دام برس:

تناولت صحيفة البعث السورية  في افتتاحيتها التي كتبها الدكتورعبد اللطيف عمران  والتي جاءت تحت عنوان : الـتغيير.. والتساؤلات الملحّة  مايلي:  التغيير من سمات الحياة، ومن خصائص القدرة على الحيوية والفعل فيها، والصلة بين الحياة والتغيير عضوية وجدلية في وقت واحد. وهكذا استفاق التفكير الإنساني منذ 500 ق.م مع هيراقليطس على نظرية التغيير الدائم «الانسجام من نتائج الكفاح» ورأيه معروف بأنك لا تستطيع أن تستحّم بماء النهر مرتين. لكن مع تطور المجتمعات برز المحافظون، والمجدّدون، والمحافظون الجدد..
ومع القرن العشرين الذي بدأ جيوسياسياً متأخّراً حتى عام 1917، والقرن الحادي والعشرين الذي بدأ مبكّراً مع عام 1989. مع هذا العام بدأ التغيير نظرية وممارسة عند الشعوب، وعند قادة العالم ومفكريه نتيجة أحداث معروفة بدأت مع البيروسترويكا في أوروبا الشرقية، ولخصّها كتاب غورباتشوف: «البيروسترويكا والتفكير الجديد لبلادنا». وبالمقابل ظهرت في الغرب عدة مؤلفات في هذا السياق، منها كتاب بيل كلينتون ونائبه أل غور: «رؤية لتغيير أمريكا». وكانت كتابات فوكوياما المستشار في الخارجية الأمريكية متميزة في هذا المجال ولاسيما كتابه عن: «نهاية التاريخ والإنسان الأخير»، والذي رسم فيه معالم التغيير في العالم ومن أهمها  استسلام الخاسر لخسارته وضرورة إسراعه للحاق بآخر عربة من قطار الزمن الأمريكي الجديد، لكن الرّجل عدّل نظريته واتجاهه السياسي والحزبي في كتابه المهم: «الثقة: الفضائل الاجتماعية للازدهار الاقتصادي 2005».
واليوم يعيش العرب في ظلال متغيرات لا نوعية، متسارعة واعتباطية، يختلط فيه العامل الداخلي بالخارجي، لا كتّاب ولا نظرية ولا مفكرون يضبطونها، ولا أحزاب قادرة على تأطيرها أو تحديدها أو رسم ملامحها، متغيرات لا نوعية حقيقةً، أرهقت الأحزاب والتيارات التقليدية «القومية - الإسلامية - اليسارية - الليبرالية». كما أن «الانفجار الحزبي» العربي الذي واكبها لم يكن، ولم يستطع بعد أن يكون بمستوى التحديات الناجمة، والتي ستنجم عنها.
ولا شك في أن حزب البعث العربي الاشتراكي الذي شارفت أدبياته وتاريخه النضالي على بلوغ قرن من الزمن تقريباً، كان ولا يزال من أبرز الحركات والنظريات والأحزاب القادرة على التعامل بديناميكية إيجابية مع المتغيرات التي عاشتها البلاد والأمة منذ عشرينيات القرن الماضي. فكان سريع الاستجابة لها، قادراً على أن يكون له بصمة واضحة على صعيد النظرية والممارسة ليس في سورية وحسب، ولهذا كانت نظريته متكاملة وليست كاملة، وهذا واضح من السجال الذي خاضه الرواد والمؤسسون الذين عملوا على وضع منطلقات نظرية له في الستينيات، وانتهوا الى وضع كلمة «بعض» فجاء في كرّاس «بعض المنطلقات النظرية للحزب» 1963مايلي:
«إن نشوء الحزب في ظروف تاريخية مضطربة ترك أثره في تكييف شعارات الحزب المرحلية وأسلوب عمله السياسي.. وقد تُرِك الحزب بسبب عدم وضع نظرية كاملة له مفتوحاً للانفعال الذي لاتحدّد مداه ولا تضبطه النظرية... لذا فإن نقد بعض المفاهيم التي وجدت فيه بصورة جدية هو وحده الكفيل بتصفية آثارها...».
ومن المعروف أن البعث خاض سجالات على مستوى القواعد والقيادات منذ المؤتمر القطري التاسع عام 2000 قُدِّمت خلالها أوراق عمل، وأفكار نظرية للتجديد في الفكر، والتنظيم، والاقتصاد، والمجتمع... ولم تسمح الظروف الصعبة التي عاشتها المنطقة والأمة والعالم منذ نتائج أحداث أيلول 2001 بالاستقرار والأمن والأمان اللازم أو المؤهل لإرساء نظرية أو منهج فكري أو تنظيمي واضح أو مستقر لأي تيار سياسي أو حزبي في المنطقة. وهذا مالاتزال تعانيه القوى السياسية كلّها.
في هذه الظروف، ومؤخراً حدث التغيير الكبير في القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، تغيير لم يكن معهوداً، وقد تحقق في ظروف عامة صعبة جداً ومعقدة ومتداخلة بشكل أكبر مما كانت عليه الأمور في 23 شباط 1966 وفي 16 ت2 1970، وعلى الرغم من بروز الطابع التنظيمي فيه على حساب الطابع الفكري أو النظري، فإنه من المتوقّع أن تستمر ولا تتوقف مظاهر التغيير الأخرى الناجمة عن اجتماع اللجنة المركزية الموسّع للحزب في 8/7/2013.
هذا التوقّع واضح ومعلل من «المراجعة النقدية» الواسعة والمهمة التي وضحها الرفيق الدكتور بشار الأسد الأمين القطري للحزب في الاجتماع ونشرتها البعث يوم 9/7/2013، كما بدت ملامحه واتجاهاته الفكرية والتنظيمية والاجتماعية بآفاقها الأوسع والأوضح في مقابلته مع صحيفة البعث يوم 11/7/2013. وبما يذكّر بالنظريات والجهود التي وردت في الأسطر السابقة حول موضوع التغيير -شرط أن تحظى بمتلقٍّ فعّال-.
فقد تم التغيير استجابة لرغبة كوادر الحزب وجماهير الشعب، ولم تفرضه الظروف، بل كان منتظراً ومرغوباً منذ زمن، وأتى في سياق تساؤلات لم تنته بعد، بل ستستمر، مايجعل الحزب وقيادته الجديدة أمام إجابات واستجابات متنوعة عديدة مطلوبة بإلحاح منذ اليوم الأول الذي توزعت فيه مهامها على المكاتب المختصّة، وازدياد عضوية الوزراء فيها.
والواضح أن التغيير الذي طال بنية القيادة يستلزم تغييراً في وظيفتها، وفي طبيعة علاقاتها مع جماهير الشعب ومع مؤسسات الحزب والمجتمع والدولة، ومع القوى السياسية الأخرى ولاسيما المنظمات والنقابات والمجتمع الأهلي والمدني خاصة مع غياب المادة الثامنة.
ولاشك في أن هذه الجماهير، والقيادة معها، أمام تساؤلات منها:
- أتى التغيير في الحزب مواكباً لمشهد تغيير عربي عام غير إيجابي، فهل بإمكان القيادة الجديدة السير عكس التيار؟ - وماذا يمكن أن تفعل القيادة الجديدة في الظروف التي يمرّ بها الوطن والشعب والحزب؟! - هل التغيير التنظيمي والبنيوي يكفي أم سيقترن بإيديولوجيا وآليات عمل جديدة؟ - هل بإمكان هذه القيادة إنجاز التغيير المنشود بعد أن ملّ الناس وتعبوا.. واتضحت الحقائق وبدأ عامة الشعب يتطلعون الى الخلاص؟... والحقيقة أننا متفائلون.