الرئيسية  /  لقاء دام برس

الفنان التشكيلي علي الشيخ لدام برس: من تفل القهوة التي شربتها وشربها الناس صنعت عشرين لوحة coffee moot تقول كافي موت


دام برس : الفنان التشكيلي علي الشيخ لدام برس: من تفل القهوة التي شربتها وشربها الناس صنعت عشرين لوحة  coffee moot تقول كافي موت

خاص دام برس - بلال سليطين

فنان تشكيلي سوري متمرد اختصر الأزمة السورية في عشرين لوحة أبدعها بالنسكافيه وقدمها للجمهور في معرض للذكرى حمل عنوان "كافي موت" دخله الجمهور بهالة من الرهبة وخرجه معزياً للشيخ. الفنان "علي الشيخ" ضيف "دام برس" في حوار خاص عن الفن التشكيلي والأزمة السوري وكيف ربطها بمعرضه كافي موت:

* كيف يتحدث الفن التشكيلي عن الأزمة السوريةِ برأي الفنان "علي الشيخ"؟

** لم يتحدث الفن التشكيلي عن الأزمة السورية كثيراً وقليلون جداً هم الفنانون الذين آمنوا بأنها أزمة.

بالنسبة لي إنني أراها أزمة معقدة، فالحرية التي يمتلكها الإنسان تولد معه ولا يمكن لنظام ولا لدولة ولا حتى لأشخاص أن يسلبوه إياها مالم يتنازل هو عنها.

نحن ننظر للواقع بعين الفنان الذي يعتبر بالنسبة للناس شخصا مميزا أو غير عادي، فانا لا يمكنني السير مع التيار أو كالقطيع، لذلك يجب أن أنظر إلى المشهد باتساع العين ويجب أن تتسع الرؤية كلما اتسع المشهد، لذلك فإنني نظرت للأزمة بعين الفنان وليس بعين الإنسان العادي ولا بعين السياسي وأدركت أنه علي أن أتحدث فنياً عن الأزمة بعيداً عن أي خلفية سياسية موالية أو معارضة.

على الأرض هناك واقع يتغير ويتبدل ويؤثر على الناس عموماً وعلى نفسيتهم ومشاعرهم، أهم هذه المتغيرات أن الأزمة جعلتنا نفقد أشخاصاً مقربين منا نتعامل معهم بشكل يومي من الأخوة إلى الأصدقاء والأبناء والأقرباء بعضهم قضى في معارك وبعضهم في تفجيرات، وبعيداً عن خلفيات هؤلاء الأشخاص الذين خسرتهم في النهاية المهم أنك خسرت إنسانا.

هذا المشهد العام ترك أثره في نفسيتي كفنان ومن هنا قررت أن أبدأ العمل على ملامح هؤلاء الناس الذين فقدتهم الأرض السورية، وفكرتُ أن أحضر لمعرض خاص عن الأزمة السورية، وعلى هذا الأساس بدأت التحضيرات العملية بعد فترة قصيرة من بداية الأحداث وخلال أشهر قصيرة حضرت حوالي عشرين لوحة هي عبارة عن وجوه تمثل أي شخص فقدته سورية في الأزمة بصرف النظر من هم هؤلاء الأشخاص، وقد صممتها بواسطة مادة النسكافيه وعرضتها في معرضي الأخير "كافي موت" الذي احتضنته غاليري "مصطفى علي" في دمشق.

* لماذا اخترت النسكافيه للعمل وهل هو فن حقيقي؟ هل يمكن إعطاءه هذه الصفة؟ ** أي عمل ينبع من أحاسيس ومشاعر صادقة فهو عمل حقيقي،  وفي الرسم أيضاً عندما تقدم لوحة فيها فكر معين ورؤيا خاصة مميزة سواء كانت طبيعية أو صامتة أو حتى واقع أو حلم فإن ماقدمته حتماً هو فن حقيقي.؟

اخترت النسكافية تحديداً لأنه مادة مرتبطة بالموت لدى الناس فهي بالعرف والعادات المشروب الذي يقدم في دار العزاء، وبالتالي أنا أعمل على فكرة متكاملة وأربط كل شيء في لوحتي ومعرضي بالموت كالممثل الذي يريد تقديم شخصية معينة عليه أن يمتلك كل أدوات الشخصية. 

 

* لكن كيف استطعت التمرد على الأدوات التقليدية والعمل بالنسكافيه؟

** على الفنان أن يختار أدواته الإبداعية دائماً حتى يعرف كيف يكون مميزاً عن الآخرين ويتمكن من إيصال مشاعره بصدق حتى ولو اضطر أحيانا إلى عدم استخدام أي أداة كما حدث معي خلال التحضير لمعرضي الأخير "كافي موت"، حيث أنني رسمت بأصابعي معتمداً على القهوة "النسكافيه" التي هي مشروبي اليومي والتي يرافق شربها استماعي إلى نشرة الأخبار التي تعج بالموت، مما جعل لغتي البصرية التي امتلكها لغة موت، لذلك كان لابد من فكرة للعمل على الموت بواسطة القهوة التي أشربها.

من خلال النسكافيه قمت بتشكيل ملامح الوجوه للأشخاص الذين فقدتهم سورية، وقمت باستخراج ما في النسكافيه من درجات لونية حيث أنني دخلت إلى صلب هذه المادة واستطعت من خلال التجربة امتلاكها بشكل جيد يجعلني لا أقف يوماً أمام معرض لأي فنان آخر وأقول أنه أخرج لوناً لم استطع إخراجه، فالنسكافيه أصبح بالنسبة لي كالرصاص الذي اخرج منه درجات لونية متنوعة تتناسب مع ما أحتاجه من لون على اللوحة.

لقد وضعت ذائقة الآخرين في كل لوحة رسمتها حيث كنت أحتفظ بمايسمى "تفل" الفنجان الذي يشربه أصدقائي من السادة إلى الوسط إلى العصملي وعالريحة، ومن ثم أستخدمها في اللوحة للحصول على درجة لونية معينة، وبهذه الحالة فإنني عكست صورة الموت عند من حولي ومن أتوا لمشاهدة لوحاتي أثناء العمل وليس فقط صورة الموت عندي.

* كيف قدمت لوحاتك إلى المتلقي من خلال معرضك "كافي موت" وكيف تقبلها؟

** عملت على الفكرة ككل من عنوان المعرض إلى تصميم البوستر والبروشور مروراً بطريقة العرض وانتهاءً بالأجواء المرافقة للمعرض، فكما تعلم أنا أعمل بالسينوغرافيا ويهمني كثيراً الإخراج الجمالي للعمل الفني.

لقد اهتممت بكل جزئية صغيرة وكبيرة كيف ستعرض اللوحة ومستوى الإضاءة والبرواز وحتى طريقة استقبال الناس واللباس الذي عليّ ارتداؤه والموسيقى التي سيسمعها الزائر.

المهم أنه في النهاية دخل الزوار إلى المعرض وكأنهم داخلون إلى جنازة حيث شربوا القهوة المرة عند وصولهم إلى باب المعرض واستمعوا إلى عزف موسيقي مباشر قبل أن يشاهدوا اللوحات عزفه "أمجد حبابة(تشيلو)، محمد صعب (قانون)، محمد شحادة (دف)" هذه الموسيقى كانت ارتجالية ومن وحي اللوحات التي يشاهدها العازفون، في هذه الأثناء كانت رائحة البخور والريحان تفوح في المكان وبذلك يكونوا وصلوا إلى اللوحات وقد دخلوا في أجواء الموت بحيث تحولوا من داخلين إلى معرض إلى داخلين إلى مقبرة.

هذه العملية حولت حالة تقديم شيء ليس جميلاً وهو الموت إلى صورة فنية جميلة.

* يعني أنت تتحدث بفنك عن الألم فكيف سيقدم الفن صورة غير مؤلمة وجميلة، هذا الفن سيحكي ألماً؟ ما أثر هذا الألم على المتلقي؟

** نعم سيحكي ألماً لكن أنت ترى هذا الألم من خلال لوحة فنية أثرها على المشاهد بصري، وقد حققت أثرها فالخارجون من المعرض كانوا يقولون لي البقية بحياتك وبالتالي فإن الفكرة نجحت من خلال سوداوية الصورة التي نقلت إلى المتلقي، عندما تعمل على فكرة الموت يجب أن تعيش الموت، كل شخص شاهد لوحة من لوحات المعرض تخيل له شخصٌ قد فقده خلال الأزمة ومنهم من بكى لمجرد رؤية الوجوه.

* ماذا عن العنوان "كافي موت"؟

** كافي موت لقد عملت كثيراً على هذا العنوان، كما قلنا سابقاً موضوعنا هو الموت لذلك لابد من عنوان مرتبط بالموت في البداية تبادر لذهني أن يكون العنوان"ENOUGH DEATH" ، لكنني لم أقتنع به وبحثت كثيراً حتى توصلت إلى العنوان المناسب وهو كافي موت أو coffee moot وهي تعني القهوة الصورية، حتى أن صحفية ايطالية كتبت عن المعرض عنواناً ترجمته الحرفية "القهوة الصورة عند الفنان علي الشيخ".

 

* قلت سابقاً بان لوحات تحمل معالم الموت والاحتضار، فهل نحن بحاجة للمزيد من الموت ألا يكفينا كل هذا الموت حتى يأتينا الموت من الفن أيضا؟

** من الطبيعي أن يتحدث الفن عن الموت، فمن واجب الفن أن يوثق هذه المرحلة وكل مرحلة نمر بها، أين المشكلة في أن توثق بريشتك وقلمك وأناملك ما يحدث في بلدك، على العكس هذا شيء مفيد فإذا عدنا بالذاكرة إلى مرحلة الدراسة عندما كنا نقرأ في كتب التاريخ عن شخصيات تاريخية كانوا يضعون لنا صوراً متخيلة عن شخصية معينة بينما بهذه الحالة نحن وثقنا لهم الصورة الحقيقية.

لو كان لديهم فنانون في تلك المرحلة لكانوا اعتمدوا عليهم ووثقوا تلك اللحظات أو الشخصيات بريشتهم.

جميل جداً أن تلعب دوراً مهماً في إيصال التاريخ إلى الأجيال القادمة بمصادقية بدل التاريخ الكاذب الذي نقرأه في هذه الأيام.

* حسب تعبيرك فأنت لا تقدم وجهة نظر سياسية من خلال لوحاتك. هل بإمكان الفنان أن يعزل وجهة نظره السياسية عن عمله الفني؟

مهمة الفنان ليست سياسية، الفنان مرتبة أدنى من السياسي لأن السياسي خبير في الكذب أما الفنان فليس كذلك وليست مهمته أن يكذب ومفروض عليه ان يكون صادقاً بكل شيء.

أنا لا أضع نفسي في موقف أعبر من خلاله عن وجهة نظر سياسية من خلال الفن وليست مهمتي أن أتحدث بالسياسة أنا أتحدث من منطلق انساني بطريقة فنية تعبر عن فني، فأنا إنسان يحب الحياة وأريد أن أعيشها كما أرسمها لا كما يرسمها لي أحد.

كفنان أقول كلمتي وكلمة الكثير نحن ضد الموت ضد القتل بهذه الطريقة لماذا يموت الإنسان بهذه الطريقة البشعة في تفجير أو يذبح مع التكبير وووو إلخ، حقاً "كافي موت" لماذا يقتل البشر بعضهم بهذه الطريقة  البشعة التي لم تفعل الحيوانات ببشاعاتها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=51&id=22751