دام برس:

للارمن تجارب مرّة مع الشرعية الدولية، تعلّموا منها أن هذه الكلمة السحرية تشبه التفاحة الحمراء الجميلة من الخارج والعفنة من الداخل، وبالتالي فعليك التمتع بسحرها الخارجي قليلاً حتى يمتد العفن الى خارجها، فتضطر الى رميها.
كل المعاهدات والمؤتمرات التي واكبت القضية الارمنية، من معاهدة سان ستيفانو1878 ومؤتمر برلين من 30 حزيران 1878 الى 30 تموز 1878 وهدنة مودروس 30 تشرين الأول عام 1918 ومعاهدة سيفر10 آب 1920 وتحكيم ويلسون 13 تشرين الثاني 1920 ومعاهدة اليكساندرابول 2 كانون الأول 1920 ومعاهدة لوزان 23 تموز 1923 وما قبل وما بعد تشبه هذه التفاحة الجميلة من الخارج والعفنة من الداخل، مروراً بما حدث للأرمن في الوقت المستقطع وهو سني الحرب العالمية الأولى ومجازرالعام 1915 والمحاكم الهزلية التي طالت عتاة المجرمين بعد انتهاء الحرب، هذه المحاكم الهزلية التي فرضتها الشرعية الدولية عن طريق عرّابيها الذين عمدوا بعد صدور الأحكام الى تهريب المجرمين من سجن رودوس  وايصالهم سالمين غانمين آمنين الى السواحل الغربية لتركيا ليتم تأمينهم من جديد كلٌ والى الدولة التي يرغب بالتوجه إليها، وبالتالي فانه لو كان بالإمكان التلاعب بمفردات قاموس الكلمات الأرمنية لتم تبديل إسم الحنظل بإسم الشرعية الدولية والعكس بالعكس.
وعند وصول الشرعية الدولية إلى أوجها بمعنى عندما تولى وودرو ويلسون رئاسة الولايات المتحدة الأميركية ورئاسة عصبة الامم، رأس هرم الشرعية الدولية، وعندما تولى أيضاً وبإجماع دولي رئاسة لجنة التحكيم الدولية المخولة بتحديد  ورسم مخطط للحدود النهائية لجمهورية أرمينيا، اشتغل الرجل ومن معه وقرر ان مساحة ارمينيا هي 160 ألف كم مربع ورسم خارطة دقيقة جداً وممهورة بختم الكونغرس ومذيلة بتوقيع سيادته بإعتباره رئيس الولايات المتحدة الاميركية ورئيس لجنة التحكيم الدولية، جاءت الشرعية الدولية لتضرب عرض الحائط بعصبة الامم وبالشرعية الدولية وبجهود ويلسن وبتحكيمه وبمخططاته لتصبح مساحة ارمينيا 29800 كم مربع لا غير.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإن كلمة الشيء الأولى هي ما ورد أعلاه وكلمة الشيء الثانية هي ما سيرد تباعاً:
أصدر رؤساء دول مجموعة منسك باراك أوباما وفرانسوا أولاند وفلاديمر بوتين بيانا مشتركا أمس الثلاثاء 18 06 2013 بخصوص تطورات عملية السلام في كاراباخ الجبلية قالوا فيه: نعلن عن التزامنا بمساندة أطراف نزاع ناكورنو كاراباخ بغية التوصل إلى تسوية دائمة، ونعرب عن أسفنا لقيام الأطراف المعنية بمحاولة الحصول على مكاسب تهم طرف واحد فقط بدلا من محاولة إيجاد الحلول المبنية على أسس المصالح المتبادلة...ويجب ان تكون البيانات الصادرة الأساس لتسوية عادلة ودائمة للنزاع، نشير الى ان المفاوضات هي وحدها التي تقود الى المصالحة والسلام وتزيد من فرص التنمية والتعاون الاقليمي، ونؤكد أن القوة العسكرية هي التي خلقت الوضع الراهن من المواجهات وعدم الاستقرار وهي ليست الحل للصراع القائم، وان تجدد القتال من شأنه ان يخلف ضحايا ودمار وتكاليف مادية ولاجئين...نحث الاطراف على الالتزام بمبادئ هيلسينكي المتعلقة بالسلام الاقليمي وحق الشعوب في تقرير المصير، ونناشد القادة بالتوقف عن التصعيد.
وهذا يشير بوضوح الى التفاحة التي سبق ذكرها والتي تبدوا جميلة من الخارج ولكن...عفنة من الداخل، ولمن لا يعرف قصة ناغورنو كارباخ فلا بد من ذكرها من جديد.
سبب مشكلة ناغورنو ـ كاراباخ أو آرتساخ بحسب التسمية الأرمنية، هو شطحات خيال ستالين في العام 1923 الذي عمد إلى فصل ناغورنو ـ كاراباخ عن ارمينيا الأم ووهبها لأذربيجان في قرار يوازي كل الحماقة الموجودة على سطح الارض، لقد كان يحاول تطبيق نظرية التمازج الاقليمي لشعوب الاتحاد السوفياتي فسلخ اقليم ناغورنوـ كاراباخ  حيث 90% من سكانه أرمن، سلخه على الخريطة بجرة قلم ووهبه لأذربيجان، وكانت حجة التمازج الاقليمي الظاهرية كاذبة فلقد اراد  ستالين من هذه العملية مراضاة كمال اتاتورك، ولم يكن الاتحاد السوفياتي بحاجة إلى هذه المراضاة في تلك الاوقات بحال من الاحوال، وتم ايضاً نقل ارمن آخرين إلى جزر ساخالين فماتوا من الجوع، وتم نقل ارمن آخرين إلى سيبيريا فماتوا جميعاً من البرد، وهكذا فإن الأقدار وحدها تسوق مثل هؤلاء من الناس ليزرعوا الشرور ويستلبوا منجل عزرائيل يحصدون فيه رقاب الناس بدون حساب، فيتم في خطوة لاحقة تأليههم من قبل المستفيدين والمهرجين،  ليموتوا ويتم تحنيطهم ويدفنوا ليزاولوا الحكم وهم في قبورهم، حتى إذا زال ذكرهم، يتبين أنهم قد تسببوا بمصائب عالقة.
لم تنفع المفاوضات مع علييف الأب لتسوية النزاع سلمياً فكانت الاضطهادات والمجازر والتنكيل والتعدي على الارمن تتزايد يوماً بعد يوم، فيتم في بعض الامكنة اهانة النساء، وإهانة دور العبادة والكنائس والصلبان والقساوسة والرهبان والمقابر وأضرحة الشهداء، وكان يتم  فرض الحجاب  على نساء الارمن في أمكنة أخرى ضمن تفويض إلهي وليس ستاليني في هذه المرة، وكانت عمليات القتل تتزايد واعداد الضحايا تتصاعد، وظنّ الأذريون أنهم ورثة جماعة الاتحاد والترقي وورثة السلطان الأحمر عبد الحميد الذي كان يلقب نفسه بأنه ظل الله على الأرض، وأمام هذه التحديات تقرر ضرب الاذريين ضربة مزلزلة، وحدثت هذه الضربة وأفقدتهم صوابهم، ولا زالت، وتم انتزاع ناغورنوـ كاراباخ التي استعادت اسمها الأصلي آرتساخ واعلنت كجمهورية مستقلة بتاريخ 2 ايلول 1991 وفي 18 كانون الثاني 1992 تألف برلمان جمهورية آرتساخ وتم انتخاب رئيساً للبرلمان.
أيها السادة الأجلاء رؤساء دول مجموعة منسك باراك أوباما وفرانسوا أولاند وفلاديمر بوتين
نشكركم جزيل الشكر لمساندة أطراف النزاع للتوصل الى تسوية دائمة علماً بأن أطراف النزاع هم طرفين اثنين فقط ولا ثالث لهما وهما جمهورية أرتساخ وجمهورية أذربيجان، أما ابداء الأسف بشأن المكسب الذي يهم طرف واحد فهو شيء لا داعي له لأن الطرف الواحد هذا استرجع اراضيه المحتلة واستقل بنفسه أما الطرف الآخر فلقد صار الآن خارج هذه المسألة، لأن تجليات ستالين الحمقاء وعلى الخريطة لا تعطي أي حق لأحد، أما المصالح المتبادلة فإن كل الشعوب ترحب بها اذا جاءت مبنية على قواعد العدل وما يتفرع عنها، أما المفاوضات فلا أعتقد أن هناك من يرفضها ولكن ما هي حقوق الطرف الأذري في الاراضي الأرمنية  غير جرة قلم غبية على الخارطة قام بها ستالين لمراضاة أتاتورك بحجة التمازج الاقليمي وكم تكلف هذه؟ ...وليست القوة العسكرية هي التي خلقت الوضع الراهن من المواجهات وعدم الاستقرار بل التعنت الأذري في تصديق الكذبة  وفي اغتصاب الحق وإذلال أكثر من نصف مليون أرمني لا يدينون بشيء لا للأذر ولا للتتر، ولهم ارضهم الخاصة بهم منذ الأزل وقبل وصول الأذر وقبل وصول التتر، ولهم دينهم الخاص ولغتهم الخاصة وعاداتهم الخاصة وكنائسهم ومقابرهم وقساوستهم ورهبانهم وصلبانهم وصلاتهم وطقوسهم، ولا يؤمنون بتحجيب نسائهم، أما فيما يتعلق بناحية مبادئ هلسنكي وخاصة تلك المتعلقة بحق تقرير المصير، فإن جمهورية آرتساخ هي المثال والقدوة والبرهان الاكيد على احترام حق تقرير المصير وعلى تمكين شعبها من اكتساب هذا الحق وترسيخه فهي بذلك تصبح المثال الذي يتوجب على حكومات العالم كله أن تحذوه.
اليوم يا سيادة الرئيس اوباما "وأعترف بأن موقعك يسعدني وبشرتك السمراء كذلك" رأيتك على الفضائيات وفي مؤتمر صحفي تتحدث الالمانية، وتبتسم للإطراء والمديح الذي تلقيته ممن كان يجري المقابلة...وهذه الديناميكية تسعد الشعب الأميركي وبعض الشعوب الاخرى، ولكن دعني احدثك عن ديناميكية دراماتيكية أخرى ولكن تراجيدية إقترفها ستالين وآخرون غيره لتوضيح مسألة ناغورنو كاراباخ وفلسطين ولواء اسكندرون ومناطق أخرى كثيرة وهي التالية:
لقد جلس أحدهم في مطعم فخم ودعى أصدقاؤه لوليمة فاخرة ليمرر بعض المصالح ويتمتع ببعض المنافع والمزايا، وأكل الجميع وشربوا وانتشوا، وعندما جاء النادل وبيده صحن مذهّب يحوي محفظة فاخرة من فراء الثعالب البروسية النادرة تختبئ في جنباتها  فاتورة مرهقة، مد صاحب الدعوة يده الى الجيبة الداخلية لجاكيت يلبس الكرسي الأول من الطاولة التالية وصاحبه في غفلة من أمره، وجذب المحفظة ودفع منها الحساب والبخشيش وأعادها الى مكانها وأنفض الجمع.
هذا يا سيادة الرئيس والسادة أصحاب الفخامة رؤساء دول مجموعة منسك هو ما فعله ستالين بشأن ناغورنو كاراباخ، وهذا ما فعله الانتداب البريطاني فيما يتعلق بفلسطين، وهذا ما فعله الانتداب الفرنسي بشأن لواء اسكندرون، حيث تم خلق مصيبة في كل مكان وجمر مختبئ تحت الرماد وأناس يجيدون النفخ ولكن عند الطلب.
ولا بد لي من الاعتراف بالديناميكية الجميلة المتعلقة بسيادتكم وباللغة الألمانية وهي مفهومة تماماً ومبررة، وديناميكية غونداليزا رايس بإعتبارها عازفة بيانو بالاضافة الى ما هي، وهي مفهومة تماماً ومبررة أيضاً، وديناميكية بيلي كلينتون بإعتباره عازف ساكسوفون وراقص من الطراز الأول وهي مفهومة تماماً ومبررة، وبديناميكية السيدة كلينتون في فرقة الكورال وهي مفهومة تماماً ومبررة، وبديناميكيتي أنا كعازف أورغ وأعشق الأورغ الهاموند مع الليزلي الهاموند وأحب الجاز منذ لوي آرمسترونغ وغلين ميلر وحتى اليوم، ولم يتح لي في أي يوم اقتناء الأورغ الهاموند ولا الليزلي الهاموند لأسباب ديناميكية أخرى، وهذا مفهوم تماماً ومبرر، ولكن الغير مفهوم ابداً والغير مبرر هو اقحام ناغورنو كاراباخ في ما يتعلق بالديناميكية من أي نوع كان حتى تلك الخيالية، وتصديق مسألة أن لأذربيجان حقوق تتعدى جرّة القلم الحمقاء التي أقدم عليها ستالين في يوم من أيام العام 1923 لدفع فاتورة جاءت في صحن مذهّب.
آرا  سوفاليان
كاتب انساني وباحث في الشأن الأرمني
arasouvalian@gmail.com