دام برس:
أتت زيادة المعاشات الأخيرة في وقتٍ يعاني فيه المواطن السوري انخفاض القدرة الشرائية للدخل مترافقاً مع ارتفاع مؤشر صرف الدولار أمام الليرة والمحاولات الحكومية المستميتة لتعديله انخفاضاً، ما أدى لتردي الأوضاع الاقتصادية وتفاقم معاناة السواد الأعظم من السوريين. فأتت تلك الزيادة لتسد جزءاً صغيراً من الهوة الكبيرة بين الأجور والأسعار، على الرغم من أن التجار امتصوا الزيادة قبل استلامها، فعملوا على رفع الأسعار ما أفقد الزيادة قيمتها، وما زاد الطين بلة رفع سعر ليتر المازوت المرتبط بالنقل من 35 إلى 60 ليرة، ليضع السوريين أمام واقع محبط أشعل غضبهم وتخوفهم مما هو قادم من لهيب إضافي للأسعار.
ولكننا نتساءل:لماذا لم تراع هذه الزيادة العدالة والإنصاف بين الموظفين، وذلك تطبيقاً للمادة 33 من الدستور السوري، والتي تتحدث عن تساوي المواطنين في الحقوق والواجبات، والتي تنص أيضاً على مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين؟ فأتت الزيادة من جهة مجحفة بحق المتقاعدين فلم تُنصفهم، كما لم تنصف المدنيين والعسكريين. فبينما أُعطي القائمون على رأس عملهم 40% علاوة على راتبهم، أُعطي المتقاعدون 25% فقط. أوليس المتقاعدون من قضوا سني حياتهم يعملون في مفاصل الدولة المختلفة، والذين يبلغ عددهم اليوم 215 ألف متقاعد من المدنين فقط يتقاضون رواتبهم من التأمينات الاجتماعية، علماً أن غالبيتهم من كبار السن الذين تجاوزوا الستين عاماً، وبعضهم أنهكته أمراض الشيخوخة فلا يقوى على تحمل تلك المصاعب، إضافة إلى 300 ألف وريث للراتب التقاعدي مسجل لدى المؤسسة.
ووفق مدير المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية الدكتور خلف العبد الله أصبح الحد الأدنى للأجور بعد المرسوم الأخير 13670 ليرة سورية، علماً أنه كان قبل المرسوم 9675 ليرة. وأشار بحسب صحيفة (الوطن 25/6/2013) إلى أن من هم ورثة حالياً منذ نحو 10 أو 20 سنة يحصلون على مبلغ يتراوح بين 1000 و3000 ليرة سورية، وهذه الفئة تحتاج في الحقيقة إلى تسويات، لأن هؤلاء الورثة لا يزالون يخضعون للزيادات العادية وليس لهم حد أدنى، ولكن يجب أن ينطبق عليهم هذا الحد رغم التكلفة المالية العالية التي ستترتب من هذا القرار.
لقد صبر هؤلاء كثيراً وتحملوا مشاق الحياة ومعاناتها الطويلة من أجل الحصول على راتب التقاعد لضمان حياة اجتماعية مستقرة خوفاً على مستقبلهم ومستقبل عائلاتهم. ولكن على سبيل المثال فإن الراتب التقاعدي لأساتذة الجامعة أو القضاة أقل من الراتب التقاعدي للموظف العادي الذي كان يعمل ضمن الهيئة الإدارية التابعة لهم وهو يحمل شهادة ثانوية. فأضحى حل مشكلة رواتب المتقاعدين من مدنيين وعسكريين وورثتهم الذين أصبحوا تحت خط الفقر نتيجة تزايد الفروق الاجتماعية والمادية بينهم وبين الذين أحيلوا على التقاعد بعد فترة زمنية، ضرورة حتمية بأسلوب يليق به أولاً كسوري، وثانياً كمواطن خدم بلده في مجال عمله. فالمتقاعدون يشكلون شريحة مهمة في المجتمع تتسع يومياً وتتسع معهم معاناتهم، وبات ضرورياً دعمهم وزيادة معاشاتهم بما يتناسب وحجم الغلاء المعيشي الذي بدأ يلتهم ميزانياتهم وسط غياب رقابة الهيئات المعنية. فالزيادة الأخيرة لا تكفي شيئاً في ظل هذا الغلاء الفاحش، والمطلوب تقرير زيادة مجزية لهم تكفل حياة كريمة وتغطي مصاريفهم الأساسية ومستلزمات علاجهم ودوائهم، وهو ما يكبدهم أعباء مالية كثيرة.
ومن جهة أخرى لم تراعِ الزيادة العاملين في القطاع الخاص الذين يشكلون نسبة كبيرة من إجمالي اليد العاملة في سورية، فالمرسوم لم ينظر إليهم أبداً، الأمر الذي زاد معاناتهم التي يرزحون في ظلها منذ سنوات نتيجة هجوم السياسات النيوليبرالية المتوحشة على مكتسباتهم ومستحقاتهم والتي قضت على حقوقهم الاجتماعية، لتأتي الأزمة وتزيد من تلك المعاناة. فحسب إحصائيات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية سرّح القطاع الخاص أكثر من 130 ألف عامل خلال الأزمة، ناهيك بأن (83% من العاملين في القطاع الخاص غير مسجلين في مصلحة الضرائب) وفق المرصد الوطني لسوق العمل.
لكن المشكلة الأكبر تكمن في تسريح الآلاف من العمل في الورشات الصغيرة، والقطاع غير المنظم من غير المسجلين في التأمينات الاجتماعية، إذ يوجد قرابة 35% من قوة العمل السورية البالغة 5,4 ملايين شخص تعمل في القطاع غير المنظم، وعددهم لا يقل عن مليونَيْ مواطن، وهناك نسبة كبرى منهم توقفت أعمالهم الحرفية والخدمية والتجارية بسبب الأحداث الراهنة.
فاصطف هؤلاء في رتل البطالة المتزايد يومياً، والذي وصل بحسب البعض إلى حدود 50% من إجمالي قوة العمل وخاصة في القطاع الخاص، والذي لم يكتف بتسريح عمالته بل ابتكر أساليب جديدة لتخفيف مصاريفه، فعمل على تخفيض رواتب موظفيه في وقتٍ بات رفعها ضرورة ملحة، إضافة إلى تقسيم العمال لمجموعات كل منها تعمل فترة معينة، ناهيك بمنح الكثير من العمال إجازات مفتوحة تفضي في نهايتها إلى التسريح، وغيرها الكثير من الأساليب التي فاقمت من معاناتهم.
ففي ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها سورية من الطبيعي أن تنجم مشكلات عديدة كالتسريح التعسفي وخلافه، لكن العمال الذين فقدوا مصدر دخلهم وغير المشمولين بمظلة التأمينات هم من يدفع الثمن خاصة مع وجود القانون 17 للعام 2010.
إن إنصاف العاملين في القطاع الخاص بات مطلباً ملحاً لتحقيق العدالة الاجتماعية، وهو ما يتطلب التنسيق بين اتحاد نقابات العمال واتحاد غرف الصناعة والتجارة لإنصاف نسبة كبيرة من السوريين العاملين في القطاع الخاص والذين لم تنصفهم قوانين العمل والسياسات الحكومية.
ختاماً إن بناء الدولة العصرية العادلة يتطلب مراعاة العدالة في جميع الميادين، ومنها مسألة الرواتب التي تقدم إلى موظفي الدولة ومنتسبيها وجميع العاملين، بشكلٍ يضمن للجميع حياة كريمة في ظلِّ الأوضاع الاقتصادية المتدهورة وانتشار تجار الأزمات. وبانتظار أن نرى تطبيق تصريحات الحكومة المتعلقة بدعم المواطن وتحسين وضعه وألا يبقى ذلك في إطار البروباغندا الإعلامية التي لا يليها إلا التصفيق لصاحبها.
علاء أوسي
alaaoussi@windowslive.com