الرئيسية  /  كتاب وآراء

لا خطأ في اللعبة.. .. بقلم : ياسر قشلق


دام برس : لا خطأ في اللعبة.. .. بقلم : ياسر قشلق

دام برس

في قلب الظلام يتعذر الوقوف على ماهية الأشياء كما هي حقاً في أرض الواقع. فأنت ترى عبر أكثر الألوان حزناً وخداعاً للبصر في الطبيعة؛ الأسود والرمادي. وكلما كان الظلام أحلك كلما اختفت حتى الفروق الرمادية الباهتة، واتّشحت الحقيقة في السواد أكثر لتتلاشى أخيراً من أمامنا كزبد البحر، حتى وإن كانت أقرب إلينا من أنوفنا المرفوعة في الهواء كالسنابل الفارغة.
ضربٌ من ضروب العبث أن تدفع أحداً اليوم لمجرد التفكير بوجهة النظر هذه. ليس لكونها خاطئة، وقد تكون، إنما لأن أحداً لا يصدق أصلاً أنه يعيش في قلب السواد، فكيف لك أن تقنعه أن السواد أكثر الألوان حزناً وخداعاً للبصر؟! كيف لك أن تقنع أحداً أن عريشة الموت التي ضربت جذورها في قلوبنا وتعربشت على أصابع أطفالنا لن تثمر يوماً عنباً ولن تعصر منها نبيذ؟! من ذا الذي يصيح فينا أنّ الموت لا يثمر إلا موتاً، وأن الموت لا يعصر نبيذاً إنما دماً قانياً يشابه لون النبيذ؟! من ذا الذي يشهد أمام حتفنا المرتقب بأن الربيع كان أكثر الغائبين بعداً عن كل ما جرى وبأنّه كان أحمقاً لم يمتلك حجة غياب؟! من ذا الذي يقول ببساطة أن لا ظل لنا تحت عريشة الموت. إنه سواد؛ وإن السواد أكثر الألوان حزناً وخداعاً للبصر؟!

(2)
الحقيقة دون شكٍّ مؤلمة. لكني كفلسطيني - أيقظته لطمات الربيع المتوالية من حلم العودة الساذج على واقع أن فلسطين كانت مجرد حكاية تروى لنا قبل النوم - أصبحتُ متعايشاً مع هذا الألم حدّ الاستهزاء به، بل إنّي أضحك من ألمي. وأنتظر أن يصحو بقية العرب على واقعهم. وأن يتألموا كما تألمت. فأن يسرِق الإخوان ثورة المصريين ثم يُسقطوا شعار "الإسلام هو الحل" ويرفعوا شعار "النظافة من الإيمان"؛ مؤلم. وأن يحتفل الليبيون على جثث الليبيين بموت القذافي ثم يبحثون عن قذافي مسلم؛ مؤلم. وأن تضع ثورة تونس نصب عينيها افتتاح مركزٍ للبحوث الإسلامية كخلاصةٍ لباكورة ثوراتنا؛ مؤلم. وأن يتشدّق أحد ثوار "الجزيرة" بأنه سيعيد نشر صحيفة الدومري والسوريون لا زالوا يبحثون عن أبنائهم بين الأموات؛ مؤلم. كل ذلك مؤلم، لكنه رغم ذلك يثير مزيجاً غريباً من الاستهزاء والضحك.

(3)
لم تعد حقيقة أن الغرب مهّد ويمهّد درب السلطة للإسلاميين حتى يقضي على الإسلام كلّه تثير استغراب أحد إلا أولئك المصرّين على دفن رؤوسهم في السواد، لكن المثير بصدق هو تصفيقنا بحرارة مبالغ فيها لكل جولةٍ يفوز الغرب بها على إسلامنا ويقترب من هدفه أكثر بثبات وبرأسٍ مرفوع دون عوائق تذكر! حتى أن طلائع أبا جهل وأبا لهب باتت تلوح بالأفق، وعادت إلينا قبائلنا بلا فخرٍ مخمورةً بنبيذ التمر الجاهلي، وأكفّنا تشتعل من حرارة التصفيق لهذا العود المخجل! كل ذلك لا يحسب لذكاء الغرب، فالغرب - ومنذ انتهاء الحرب الباردة واتخاذه الإسلام عدوّاً بدل الشيوعية – قد جرّب كل الطرق للقضاء على عدوّه الإسلام، وحين أعياه فعل ذلك، قرّر الاستعانة بالإسلام نفسه! لقد طبق مبدأ "أعط عدوّك ما يكفي من الحبل ليشنق نفسه"، وقد قلت هذا منذ نحو عامٍ من الآن، واليوم أعيده وقد أصبح الحبل ملتفاً على رقابنا جميعاً. إعادة الغرب إنتاج الإسلام وتقديمه لنا على أنه الإسلام الحق الذي جاء به النبي محمّد صلى الله عليه وسلم هو سرُّ اللعبة التي تلقفناها عنه ولا نمل اللعب بها. وما يجري أمام أعيننا من قبيل هدم مرسي لأنفاق غزة شريان حياة الغزيين ومغازلة حماس له رغم ذلك، ليس لغزاً لا يحل وليس خطأً في اللعبة يمكن
إصلاحه في المستقبل، إنما هو فحوى اللعبة برمتها. إنه النتيجة المتوقعة لإسلامٍ مزوّر نحسبه الإسلام الحق. إن الإسلام الحق هجرنا يوم سوّلت لنا أنفسنا قتل الصحابة وهم ساجدين، وسمحنا
لأميركا اليوم أن تأخذ ثأرهم منا بأن تقضي على ما ماتوا في سبيله برمته. هذا هو جلّ الواقع الذي يحول السواد أكثر الألوان حزناً وخداعاً للبصر دون أن نراه

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=48&id=23261