دام برس
وصلنا كتاب مفتوح من المهندس الميكانيكي محمد سعيد الدقر إلى السيد وزير التربية , بخصوص موضوع بحث الربيعات ، الوحدة الأولى ، تحليل البيانات الإحصائية / الصف التاسع . جاء فيه :
- قد يكون طرح هذا الموضوع عن طريق كتاب مفتوح غير لائق ، و لكن عندما يكون الاتصال مع وزارتكم عبر الكتب التي تسجل في الديوان ، لا تستمر و لا تعطي أية نتيجة ، لأنه على ما يبدو لا يوجد آذان صاغية للرد عليها سلباً أو إيجاباً ، عندما تردكم من مواطن مثلي ، الأمر الذي دفعني لإتباع هذا الأسلوب فأرجو المعذرة .
و على أقل تقدير يطلع عليها المواطن ، و يسجل التاريخ أنه كان هناك أشخاص يتكلمون .
- طلبت مني حفيدتي ، أن أشرح لها الربيعات و علاقتها مع البيانات الإحصائية ، مما دفعني أن أطلع على البحث في كتابها . و كم كانت المفاجئة : تدريس هذا الموضوع لطالب لم يتجاوز من العمر خمسة عشر عاماً ! لماذا ؟
- الربيعات (Quartiles) ، طريقة بيانية مبسطة ( تستخدم من قبل أفراد غير اختصاصيين لتحضير البيانات ) ، اُقترِحت من قبل (Tukey) عام 1977 ، لمراقبة أداء الآلات الإنتاجية ، فيما لا زالت تنتج حسب المواصفات المطلوبة ، و ذلك للاستغناء عن الطرق الإحصائية القديمة المعقدة ، التي كان يمجّها العاملين بها . في المحصلة الربيعات مخطط يبين توزيع تجمع البيانات : فيما إذا كان أحد الساقين (Whisker) أطول من الآخر ، أو أن العلبة (Box) و المدى الربيعي (Inter-Quartile range) منحرف عن الوسيط . كل ذلك مؤشرات تقرر ملاءة العملية الإنتاجية ، حسب تعليمات مقررة من قيادة مراقبة الجودة .
- نعم تدرس الربيعات في بعض الدول ، كمادة في علم الإحصاء ، في مرحلة متقدمة من المرحلة الثانوية ، مثل الولايات المتحدة و سويسرا ... لأنه في هذه الدول ، هنالك احتمال عدم متابعة الطالب دراسته الجامعية ، و الالتحاق في المعامل ، و قد يلحق في أقسام الجودة ليجد مجالاً في تحضير البيانات الإحصائية على شكل ربيعات ، لتقدم إلى الجهات المختصة .
- أما تجربتنا في تعليمها لطالب لم يتجاوز الخامسة عشر ، فهي في المحصلة تعليم بغبغائي ، لن تعلمه الإحصاء ، و تعجز عن تعليمه وظيفة هذا المخطط كأداة إحصائية . فهي لا تتعدى كونها انجاز رسم في مقاييس محددة ، مصيرها النسيان لعدم تطبيقها في الحياة العملية لأجيال . فهي لا تتعدى كونها ديكور للمنهاج ، لإيهام الغير بأننا دولة صناعية !
- و لأكون أكثر وضوحاً : جاء في نفس البحث عدة مخططات بيانية للمفردات الإحصائية ، و جميعها يمكن فهمها من قبل الطالب كأداة إحصائية ، و لكن هذا لا ينطبق على الربيعات .
- و هناك ملاحظة على الجملة الواردة في الصفحة 15 و التي تنص :
" الربيعات تقسم البيانات المركبة تصاعدياً إلى أربعة أقسام متساوية تقريباً "
فإن كان التقسيم يخص المفردات ، فهذا واضح من قواعد تشكيل الربيعات ، و لا يوجد جديد بذكر هذه الجملة . أما إذا كانت هذه الجملة تعني توضع مفردات العينة على مستقيم الأعداد ، فهي غير صحيحة . في معظم الأحيان الساقين غير متساوين ، و الوسيط لا يقع في منتصف العلبــة ، لأن ذلك يتعلق في بنية العينـة . و توزيعها على مستقيم الأعداد يقرر صلاحية العمليـة الإنتاجية . مما يدعو للشك فيما إذا كان صائغ هذه الجملة مستوعباً للموضوع ؟
السيد الوزير :
- لا أعرف إذا كان يحق لي الحديث عن المناهج ؟ و لكن مواطنتي تجبرني أن أرفع صوتي و لو أدى ذلك إلى إزعاج البعض : إننا بحاجة إلى مناهج رياضيات ، ترسخ إستراتيجية لا يمكن التضحية بها : و هي تهيئة أجيال مزودة بالفكر الرياضي . كما كان يهدف أساتذتنا الكبار أمثال جودت الهاشمي و رشدي بركات ... لقد كانت مؤلفاتهم خاليـة من الديكورات ، و التفاصيل غير الضرورية ، و الأخطاء المؤسفة ... هدفها الأول هو تعليم الطالب كيف يحلل . الأمر الذي يهم الدول في مراحل تطورها الأولى .
و لا يجوز بحال من الأحوال ، في هذه المرحلة ، أن تتحول الرياضيات إلى مادة حفظيه ، حتى وصل الأمر ، تحفيظ الطالب طريقة حل المسائل الواردة في المقرر كما شرحها له أستاذه ، وليس له أي دور في حلها !
- و هذا سبب الحصول على العلامة التامة في الرياضيات من قبل أعداد كبيرة من الطلبة في الفحوص العامة خلال العقدين المنصرمين . لا تصدقوا أن السبب يعود إلى تطور المناهج كما يدعيه بعضهم ، بل بسبب تحويل الرياضيات إلى مادة حفظية ساعدت على انتشار الدروس الخصوصية . هل كانت الأجيال في الماضي غبية ، حيث نادراً ما سمعنا أن طالباً حصل على العلامة التامة في الرياضيات ؟ كلا لم تكن غبية ، بل كان التدريس له إستراتيجية : تنشئة أجيال تفكر .
أجيال تحصل على العلامة بجهدها الخاص و ليس عبر الدروس الخصوصية ، الآفة الأولى الذي نحن فيها ! و ليس أجيال فقدت قدرتها على التفكير ، سهلة البرمجة ، تتحرك بالريموت كونترول .
- إن الظروف السياسية التي نمر بها اليوم ، يجب أن تعيدنا إلى رشدنا ، و خصوصاً ما يتعلق بالتعليم – كفانا أنصاف متعلمين !
و حان الوقت لمعرفة أن لبس الكرافات لا تحولنا إلى جنتلمن !
و تفضلوا بقبول فائق الاحترام
المهندس : محمد سعيد الدقر