الرئيسية  /  كتاب وآراء

طه حسين صناعة غربية .. بقلم: فوزي بن يونس بن حديد


دام برس

لا أشكّ لحظة واحدة في نبوغ الأديب طه حسين، ولا أشكّ أنه قد أحدث طفرة أدبية في عصره، إذ الأدب يسري في عروقه والبلاغة تسبح في جوانحه، والرواية تنبض من قلبه، فهو قد أوتي الحكمة في الكلام والصبر على الآلام والنباهة في حسن التدبير والالتزام، حفظ القرآن الكريم منذ الصغر فألهمه الأدب في الكبر، فلغة القرآن عربية فصيحة تقوّم اللسان وتهذّب الإنسان لأنها لغة الرحمن.

نشأ طه حسين في عصر التكتلات والتغيرات الفكرية والأدبية، تموج موج السحاب، بين فكر شرقي سلفي متشدد يقوده الإخوان وآخر غربي متميّع، بين فكر حجّر العقل والتزم بظاهر النص القرآني دون تأويل، وفكر تدخّل في النص إلى حد الغلوّ، فكان طه حسين عليه أن يختار بعد أن اشتد عوده وبسق فكره ونضج عقله رغم أنه أعمى البصر لا يرى الدنيا بعينه إنما يراها بعقله.

والغرب في ذلك الوقت كان يهاب الحركات الإسلامية ويخاف من اعتلائها عرش الحكم في بلاد العرب بعد أن استطاع تدمير الخلافة الإسلامية في الدولة العثمانية، فخطط ودبّر ونظر ثم نظر وبسر فوجد أن الأمر يدعو للتدخل السريع والعاجل والتفكير في خطة ذكية دون إرسال جيوش حربية أو دفع أموال فرضية، خطّة كانت تتمثل في احتواء المثقفين الكبار النابغين في الثقافة والأدب والسياسة والاقتصاد وفي كل العلوم وإغرائهم بالمال والشهرة والنفوذ.

كانت فعلا خطة ناجحة استطاع الغرب أن يوظف رموز الأدب والسياسة والاقتصاد لحساباتهم الخاصة ومقايضة هؤلاء بفتح أبواب السعادة والدنيا أمامهم مقابل محاربة الفكر السلفي والإخواني خاصة في مصر التي كانت تشهد في ذلك الوقت حراكا إسلاميا كبيرا، كاد يودي بالنظام الجمهوري وينتصر عليه، ورغم عماه وفقد بصره فإن بصيرته كانت تترنح بين أن يمسك بتقاليد بلاده وينخرط في زمرة الإخوان المسلمين أو أن يعاديهم باسم الغرب ويجادلهم باسم الحرية ويقايض الحداثة بالإسلام.

هذا الصراع الداخلي الذي عاشه الأديب الكبير، جعله يقرر في النهاية أن ينسلخ من جلده ويتجه للغرب ويرتمي في أحضانه ويشرب من لبن ديكارت وغيره من فلاسفة زمانه ويتعمق في الفلسفة الغربية حتى تجنّى على دينه وأخلاقه وعاداته، بل وصل به الأمر إلى الاعتداء على القرآن الكريم ويسيء إليه واعتبره نصا أدبيا يحمل عبارات ركيكة، فهل يعقل هذا الكلام؟ لقد فضّل الفلسفة الغربية وتأثر بالمنهج الديكارتي المتمثل في: الشك طريق لليقين ولكنه انطلق من هذا الفكر الأسود ليؤسس فكرا أتعس منه وهو أن الشكّ طريق للشكّ فأصبح يشك في أن القرآن كتاب هداية، وأنه نص أدبي يخضع للنقد، فقد سفه وسفهت أحلامه فلا أحد من البشر يأتي بمثله ولو كان أفصح الناس كلاما، فالعرب بفصاحتهم المعهودة اعترفوا أن هذا الكلام بياني بلاغي لا يمكن لأحد من البشر أن يأتي بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.

ولقد ظنّ والد طه حسين أن ابنه الحافظ للقرآن سيكون سندا قويا له يحافظ على دينه من خلال حفظه إلا أن الابن الأعمى البصر والبصيرة خان الأمانة ونزع بردة الإسلام واستبدلها بخزي الغرب بل أراد أن يلبس الإسلام رداء ديكارت وروسو وغيرهما من فلاسفة العصر وهذا يصدق فيه قول المولى عز وجل:" يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم" فكان طه حسين فعلا عدوا لأبيه الذي ربّاه وأنشأه على كتاب الله ولما اشتد عوده رماه، ورمى قرآنه بل تجنى عليه وطعن في الخلافة الراشدة ورأى أن مسألة الخلافة في الإسلام مسألة معقدة لا تصلح لكل زمان ومكان وأن على العالم أن يتغير وأن يلبس لبوس الغرب مثل ما لبسه هو عندما كان هناك، فمال للثقافة الغربية وحاول أن يخرج الناس من النور إلى الظلمات فتصدى له الناس بكل قوة، ولولا عماه لرموه بالحجارة لأنه فقد عقله وصوابه وارتأى الحرية الغربية وقطع الحبل الذي يربطه بدينه ووطنه.

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=48&id=22996