الرئيسية  /  كتاب وآراء

أمــام المعارضــة... وغــيرهـا ... بقلم : الدكتور عبد اللطيف عمران


دام برس : أمــام المعارضــة... وغــيرهـا ... بقلم : الدكتور عبد اللطيف عمران

دام برس

كتب الدكتور عبد اللطيف عمران رئيس هيئة التحرير في صحيفة البعث السورية مقالة تحت عنوان : أمــام المعارضــة... وغــيرهـا , جاء فيها: لم يعرف التاريخ السياسي ولا المجتمعات والدول هكذا معارضة، بل معارضات، كتلك التي تتلون وتتعدد وتضطرب في سورية، فقد أنجزت المعارضة السياسية في التاريخ المعاصر تحولات حقيقية في أوروبا الشرقية وإفريقيا وأمريكا الجنوبية... دون هذا الحجم من الانقسام، والدماء والدمار، لكنها الآن في وطننا وأمتنا عاجزة ومتعثرة، وإن وصلت الى الحكم في بعض الأقطار فإنها حققت هدفاً سلطوياً وبقيت بعيدة عن المشروعية الشعبية، وذلك لأسباب واضحة أهمها ضعف المكوّن الوطني مقابل أثر التدخل الخارجي، ولاسيما الأطلسي الرجعي الذي لم يكن في يوم من الأيام نصير المشروع الوطني والعروبي بقدر انحيازه الى المشروع المضاد «الصهيوني».
فنحن اليوم أمام معارضات ليست من أصحاب «المطالب المشروعة والمحقة» لاتجاه بعض أطيافها نحو تسويغ الأعمال الإرهابية، واجتهادها في تأويل مبررات هذه الأعمال، نتيجة عجزها الواضح عن الاعتراف بتضاؤل أثر المكوّن الوطني فيها أمام سطوع العامل الخارجي، ولعدم قدرتها على إنتاج أفكار سياسية تاريخية على نحو ماعرفته المعارضة الوطنية العربية بأبرز أعلامها من أمثال الكواكبي وساطع الحصري وميشيل عفلق وخالد بكداش...
والواقع إننا أمام معارضة تائهة مخيّبة للآمال التي يتوقّعها أي فريق سياسي من نظيره أو ندّه أو خصمه، وآية ذلك مايمكن أن يكون من أفضل النماذج، لانعقاده بجرأة ووضوح، في دمشق في 23 الجاري، فقد غاب عن المجتمعين جملة من الحقائق التي لايصح تجاوزها، وفيما يلي قليل منها:
1- لكي تكون المعارضة وطنية حقيقية يجب أن تحمل في طياتها طروحات وكوادر طليعية وتنويرية قادرة على تجاوز إيجابيات  السلطة الوطنية وأخطائها، فلا تتصل ببيانها الختامي ولا ببرامجها وأفكارها بتوجهات السلفية والجهادية والوهابية والتكفيرية والأطلسية، ولا تقترب من قريب أو بعيد بالسائد والواضح من هكذا توجهات، بل عليها أولاً أن تعلن مناهضتها ومناضلتها، لكن المعارضة التي نتحدث عنها اقتربت من هذه التوجهات، وكانت خفرة حيية أمام ضرورة وواجب التنديد بجرائم العصابات الإرهابية المدعومة بالمال والسلاح الخارجي، لذلك تتضح الأسباب التي أدت وستؤدي الى هزيمتها عسكرياً وسياسياً، وماسينتج عن ذلك من هزيمة تنظيمية وفكرية وشعبية قريبة وناجزة.
2- من المؤسف أن يغيب عن أي معارضة أثر المناخ العام السائد في المنطقة، ومايفرضه هذا المناخ من «تداعيات» في منطقتنا تحديداً التي ترزح اليوم تحت مشاريع هدّامة بدأت من طروحات «جديدة»: الشرق الأوسط الجديد - المحافظون الجدد - العثمانية الجديدة - الوهابية الجديدة سياسياً ومالياً... وقد انعكست هذه الطروحات جميعها على العمل  السياسي في سورية منذ عقد من الزمن بضغوطات لتغيير سلوك «النظام» لأسباب غير وطنية وغير عروبية، ومع الصمود والمقاومة تطورت الأسباب الى أهداف لتغيير «النظام برموزه وفئاته كافة»، على أن تكون أدوات التغيير غير سورية، ماجعل مستوى الأداء السياسي للمعارضة منخفضاً الى درجة الفضيحة، بل  تأييد الإجرام أو المشاركة فيه. وهذه حقائق يقرّها الواقع السياسي الدولي بإعلامه ومفكريه، وبنبض الشارع الشعبي في الشرق والغرب، بعيداً عن تهافت وسائل التضليل والتحريض الإعلامي المشبوهة والمفضوحة إقليمياً ودولياً.
3- ليس هناك من مبرر لغياب التشخيص الحقيقي والموضوعي لضرورة إعلان الطلاق البائن بين المعارضة السياسية والمجموعات الإرهابية والتكفيرية التي أنجزت القتل وتدمير الممتلكات العامة والخاصة، فكان عدم إعلان هذا الطلاق نظير الخلط بين المقاومة والإرهاب، كما كان غياب هذا التشخيص قرين نكران ماتحقق من مشروع الإصلاح الوطني، وقرين الاعتراف بأن الإصلاح والديمقراطية تجارة حقائب في مطارات وفنادق الرجعية والأطلسية، وأن هذه التجارة لا ضريبة لها إلا الدم والخراب.
4- تصاعدت برامج المعارضة منتهزة زمناً غير مناسب، وسيئاً تاريخياً وسياسياً تُستهدف فيه مصالح الشعب وحقوق الأمة، زمن تخدم وقائعه صلب المشروع الصهيوني، زمن صدام الحضارات، والفوضى الخلاّقة، وتكتيك العودة بقوى المقاومة الى العصر الحجري، زمن برنار ليفي وحمد وأوغلو وجين شارب والبروتوكول 15 من بروتوكولات حكماء صهيون. زمن يقول فيه بالأمس أوباما مايقوله اللوبي الصهيوني لا مايقوله الشعب الأمريكي ولا الشعوب الحيّة، ويهذي فيه رئيس فرنسا، ويتطاول داود أوغلو الذي يرى «أن مجتمعات الأكراد والأتراك والبلقان والقوقاز وآسيا الوسطى والشرق الأوسط في حاجة الى تجديد نفسها، وستكون تركيا مركز هذا التجديد». زمن يكذب مسيلمة العصر في جريدة الرأي الكويتية مدافعاً عن اتهام قطر بدور إقليمي تخريبي فينافق مسرفاً «قطر تتمنى الاستقرار والازدهار للجميع، ولا تتدخل في شؤون الغير، ومن يملك دليلاً فليقدمه».
5- وقعت المعارضة في نكران الدور الوطني والعروبي الذي نهضت به سورية شعباً ودولة وقيادة سياسية، مقابل نكرانها أثر استهداف سورية على قدرتها في تحقيق الإصلاح والاستقرار والتقدم المنشود، فمَن من هؤلاء لايعرف مثلاً كيف استقبلت بأريحية مئات الألوف من الفلسطينيين والعراقيين واللبنانيين دون مخيمات سياسية يتوافد إليها وزراء الأطلسي ومبعوثو المجتمع الدولي المنحاز؟ ومن منهم لايعرف أن مخيمات السوريين في الأردن وتركيا هي مخيمات ابتزاز مسبق للشعب السوري وللدولة.
والحقيقة أن بعض المعارضة لا يتردد ولا يتهيب في المناورة والمراهنة على المصالح الوطنية العليا في حرب غير معهودة نواجهها، وكونية بكل معنى الكلمة، ضد الضمير والحقيقة والحقوق، حرب ظالمة ومخادعة تحمل في طياتها حقداً وكذباً وجريمة حملاً ثقيلاً وقذراً سينفجر فشلاً وخزياً في وجه حامليه، وستنتصر سورية بتلاحم شعبها وجيشها وقواها الوطنية وقيادتها السياسية لأنها تدرك هذه الحقائق، ويتنامى فيها مستوى الوعي والإدراك والالتزام.

د. عبد اللطيف عمران

المدير العام - رئيس هيئة التحرير في صحيفة البعث

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=48&id=22890