دام برس:

نشطت الهيئات غير الحكومية أثناء الأزمة التي تعيشها سورية، وسعت للمحافظة على استمرار المجتمع السوري في كل مقوماته، وعدم تفككه إبان ما يتعرض له سياسياً واقتصادياً وهو ما كان له آثار اجتماعية كارثية، فارتفع عدد هذه الجمعيات في شهور الأزمة في ظل احتدام الصراع السياسي والأمني، وعرفت هذه الجمعيات نشاطاً أكبر وعملت على تطوير برامجها على نطاق وطني، مركزة جهودها على عمليات الإنقاذ والإغاثة، فتعاونت مع الهلال الأحمر والصليب الأحمر وبإشراف الوزارات المعنية بذلك.
إن هذه الهيئات غير الحكومية تحملت المسؤولية، فأخذت العديد من المبادرات وبتعاون وثيق مع المجتمعات المحلية، وعملت بفعالية كبيرة رغم ضآلة إمكاناتها في أحيان كثيرة، فسعت جاهدة منذ بداية الأزمة لتحديد الاحتياجات المتزايدة التي لامستها نتيجة التصاقها بالناس والمعايشة لهمومهم، فانخرطت في دور فاعل وسريع في مواجهة المعاناة التي ناء بثقلها المواطن السوري، فشكلت مرتكزات أساسية في مواجهة الظروف المعقدة والمعطيات المتغيرة، كالقصف والتهجير والحصار وانقطاع المياه والكهرباء والعمل على توفير الدواء والمعالجة ونقل المصابين والجرحى وتأمين المواد الغذائية وإيواء المهجرين... إلخ، فضلاً عن العديد من الأمور اليومية التي تحتاج إلى حلول سريعة، فتكاثرت الجمعيات العاملة في المجال الإغاثي دون تخصص أو خبرة، مترافقة مع ازدياد في أعداد الأحزاب المرخصة.
لكن هذا العمل على أهميته أظهر التفاوت في عمر المؤسسات بين منطقة وأخرى، وهو ما يعبر عن واقع اجتماعي واقتصادي لمعظم المناطق السورية ويعكس سياسة عدم التوازن في الإنماء بين هذه المناطق، وأن هذا الخلل البنيوي كان من بين الأسباب الرئيسية التي أدت إلى الأزمة التي نعيشها اليوم.
لقد تبين للعديد من الجمعيات العاملة أن معظم المشاكل التي يعانيها مجتمعنا ناتجة عن البؤس والتخلف والحرمان المستمر، فبدأت تحول نشاطها مؤخراً من الإغاثة والطوارئ إلى الإنماء، ولكنه على الرغم من أهميته فهو غير كافٍ ويحتاج إلى تضافر الجهود على مستوى الدولة بجميع مؤسساتها من أجل تنمية الإنسان أولاً، لنتمكن من تنمية المجتمع اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً. وبالمقابل فإن تعاظم دور الهيئات والجمعيات العاملة محلياً يتطلب منّا اليوم إفساح المجال أمامها وأمام الأحزاب الوطنية وغيرها من منظمات المجتمع المدني لتتحرك على نطاق إقليمي ودولي لتنقل الصورة الصحيحة لما يعيشه المجتمع والعمل على كسب الرأي العام، إضافة إلى إمكاناتها في التواصل مع عدد من الجهات المانحة التي تقدم دعماً، وخاصة أن منظمات الأمم المتحدة اعترفت بدور الهيئات غير الحكومية في تقرير مصير البشرية ومستقبلها، وفي الدفاع عن حقوق الإنسان وحمايته، فقد باتت تعدّ السلطة الثالثة في العالم، أو النسق الثالث بعد الحكومات والأحزاب السياسية، حتى إنها أضحت تقدم المساعدات لدى العديد من دول العالم النامي عبر هذه الهيئات نظراً لعدم الثقة بالحكومات المحلية في كيفية التصرف بالمساعدات المقدمة. أما الأحزاب فلا يقتصر تمويلها على الدعم الذي يحصلون عليه من المواطنين المحليين، فهم يعملون على الحصول على مزيد من التمويل من الجاليات المقيمة في الخارج وغيرها.
أيضاً بإمكان الأحزاب العمل على إيجاد حلول ناجعة للأزمة التي نعيشها والسعي للتشبيك مع مختلف القوى الفاعلة على الساحتين الإقليمية والدولية، فاتصالات الأحزاب تزداد دوليةً يوماً بعد يوم، والروابط مع التنظيمات الحزبية الدولية والأحزاب الشقيقة في البلدان الأخرى تسهم في تشكيل السياسات وصياغة الكثير من القرارات، وقد تكون عوامل ضغط على حكوماتها.
ومن ناحية أخرى فإن هذه المنظمات غير الحكومية تمثل الحلقات الوسيطة بين الشعب والدولة، وتضم بين صفوفها الجماعات التي تحتج وتعارض وتتكلم باسم المجتمع، وهي تمثل بنى المجتمع المدني الذي يمكّن الإنسان من المشاركة ومن إعلان رأيه وتلبية حاجاته، وتنمية طاقاته والسيطرة على حياته. وبإمكان هذه الجمعيات والأحزاب أن تعمل على تحقيق الوفاق الوطني بين كل القوى والتيارات والتركيز على الأهداف الأساسية التي تركز على بناء سورية المتقدمة ديمقراطياً.
إن الوضع الاستثنائي الذي تعيشه سورية اليوم يتطلب أيضاً أفعالاً استثنائية من الجميع مع تأكيد السيادة السورية والحفاظ على وحدة أراضيها. فالدور المنوط بهذه الجمعيات والأحزاب كبير، وهو يتطلب من الدولة إفساح المجال لهم للتوجه صوب الخارج، فالجهد الذي سيبذله المجتمع ومن ضمنه الهيئات غير الحكومية والأحزاب السياسية، في بناء المجتمع السوري الجديد وبناء سورية المنشودة يتطلب التصميم على إعادة بناء الوطن وتشغيل قطاعاته وإنماء موارده البشرية والمادية، فهي الضمانة الكبرى لدينا، في سبيل السلم والحرية والمساواة والمشاركة والإنماء.

علاء أوسي
alaaoussi@windowslive.com