دام برس - لجين اسماعيل :
هي مدينة ليست كسائر المدن السورية ، بل تكاد تكون متفرّدة بخصائصها عن سائر مدن العالم ، متفرّدة بتاريخها المتوغل في القدم ، وبكهوفها التي سكنت منذ العصر الحجري القديم ....و بمواقعها الأثرية المكتشفة في تلك الكهوف ، مميزة بأديرتها و نقوشها و بقايا معابدها ، إنها مدينة معلولا .

و في إطار تسليط الضوء على هذه المدينة الأثرية ذات الأهمية التاريخية و الأثرية و اللغوية و الروحية  أقيمت اليوم تحت رعاية وزيرة الثقافة لبانة مشوح فعالية ثقافية شاملة و ذلك في المتحف الوطني القاعة الشامية بدمشق .
حيث افتتحت الفعالية بالنشيد الوطني للجمهورية العربية السورية و الوقوف دقيقة صمت على أرواح شهدائنا الذين رووا تراب الوطن بدمائهم الزكية ، و قد تضمنت تراتيلا باللغة الآرامية و عرضا موجزا لتاريخ و آثار معلولا بالإضافة إلى مشاركات شعرية و لوحات فنية لفنانين تشكيليين .
و في كلمة للدكتورة لبانة مشوّح أكدت فيها على أهمية هذه المدينة وعراقتها و تميزها و تفرّدها بلغتها الآرامية التي أصبحت اللغة الرسمية للممالك الآشورية و البابلية و الفارسية و مازال أهلها يلهجون بها  متعهدين بالتمسك بها .
كما أنها متفردة باحتضانها الجميع ، مسلمين و مسيحين .... و أشارت إلى أن معلولا احتضنت في ثناياها الأحبة و الأشقاء و لعلّ هذا التفرد لما تمثله هذه المدينة من رمزية التآخي و السلام و الوئام مما جعلها هدفاً للعدوان .

و تابعت" مشوح ": أن الحديث عن أعمال التنقيب التي جرت في مدينة معلولا و إبراز معالمها الأثرية و توثيق الأضرار التي لحقت بمبانيها و مواقعها و استعراض مشاريع الترميم إنما هي الخطوة الأولى لإعادة الأمور إلى نصابها .
و في تصريح لها قالت بأن نوثق بالصورة و الكلمة والوقائع ما حصل فيها من ارتكابات همجية نالت من نسيجها العمراني ، من آثارها التاريخية ، و أن نؤكد على أن المديرية العامة للآثار و المتاحف بكل ما تمتلكه من خبرات فنية وتوثيقية فتضع كل إمكاناتها في خدمة إعادة تأهيل الأماكن التاريخية بالتعاون مع المحافظة و الإدارة المحلية ومع كل المشاريع التي سخّرت لها أموال كبيرة ، و تشابك الأيدي بين المجتمع الأهلي داخلاً و خارجاً و الجهات الرسمية لكن ذلك يحتاج إلى صبر و أناة .
و أضافت :فهذه المدينة ليست ككل المدن و أبنيتها ليست ككل الأبنية و أن نتأنى في إعادة ترميمها و ستعود لسابق عهدها مضيئة نيّرة ، أما بالنسبة للمطالب ستصل إلى أصحاب الجهات المعنية و ستتابع و السيد المحافظ أكد في تعقيبه على ما قيل بأننا اليوم دولة مؤسسات و بأن الاتهامات لا بدّ أن تقترن بالأدلة والبراهين و في حال ثبوتها سيعاقب المسيء .
كما دعت في تصريحها إلى فتح صفحة جديدة صفحة التسامح والمحبة و الوئام ، و أن نطوي صفحة الألم و أن نستقي دروس من الماضي ، لن ننسى لكننا سنسامح بروح المحبة و الإخاء بين أبناء الشعب الواحد .
كما أشارت إلى أن السيد رئيس دائرة آثار ريف دمشق بين أن هناك الكثير من الأيقونات التي لم يكن يعلم المخربون قيمتها فأحرقوها بدافع من جهل ، و هذه الأيقونات من الصعب جدا إعادة ترميمها ، و إن كان من الممكن ترميم بعض منها من خلال خبرات عالمية نفتقر إليها اليوم و البعض الآخر سرق سرقت مقتنيات هذه ستتابع شأنها في ذلك شأن كل ما سرق من أرض سورية الطيبة و خاصة من مواقعها الأثرية .

و من جانبه السيد المحافظ حسين مخلوف  أشاد بعودة معلولا بجهود أبنائها و تأهيل البنى التحتية و تأهيل واجهات أثرية ، و أكد على أننا نعيش في دولة ذات سيادة و ما شاهدناه اليوم يفسر قوة مناعة أفضل حضارة في التاريخ التي لا تهزّها الأعاصير ، و بإبراز سر الوجود و الاستمرار ننتقل إلى آفاق مستقبل زاهر و كريم .

و مأمون عبد الكريم المدير العام للآثار و المتاحف أشار إلى أهمية هذا الموقع الهام ، و معلولا سورية مصغرة لما تملكه من مقومات ثقافية و تعايش و أصالة التاريخ من القدم أو من النوعية و بالتالي ترض هذا الموقع للدمار و النهب و الحرق .
و تابع يتوجب علينا كمديرية عامة للآثار و المتاحف ووزارة الثقافة السورية بالتعاون مع محافظة ريف دمشق و الإدارة المحلية أن نضع الخطط و ندرس إعادة الأمور إلى ما كانت عليه سابقا و إعادة الأصالة من خلال أعمال الترميم و التدعيم و هذا الأمر يجري البحث فيه مع المنظمة الدولية " اليونيسكو " المعنية بالتراث العالمي حتى تكون الأمور وفق المعايير العلمية و العالمية المعترف عليها و ألا تكون هناك خسارة في الأصالة .
فالخطط موجودة كما الإمكانيات و ستكون كل الأمور في خدمة إعادة الأمور لما كانت عليه سابقا و نحن نعمل و بإصرار على إدراج هذا الموقع على لائحة التراث العالمي .

و بالحديث عن معلولا في عيون الفنانين التقينا مدير وحدة التطوير الثقافي الدكتور طلال معلا الذي يرى في مدينة معلولا الأيقونة فرؤيتها و اختيارها المتكرر عند أعمال الفنانين يثبت أنها مدينة أثرية و ذات طبيعة جميلة بعمق القلمون و التشكيلات الجبلية التي تشهدها الموحية للفنانين بحسب حالات التعامل مع الأوقات و الظلال ، كما أن تراكم البيوت خلق شبكة عمودية و أفقية هذه العلاقات كلها مجتمعة أدت إلى أن كل فنان من الفنانين يعكس حالاته الداخلية على هذه المدينة .
و تابع قائلا بمضمون  اللوحات التي قدمت رسما للسقف الأول شكل ؛المدينة البيوت علاقة السماء بالأرض و الجبل  ،وهناك من رسم الأزقة فكل فنان من الفنانين حاول من خلال هذه الأيقونات أن يخلق شكلا من الأشكال التي تتماهى مع الأسلوب الذي عمل عليه .
و يلاحظ " معلا " بأن استمرارية التعامل مع معلولا من قبل الفنانين منحها أهمية و بما أنه موضوع مستمر في الفن التشكيلي فهذا لزام على الأجيال المقبلة لتقبل على هذا الموقع و تكتشف .
و المهندسة لينا قطيفان تحدثت عن المؤهلات التي تمتلكها معلولا لتسجيلها على قائمة التراث العالمي و التي تمثل الاستيطان البشري الممتد جذوره للتاريخ القديم و مازالت آثار هذه الحضارات التي وجدت في معلولا مستمرة حتى اليوم من اللغة الآرامية و الكنائس و حياة القديسين التي تناولت المنطقة و ربطتها بقيم روحية عظيمة ومازالت الشواهد موجودة المتمثلة بالكثير من معالم الحضارات التي مرّت على المنطقة .

أما أيقونات معلولا التي نالت حديث الكثير قالت الآنسة ندى سركيس بأهميتها التاريخية و الفنية ، فعند الحديث عن معلولا تقترن بها الحديث عن هذه الأيقونات
و قد أشارت إلى أنها قدمت في هذه الفعالية الثقافية عرضا و شرحا لهذه الأيقونات التي تعود أهميتها إلى فنان يوناني عاش بالمنطقة لمدة 12 سنة الذي له دور متمايز كما يعد مدرسة تعلم الكثير منها .

و الأستاذ نظير عوض تحدّث عن مداخلته التي سيعرض فيها كيفية تعامل مديرية الآثار و المتاحف مع معلولا بكونها معلماً أثرياً  تاريخيا و سياحياً ووضع ضوابط الترميم بالإضافة إلى وضعها على اللائحة التوجيهية
معلولا تم الاتفاق عليها وفق معاير و ضوابط و مراسلات قبل عام 53 ، ومنذ سنوات أجرت المديرية العامة بمساعدة مؤسسات أخرى دراسة معمقة ومنسقة للموقع بشكل عام و أصدرت قرار يطال كافة المعالم الأثرية في معلولا بجملة من القواعد و المعايير للحفاظ عليها و تسجيلها على لائحة التراث العالمي .
و أضاف " عوض "بأن معلولا موقع استثنائي ومحج للقادمين من كل أصقاع العالم و قد تكون هذه المدينة معروفة لدى الكثيرين أكثر مما هي معروفة في سورية  ، فأقل الواجب و أقل الحقوق أن يكون لهذه المدينة العظيمة ورشة عمل و أن تسجل على لائحة التراث العالمي و نوّه إلى أنها ستغني هذه اللائحة و تضيف عليها واحدا من معالم الإنسانية الهام المرتبط بتاريخ المنطقة و انتشار المسيحية خلال تعرضها للاضطهاد و المتعلق بتاريخ دمشقي هام و تاريخ منطقة القلمون وصولا إلى مناطق لبنان
و اختتم " عوض " حديثه : معلولا تعد مكاناً استثنائيا في التاريخ و بالموقع الطبيعي و ارتباطها بواحدة من أهم الديانات ألا و هي الديانة المسيحية بالإضافة إلى تكلم بعض أهلها بأقدم اللغات اللغة الآرامية السريانية لغة السيد المسيح و الكثير من المبشرين .