دام برس :
بعد الصدمة وخيبة الأمل والقلق التي عاشتها حركة حماس جراء الأجواء المعادية لحماس التي تسود في مصر، فقد سلمت الحركة بواقع أن معبر رفح المغلق لن يفتح في المستقبل المنظور، الأمر الذي اضطرها لفتح قنوات اتصال حيوية مع الجانب الاسرائيلي لكي تمكن سكان القطاع من العيش حياة طبيعية.
مصدر أمني اسرائيلي يصف الأمر بالقول: “حماس فهمت أنه إذا كان لديهم فرصة لرؤية النور في نهاية النفق فإنها لن تجدها في منطقة رفح، وإنما ستجدها في معبر ايرز ومعبر كرم أبوسالم”.
حازم بعلوشة (صحفي) وصف بشكل دقيق حالة الارتباك والاحراج لدي قادة الحركة من قناة اللاخيار بين د. غازي حمد وبين الاسرائيلي د. جرشون باسكين، “القناةالخاصة” بين الاثنين نجحت في السابق عندما فشل الآخرين، وساعدت في إطلاق سراح الجندي شاليط، هذه القناة واصلت العمل في فترات معينة أيضاً بعد انجاز الصفقة، وتحديداً عندما أوكل إليها مهمة نقل رسائل سريعة بين الطرفين لوقف خطر التصعيد العسكري.
لكن “باسكين حمد” ليست قناة الاتصال الوحيدة بين حماس وإسرائيل، قناة اتصال إضافية وذات أهمية ومعقدة أكثر تم تطويرها بوساطة ممثلين قطريين، الذين يقومون بالتوسط بين إسرائيل وحماس، حتى انهم ينقلون مواقف مكتوبة بين قادة الطرفين بتشجيع من قيادة الامارة الغنية.
منذ إسقاط الاخوان المسلمين في مصر (تموز2013) اتهمت قطر من قبل الحكم المصري الجديد بتهمة تأييد الاخوان المسلمين، وهكذا وجدت كل من حماس وقطر نفسيهما تجلسان داخل قفص الاتهام من قبل النظام المصري الجديد، كلتاهما اتهمتا بالتعاون مع العدو، الاخوان المسلمين.
يوجد لإمارة قطر اليوم في قطاع غزة الكثير من المشاريع الاقتصادية الكبيرة (بينية تحتية وطرق ومستشفيات)، ويصل غزة مهندسون ومختصون قطريون وأجانب عن طريق معبر ايرز بتصاريح إسرائيلية، وبالتنسيق مع وزارتي الخارجية والاقتصاد القطريتين.
هذا بالإضافة إلى أن القطريين التزموا بشراء كل المواد الخام من إسرائيل، ليس بسبب انعدام الخيارات الأخرى بل بهدف توظيف الأمر لتليين إسرائيل، الأمر يتعلق بمشتريات عشرات ملايين الدولارات، والتي من الممكن أنتصل في السنوات القادمة لاستثمارات بحجم مئات ملايين الدولارات، وهكذا عملياً فإن شركات إسرائيلية تحقق أرباحاً من المشاريع القطرية في قطاع غزة.
يستفيد الجميع من مثلث المصالح هذا، حماس واسرائيل والمحسن القطري، المشاريع مهمة لحماس لأنها تحرك عجلة الاقتصاد الغزي الذي يعاني الكثير، وتساهم في تشغيل مئات العمال، أما بالنسبة لإسرائيل فالأمر مُجدٍ، حيث تستفيد الشركات الإسرائيلية، ولقطر يعتبر مهم لأنهم مقتنعون أن إسرائيل تشكل لهم جسراً حيوياً لقلب الإدارة الامريكية.
هذا التعاون الاقتصادي أثمر أيضاً في إقامة قناة اتصال سياسية بين قطر وإسرائيل وحماس، حيثان قطر تساعد في نقل رسائل بين كل من رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل، ورئيس الحكومة اسماعيل هنية، وبين رجال اتصال إسرائيليين، أحدهم رجل أعمال اسرائيلي معروف أنه مقرب من نتنياهو، بخلاف قناة “باسكين حمد” التي تنقل رسائل سريعة في أوقات الازمة، أو لمنع أزمة قادمة، فإن القناة القطرية أسست للتوصل الى تفاهمات استراتيجية طويلة الأمد بين حماس وإسرائيل.
كل من حماس واسرائيل عبر الوساطة القطرية يفهمون اليوم أكثر من أي وقت سابق أن أي منهما لن يختفي من الخارطة، وأن عليهم أن يبنوا مجموعة تفاهمات تمكنهم من العيش سوية.
سابقاً كانت تجارب مشابهة وفشلت، ففي ربيع 2006 أرسل مشعل رسائل لإسرائيل عبر رجل اتصال أوروبي ولكن بدون نجاح، بينما الآن الوضع مختلف، فإن تقاطع المصالح من شأنه أن يثمر تفاهمات كان من غير الممكن التوصل إليها في الماضي، حيث حماس تعيش أزمة صعبة وفي عزلة مستمرة، واسرائيل تدير معركة ضد موجة المقاطعة الدولية، ومن الواضح أن أي عملية واسعة في غزة مهما كانت عدالتها سوف تسبب ضرراً إضافياً لسمعة اسرائيل في أوساط الرأي العام الدولي.
قادة حماس ينفون، ويبدو أنهم سيستمرون في نفي أي اتصال مع إسرائيل، فبعد سنوات طويلة من الحروب الدموية بين اسرائيل وحماس ،بالإضافة الى القيود الأيديولوجية الخاصة بالحركة تجاه إسرائيل، فإن كل تسوية أو اتصال بإسرائيل سينظر إليه من قبل جمهور واسع في غزة وخارجها على انه استسلام، ومن ناحية اسرائيل فإن غالبية الاسرائيليين يعتبرون حماس تنظيم ارهابي يجب عدم اجراء أي اتصال به.
بيد أن الواقع كما هو معروف أقوى من كل الأيديولوجيات، حالياً تنجح المصالح المشتركة في التغلب على ما هو غير ممكن.