دام برس:

برز مصطلح غسيل الدماغ لأول مرة في بداية النصف الثاني من القرن العشرين, لكنه بات الآن مصطلحاً أساسياً وشاملاً يستخدم في مختلف الميادين من حروب عسكرية ونفسية وسياسية وإعلام مرئي ومقروء ودعاية بقصد التأثير وتسيير جمهور مقصود بعينه.
شاع هذا المفهوم في المجال السياسي والايديولجي لإجبار الاشخاص على القيام بأعمال ضد إرادتهم الكاملة . تبلورعلى يد الصحفي الامريكي إدوارد هنتر في ترجمة عن المصطلح الصيني »  هس ناو «  والذي يقصد به تعديل الفكرة. كذلك ارتبط مصطلح غسيل المخ باسم العالم الروسي في وظائف الاعضاء » ايفان بافلوف«  عندما وضع نظريته في الاشراط الكلاسيكي  والارتباط والذي برهن من خلاله أنه يمكن إحداث تغييرات في  ذهن الفرد  من خلال تغيير البيئة المحيطة به وذلك عن طريق تشكيل جملة من الارتباطات القائمة على أساس ردات الفعل ومنكعسات لاإرادية لتبدو هذه التغيرات الذهنية صادرة عن الفرد نفسه وبكامل ارادته.
غسيل الخ لا يمارس فقط على الأعداء والخصوم إنما أيضا على الأسرى والمناوئين ويمكن أن تمارسه جماعة ضد أخرى أو دولة ضد دولة أخرى. إذاً, يحدث غسيل الدماغ في كل المجالات وعلى كافة المستويات : على المستوى الفردي ومستوى الجماعة كما يحدث على مستوى الشعب والجماهير الغفيرة.
كيف تحدث عميلة غسيل الدماغ :
جوهر عملية غسل الدماغ يقوم على نسف كل المعتقدات والبنى المعرفية القائمة في فكر شخص ما او جماعة ما والتي تربوا عليها باعتبار أنها أساس تتبلور عليه الشخصية في تفاعلها مع محيطها في الحياة اليومية وذلك بقصد إحلال معتقدات وبنى معرفية  أخرى مختلفة عنها جذرياً لدرجة أن الفرد المتعرض لعميلة الغسل يتبنى البنى المعرفية الجديدة بكل قناعة وتسليم بل ويدافع عنها أيضاً إن استلزم الأمر.
تحدث عملية غسيل الدماغ وفق خطوات متدرجة يصح فيه أن تنطبق على الفرد وعلى الجماعة
• على مستوى الفرد : تتم عملية الغسل وفق المراحل التالية :
I. العزل : هي الخطوة الاولى في عملية غسل الدماغ حيث يقوم المشرف على عملية الغسل بعزل الضحية عزلة لا اختلاط فيها مع بيئته التي اعتاد عليها او أبناء جنسه الذين عهدهم ..لا اتصالات..لا تواصل..لا بيئة معروفة..لا طعام ولا شراب إلا في الحدود الدنيا لبقائه حياً. إذاً عزل كامل عن اي مؤثرات خارج نطاق البيئة التي يريدها القائم بالعزل. فقد يوضع المعزول في غرفة مظلمة ضيقة فترة طويلة من الزمن ويحرم من اي تواصل حتى مع سجانه لا يسمع فيها صوتاً ولا يرى ضوءاً فترة من الزمن كافية لتجعله في حالة اضطراب وخلل إدراكي لما يحيط به في حال خرج من هذه العزلة لاسيما وأن خروجه من هذه العزلة لا يكون لبيئة سليمة متوزانة وطبيعية انما الخروج يكون لبضع ساعات او بضع ايام من التعذيب والإجرام فنكون بذلك قد دخلنا المرحلة التالية لغسيل الدماغ.
II. التعذيب والإذلال:قد تأتي مرحلة التعذيب عقب مرحلة العزل مباشرة حيث يتم إخراج المعزول في الظلمة والغرف المغلقة الى عالم من التعذيب والضرب وممارسة بحقه اقذر أنواع الممارسات كان يتم اغتصابه او تعريضه لهجوم كلاب مسعورة او تعريضه لضرب مبرح دون ان يدري سبباً لذلك انما يوضع في هذا التعذيب بشكل مباشر وكل ذلك طبعاً بقصد التمهيد لمرحلة اللاحقة القائمة على إذلال الذات واحتقارها ووضع الشخص بدوامة من الشعور بالذنب لأنه يملك هذه الذات التي سببت ألماً, فلا سبب لهذا الالم وهذا التعذيب إلا امتلاكه لتلك الذات التي عليه أن يكرهها وأن ينبذها ليتخلص من هذا العذاب. طبعاً مرحلة التعذيب قد ترافق مرحلة العزل وتتخللها بمعنى ان يتم عزل الشخص لمدة عشرة ايام ومن ثم يتم إخراجه للتعذيب ومن ثم إعادته للعزل وإجباره على سماع أصوات مرعبة كصراخ طفل او صراخ شخص متألم او جعل لياليه مترافقة بصوت تنقيط الماء. او قد يتم اخراجه لبضع ساعات ويتم ضربه بشكل مبرح مع سماعه أقذر الشتائم والألفاظ بحق ذاته ودينه وجماعته. لا نوم لا راحة لا سكينة . مع هذه الإجراءات تتهدم بنية الذات وتتفكك معالمها فيضيع الشخص عن ذاته ويكاد لا يعرف نفسه.
III. مرحلة الإملاء وزرع القيم :بعد ضمان تهدم الذات وانهيارها وضمان عدم وجود أي مقاومة أو أي تفكير لكل ما يمكن ان يتلقاه الشخص من افكار يتم تلقينه مجموعة من القيم والأفكار التي تمت عملية غسل الدماغ على اساسها ويتم ذلك من خلال وضع الشخص في ظروف جد طبيعية انسانية خلابة : طعام شراب راحة رفاهية مترافقة كل ذلك بتلقين الافكار المراد ادخالها فتحدث عملية ارتباط طبيعية وقناعة تامة بين وجود الظروف الانسانية المعيشية المرغوبة مع التمسك بالأفكار الملقنة طبعا مع غياب اي مقاومة فكرية ومع تهدم الذات تصبح عملية انشاء بنية معرفية جديدة حقيقة قائمة بكثير من السهولة والسلاسة لدرجة أن الشخص المتعرض لعملية غسل الدماغ يصبح متبنياً لهذه الافكار مدافعاً عنها ناشراً لها إن اقتضى الامر. في كثير من الاحيان تترافق عميلة غسل الدماغ بجعل الشخص مدمناً على نوع معين من العقاقير المهلوسة أو المخدرات وذلك بقصد ضمان عملية التبعية للذات وتعطل التفكير و إخضاعه لحاجات الجسد الغرائزية. كما قد تترافق عملية الغسل بإعطاء عقاقير طبية معينة مخصصة لنسيان المعلومات وتعمل على مسح ذاكرة الشخص البعيدة منها والقريبة.
يتبع ...