظام العالمي الجديد الذي اقترن بخارطةجيوسياسية جديدة لأوروبا الشرقية بدأت التغيّرات تنتج عن العنف الداخلي والتحشيدالشعبي المقترن بتدخلات استخباراتية خارجية. وقد برز أثر العامل الأطلسي جليّاً في رسم مشهد التغيير بآفاقه وحدوده وأدواته التياعتمدت على حكومات محلية في دول الجوار، وعلى عناصر وكوادر وحكومات مرتبطةبسياسات الهيمنة والقطبية الأحادية والإمبريالية الجديدة. وكان هذا الأمر واضحاً فيالعالم الإسلامي والوطن العربي بسبب ضعف منَعة المجتمعات السياسية والأحزابالوطنية فيهما، وانشداد بعض النخب الى عواصم الغرب ودوائر الاستخباراتالأطلسية، وبسبب تراجع دور القوى التقدمية واليسارية، وتقدّم القوى الرجعية والسلفيةوالأصولية المدعومة وظيفياً من الغرب. ويبرز اليوم مع الأحداث التي تشهدها الدول العربية ما ينبغي له أن يحرج المعارضةلما فيه من تزوير حقيقي للواقع، وقفز فوق المصالح الحقيقية للشعب، وقضايا الوطنوالأمة. وما يزيد الأمور تعقيداً غياب خطاب منهجي عقلاني مقنع للجماهير تجاه الأزمة قادرعلى تحليل العناصر الحقيقية الكبرى للصراع الدموي الذي لا يهدف الى الإصلاح، ولاإلى الانتقال إلى الديمقراطية والحرية والمساواة، بل يهدف إلى مجرد التغييروالاستئثار بالحكم، تغيير دون برامج ولا أهداف ولا آفاق نظرية واضحة، لأنه مبنيعلى الناشط المدعوم من البترودولار، وعلى إقصاء دور السياسي والمثقف والعقلانيالوطني والعروبي. وتغليف هذا كله بغلاف رقيق هش يقوم على ادعاء الثورة والمتاجرةبالمطالب الشعبية المشروعة. غلاف يلفّقه آل سعود وآل ثاني بالملاءة المالية التخريبية. وفي هذا السياق تثير التصريحات التي صدرت مؤخراً عن عدد من المسؤولين فيالغرب تساؤلات مريرة ومتوقعة وليست غريبة عن السياسة الأطلسية تجاه العربوالمسلمين، ويبدو من خلالها كأن هؤلاء استفاقوا فجأة على خطر الإرهاب في المنطقة.فوزير العدل الأمريكي يعلن-ومن الرياض- أن تنظيم القاعدة الإرهابي يشكل جزءاًكبيراً من ميليشيات الجيش الحر، ووزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يبدون قلقهم منالجهاديين الأوروبيين الذين يقاتلون في سورية لما سيمثلونه من تهديد عندما يعودونإلى بلادهم-إذ لا مشكلة في ممارستهم الإرهاب في سورية- وفي هذا السياق يعلنرئيس الأركان الإسرائيلي قلقه أيضاً من المنظمات الإرهابية التي تعزز وجودها علىالأرض. وبالمقابل تظن العصابات المسلحة وبعض المعارضة أن الصرخة المُتاجر بها "تكبير.."تلقى صدى طيباً عند الغربيين وعملائهم في المنطقة، هؤلاء الذين يعملون على"تصغير" مكونات العروبة والإسلام والدولة الوطنية العربية في سورية، تلك الدولة التيطالما تألّق فيها المجتمع روحياً وسياسياً وفكرياً مع الأمويين والحمدانيين والأيوبيين..حتى اليوم الذي أدت فيه سورية المعاصرة دوراً مشهوداً في دعم الوفاق الداخليوالحوار الوطني في الدول الشقيقة تعزيزاً للدولة الوطنية وللمشروع القومي في وجهالمشروع الصهيوني الغربي الرجعي ودعمت التكامل بين العروبة والإسلام للنهوضبمشروع حضاري مقاوم. وكانت من جهة ثانية أهم دولة في تشييد المساجد ومعاهدالقرآن الكريم. في هذا الواقع لا يمكن لأي معارضة وطنية أن تتجاهل هذه الحقائق، فتبنياستراتيجية تراهن في برامجها على انتظار نجاح الإرهابي في تخريب المجتمعوالمؤسسات وقتل الأبرياء، وتقويض الدولة الوطنية والعيش المشترك. استراتيجية ترتبطبجرائم يعاقب عليها القانون السوري. عندئذ تغيب الفواصل والفوارق بين المعارض والإرهابي إلا تلك التي يرسمها الارتزاقوالمأجورية للغرب والرجعية |
||||||||
|