الرئيسية  /  كتاب وآراء

سيناريوهات ودلالات تهديد إسرائيل باستئناف سياسة الاغتيالات.. بقلم: شرحبيل الغريب


دام برس : سيناريوهات ودلالات تهديد إسرائيل باستئناف سياسة الاغتيالات.. بقلم: شرحبيل الغريب

دام برس :

ارتفاع وتيرة التصريحات في وسائل الإعلام الإسرائيلية في الأيام الأخيرة عن نية "إسرائيل" العودة مجدداً إلى استئناف سياسة الاغتيالات بحق قادة المقاومة الفلسطينية، رداً على تأكّل قوة ردعها بعد القصف الصاروخي الأخير من جبهتي لبنان وسوريا تجاه الجليل في فلسطين المحتلة وتصاعد عمليات المقاومة في الضفة الغربية والقدس، جعل بنيامين نتنياهو يصدر تعليمات لوزراء حكومته بعدم الإدلاء بأي تصريحات بهذا الشأن.
هذه التصريحات انسجمت تماماً مع ما كشفه موقع "ميدل إيست أونلاين" البريطاني قبل أيام قليلة في تقرير نشره عن نية نتنياهو إشعال حرب لإنقاذ جلده وإسكات المعارضة، إذ قال: "في ظل المشكلات الشخصية والسياسية الكبيرة التي ما زالت تواجه نتنياهو، فإن خيار الحرب يبدو في الأسابيع القليلة المقبلة جذاباً".

تزامنت تعليمات بنيامين نتنياهو بعدم الإدلاء بأي تصريحات مع ما كشفه المراسل العسكري للقناة 12 الإسرائيلية، نير دفوري، إذ قال إنَّ المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أعادت مجدداً إلى طاولة المناقشات إستراتيجية سياسة اغتيال قادة فصائل المقاومة الفلسطينية.
إنّ تزايد حديث الإعلام الإسرائيلي عن هذا الموضوع يستوجب المحافظة على أهمية تعزيز مفهوم وحدة الساحات في ظلِّ حضور قوي ولافت لكل القضايا الوطنية، كملف تهويد القدس وواقع المسجد الأقصى وملفي الأسرى والاستيطان، في صدارة مشهد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بهدف إفشال محاولة فصل الساحات التي تنتهجها حكومة نتنياهو.

وبناء عليه، يندرج هذا الحديث الإعلامي المتزايد في سياقين رئيسيين:
السياق الأول: تأتي لغة التصعيد الإعلامي إسرائيلياً كتهيئةٍ للمسرح المقبل من جهة. ومن جهة أخرى، تهيئة الرأي العام الإسرائيلي في حال قررت "إسرائيل" القيام فعلياً بتنفيذ عملية اغتيال بحق أحد قادة المقاومة الفلسطينية والاستعداد لجولة مواجهة تستعيد فيها قوة الردع التي تأكّلت.

السياق الثاني: كمّية الضخّ الإعلامي الموجه تجاه استئناف سياسة الاغتيالات تعدّ حملة إسرائيلية مقصودة في ظلّ الحديث عن استئناف الاغتيالات، ما يؤشر إلى قرب نية "إسرائيل" القيام بفعل أمني غير واضح المعالم تتحكّم فيه الرقابة العسكرية الإسرائيلية. هذه الحملة تضع "إسرائيل" في وضع أكثر ضعفاً في حال لم تباشر بفعل، ما من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من تأكل قوة الردع أمام تصاعد الفعل الفلسطيني المقاوم.
ثمة أسئلة تطرح نفسها أمام تصاعد الحديث عن التهديدات باستئناف سياسة الاغتيالات بحق قادة المقاومة الفلسطينية، ومدى جدية مثل هذه التهديدات الإسرائيلية، وقيادات المقاومة التي ستطالها، وموعد بدء شرارة المواجهة، والجغرافيا المرجحة لتنفيذ عملية الاغتيال هذه المرة، إذا كانت داخل فلسطين أم خارجها، ومدى جدواها الفعلية على الأرض في وقف هجمات المقاومة الفلسطينية وتمدد ساحاتها.

الاغتيالات الإسرائيلية سيكون هدفها تقليص هجمات المقاومة المسلحة، أو الرغبة الإسرائيلية في الانتقام وتصفية الحساب مع هذا القائد أو ذاك، أو استعادة قوة الردع التي تأكّلت بفعل الأحداث الأخيرة على 3 جبهات: لبنان وسوريا وقطاع غزة.

لقد بات واضحاً أن "إسرائيل"، ومن خلال مراقبة اللهجة الحادة في تصريحات وزرائها وزعماء الصهيونية الدينية فيها، حسمت أمرها بعد الجدل الذي رافق "عيد الفصح" اليهودي والقصف من قطاع غزة ولبنان وسوريا والتطورات الميدانية الأخيرة في الضفة الغربية والقدس، بالذهاب إلى استعادة قوة الردع مهما كلفها الثمن بعد الإخفاقات الكبيرة والفشل الأمني لمؤسستها الأمنية والعسكرية. وما يعزز هذا الطرح بقوة هو ما كشفته صحيفة "يديعوت أحرنوت"، حين قالت إنَّ "إسرائيل أمام عهد أمني جديد، والحرب المقبلة ستكون مختلفة عن سابقاتها".

ثمة سيناريوهان محتملان باتا مطروحين على الطاولة في قراءة معمقة للمشهد ترسم معالم أي مواجهة محتملة بين "إسرائيل" والمقاومة الفلسطينية، إذ إنّ الخيارات الإسرائيلية على صعيد التوزيع الجغرافي المتوقع للاغتيالات، إن حصلت، قد تتوزّع بين استهداف قيادات المقاومة في الخارج، وتحديداً القيادات العسكرية، وخصوصاً في سوريا أو لبنان، وفي الداخل كما هددت، وتحديداً في ساحتي قطاع غزة والضفة الغربية:

السيناريو الأول: قيام "إسرائيل" بعملية تصعيد كبيرة في الضفة الغربية المحتلة يجعل المقاومة في قطاع غزة تتحرك وتردّ بعمليات قصف بالصواريخ، ومن ثم الذهاب إلى خوض حرب أو مواجهة واسعة معها، لتبدو حكومة نتنياهو كأنها تدافع عن "مواطنيها" أمام الرأي العام الدولي، فتكسب تعاطف يهود العالم مع "إسرائيل"، إثر تضرر العلاقات نتيجة مساندتهم التظاهرات الرافضة للتعديلات القضائية.

السيناريو الثاني: قيام "إسرائيل" بتنفيذ عملية اغتيال مفاجئة في لبنان باستهداف صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الذي أخذ نصيب الأسد في موجة التحريض الإعلامي ضده في الآونة الأخيرة، أو تنفيذ عملية اغتيال بحق زياد النخالة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، أو اغتيال أكرم العجوري رئيس الدائرة العسكرية في سرايا القدس، الذراع المسلحة لحركة الجهاد الإسلامي، أو تنفيذ عملية اغتيال بحق إحدى قيادات حماس العسكرية، ولا سيما قائد هيئة أركان المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة محمد الضيف أو نائبه مروان عيسى، أو يحيى السنوار قائد الحركة في غزة، وجميعهم يحظون بإجماع إسرائيلي بسبب ماضيهم العسكري.

ومن اللافت مؤخراً تصعيد "إسرائيل" لهجة التهديد باغتيال السنوار الّذي تتهمه بشكل رسمي بأنَّه يتصرف بأسلوب مدروس وبنهج واضح في اتخاذ القرارات الإستراتيجية، وترى أنه نجح في إجراء تغيير جوهري وتحديث، وفي تطوير إستراتيجية الجبهات المتعددة تحديثاً كبيراً ولافتاً.
وحدة الساحات في مواجهة التلويح بسياسة الاغتيالات

إزاء هذه السيناريوهات وهذا المشهد المتوقع حدوثه خلال الفترة القليلة المقبلة، فإن المطلوب من محور القدس في مختلف الساحات هو خوض معركة الإرادة أولاً بكفاءة وحنكة عالية بضرورة التهديد الحازم والصريح، وتثبيت مواقف حاسمة لمختلف جبهات المقاومة مجتمعة، وبشكل حازم، بأنّ أي مساس بأي ساحة يعني المواجهة في كل الساحات.

هذا ما أكّده الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير خلال إحياء يوم القدس العالمي، فمثل هذا الموقف الحازم من شأنه أن يضع "إسرائيل" مرة أخرى في الحيرة نفسها التي عاشتها بعد القصف من جبهتي لبنان وسوريا، ويعيدها إلى مربع الجدل بين خسارتين، ويزيد من تأكّل قوة الردع لديها.

في الخلاصة، ما يجري الآن هو صراع إرادات وصل إلى مرحلة عض الأصابع، وكل يوم يمرّ يسبب مزيداً من تأكل الردع في "إسرائيل"، فإذا ما تمكَّن محور القدس بمختلف جبهاته من الحفاظ على الوضع الحالي، فهذا يعد مكسباً إضافياً له من دون تحمل الخسائر بعيداً من خوض الحروب العسكرية ذات الفاتورة المكلفة.
إن أكبر تحدٍ هو الحفاظ على معادلات الردع التي فرضتها المقاومة في الآونة الأخيرة، والإبقاء على "إسرائيل" وهي تنزف داخلياً وخارجياً من دون حرب، فالتهديد بالقوة بدلاً من استعمالها سيزيد قوة محور القدس في مختلف جبهاته من دون دفع أثمان كبيرة.

إخفاق "إسرائيل" الأمني في وقف عمليات المقاومة، وعجزها عن وضع حد لها، ووحدة الساحات التي تجسدت قولاً وفعلاً أخيراً، جعل الأوساط الإسرائيلية تفكر في الهرب إلى الأمام بالدعوة إلى استئناف سياسة الاغتيالات ضد قادة المقاومة، لكن المهم هنا هو أن مسلسل الاغتيالات على مدار تاريخ الصراع الفلسطيني الاسرائيلي أثبت أنه لم يحقق الردع لـ"إسرائيل"، ولم يسهم في تخفيف حدة الفعل المقاوم أو تراجعه.
على العكس من ذلك، تُثبت التجربة العملية أنَّ هذه السياسة قادت إلى توسيع دائرة المقاومة ونطاقها. لذلك، يُقر قادة الاحتلال الإسرائيلي بصعوبة معرفة النتائج المترتبة على اغتيال هذا الشخص أو ذاك على المدى البعيد، لأن معظم من يتم اغتيالهم يوصفون بأنهم قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة.

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=48&id=109585