Logo Dampress

آخر تحديث : السبت 27 نيسان 2024   الساعة 12:43:53
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
ساحة تقسيم كانت مستشفى ثم كنيسة ومقبرة للأرمن...بقلم : آرا سوفاليان

دام برس:
عشرات الألوف من المتظاهرين في ساحة تقسيم ومعظمهم لا يعرفون شركائهم في التظاهر ولكن الذي وحّدهم هو حتماً الظلم الفادح، إن إزالة ذكرى بسيطة او تشويه معلم بسيط له حيز من الاهتمام حتى ولو في قلب طفل صغير فإنه لا شك سيؤدي الى الشعور بالظلم، فكيف هو الحال عند اجتثاث شعب ومحو كل ذكرياته وكل ما يتعلق به.
تشاء الاقدار ان يكون الشعب الأرمني من احدى الشعوب المؤمنة بالديانات السماوية، والديانات السماوية بالمجل تحترم الانسان لأنه من مخلوقات الله ويفترض أن وجوده المرحلي على الارض مرتبط برسالة سماوية أوصلها الخالق للإنسان بواسطة رسله وأنبيائه.
وعندما يتوفى الانسان وفي الحالتين سواء أكان قد ادى رسالة البرّ على الارض أم لا فإن من واجب الكنيسة اتمام الصلاة والدفن، وفي أديان أخرى يقال "أذكروا محاسن موتاكم" والانسان بعد الموت يصبح بين يدي الخالق فيجزيه بحسب عمله وليس من حق الانسان أن يتقلد سيف الله فيحاسب الناس ويقوّمها ويضرب أعناقها في ما يعتقد أنه الصواب وإذا فعل فإنه ينصب نفسه كوكيل عن الله والله لا يحتاج لوكالة أحد ولا حاجة له بسيوف أضعف مخلوقاته.
ولأن الديانات السماوية تأمر بدفن الميت وتنهى عن حرقه او التمثيل بجثته فإن للمقابر لدى اتباع الديانات السماوية والأرمن منهم، شأن...والقصة ستأتي تباعاً.
بالعودة الى المتظاهرين في ساحة تقسيم والذين وحدتهم المظالم والمطالب فإنه عرف أن من المطالب التي تقدمت بها جهة ما هي: بناء نصب تذكاري للإبادة الارمنية في ساحة تقسيم بدلاً من النصب الذي كان في عين المكان وتمت ازالته وازيلت معه كنيسة القديس هاكوب والمقبرة التابعة للكنيسة والتي كانت تتوسط ساحة تقسيم...ليتبين أن قسم كبير من ساحة تقسيم والمنطقة المحيطة بها كانت من أوقاف الكنيسة الارمنية في استمبول قبل الابادة...وكان قد تم لاحقاً هدم مقبرة الارمن الممتدة من حي بنغالتي المجاور والى ساحة تقسيم من قبل بلدية استمبول في الثلاثينات من القرن الماضي بعد أن فرغ الاتراك من ابادة الارمن واستقر لهم الأمر...وتم التخلص من الرخام والشواهد وأغطية القبور المصنوعة من المرمر والرخام الثمين والتماثيل الجميلة والمنحوتات والزخارف تم بيعها كلها الى معامل الرخام والبلاط المحلية والى المتعهدين...وفرغ سطح الارض من شاغليها من الارمن وفرغت ايضاً قبور الارمن من شاغليها وتم جرفها بالبلدوزرات وصبت الخرسانة المسلحة في الامكنة لترتفع مساحات طابقية شاسعة تمثل فنادق الخمسة نجوم كالهيلتون وديفان ومبنى الاذاعة والتلفزيون الـ TRT وحديقة اينونو كيزي.
وكانت مقبرة القديس هاكوب تعتبر من اكبر المقابر الارمنية في استمبول وكانت قد شيدت في العام 1560 بعد أن وهبها السلطان سليمان للأرمن، وقصة الوهبة هذه قصة سخيفة ومضحكة وتشبه لص تنازل عن جزء من مسروقاته لأصحابها الفعليين، فكيف تستوي الامور بأن يوهب التركي للأرمن جزء من الارض الأرمنية؟
والجدير بالذكر أنه لبناء هذه المقبرة قصة غريبة، فلقد ضرب الطاعون استمبول في العام 1560 وكان للأرمن مشفى في المكان بإسم مشفى القديس هاكوب وتم نقل المرضى الى هذا المشفى بالذات وكانوا يلاقون مصيرهم المحتوم فيتم دفنهم على عجل في حدائق المشفى وفي الارض المتاخمة خوفاً من انتشار المرض، حتى تحول المكان الى مقبرة كبيرة وتم التخلص من المشفى وجرت توسعة في المكان في العام 1780 ليتحول الى اكبر مقبرة لغير المسلمين في استمبول، وتولجت الكنيسة بناء جدار حجري وسور للمقبرة في العام 1853 ولأن الشيء بالشيء يذكر فإنه في العام 1933 وقبل سنوات قريبة كانت لا تزال تشاهد بعض بقايا الحجارة وخاصة تلك التي تحوي نقوش ارمنية وتلك المتعلقة ببقايا كنيسة القديس هاكوب التي كانت تتوسط ساحة تقسيم والتي تم هدمها بالكامل وإزالة معالمها وحجارتها، وكانت أيضاً تشاهد قطع من شواهد قبور الارمن وكلها موجودة في ساحة تقسيم وبعضها مطمور وعلى عجل في اعماق بسيطة، وفي كل مرة تتم اشادة بناء أو مشروع يتم التعرف على حجارة مسيحية أرمنية جديدة يتم ايقاظها من رقادها بواسطة الحفر سواء كان بالمعاول أوبالرفوش أو بالجرّافات الحديثة...وقد حدث ذلك عند بناء المتحف الحربي وتوسعة دار الاذاعة وتسوير حدائق البلدية وتوسعتها.
اما قصة النصب التذكاري فهي الآتية: في بادرة ندم وتنصل من المسؤولية وتحميل كل الموبقات على شماعة الاتحاد والترقي وهو النظام البائد والتبرئ منه والظهور بمظهر الملائكة، وخاصة بعد سقوط الامبراطورية العثمانية، فلقد سمح للأرمن بإشادة نصب تذكاري في العام 1919 يمثل مجازر الارمن ولكن في داخل مقبرة القديس هاكوب فتم تشييد هذا النصب داخل المقبرة، والمقبرة لم تزل قائمة الى جانب الكنيسة وهي بمسمى كنيسة القديس هاكوب الواقعة ايضاً في ما يعرف اليوم بساحة تقسيم التي تم توسعتها فيما بعد.
في العام 1933 رفعت بلدية استمبول دعوى على الكنيسة الارمنية زعمت فيها ان كل الاوقاف الارمنية في تقسيم وما جاورها تتبع لأوقاف أخرى تتعلق بالسلطان بيازيد وبالتالي فإنه لا يحق للأرمن شغل هذه الأماكن وبالتالي يجب عودة الحق لأصحابه...وصدّق بطريرك الارمن في استمبول بأنه في مواجهة العدل والعدالة وواكب هذه القصة وبين أخذ وردّ اتخذت وزارة الداخلية قراراً بضم المساحة البالغة 850 ألف متر مربع الى البلدية وتركت البلدية ستة آلاف متر تحت تصرف بطركية الارمن واكرمت الحكومة التركية بطركية الأرمن بأن فرضت عليها تسديد النفقات والرسوم والاتعاب باعتبارها قد خسرت القضية.
وتولج رئيس البلدية قضية بيع المساحة المستولى عليها فبيعت لشركات الانشاءات وللمتعهدين وآخرين يمثلهم رئيس البلدية أو هم يمثلوه وضاعت حقوق الاصحاب الفعليين للأرض وهي أوقاف تم زيادة مساحة اراضيها عن طريق الشراء من قبل المحسنين ولا بد أن أصحابها قد جمعوا أثمانها بدمع العين وقدموها للكنيسة...وبدأت عملية البناء من جديد واستمرت عملية القهر الأزلية للأرمن وكنيستهم وأوقافهم ومقدساتهم ومقابرهم.
وكانت كنيسة القديس هاكوب قائمة حتى العام 1939 وتم الاستيلاء عليها بالقوة (قوة القانون) وتم هدمها على عرائشها وتم ترحيل حجارتها وتفتيتها واستعملت كدعائم دخلت في اساسات المشاريع والتوسعة وهذا الحدث هو تجسيد صارخ للعنصرية البغيضة، والاستهتار بثقافة الشعوب الاخرى ومعتقداتها ودور عبادتها ومقابرها والعمل البربري هذا هو تجسيد للعنف الذي طال الانسان والحجر والذي يمثل وحشية وكراهية غير مسبوقتين.
وتم أخيراً ومنذ أمد قريب الاستفادة من ما بقي من حجارة كنيسة ومقبرة القديس هاكوب في وضع الاساسات لحديقة كيزي في مسلسل لا ينتهي من العنصرية وتقديم الاهانة لأصحاب الارض الأصليين، الأتراك لم يتركوا شيئاً إلاّ وتعرض لظلمهم ووحشيتهم ولم ينج من وحشيتهم حتى الأموات في قبورهم فلقد نبشوا قبور الارمن في كل المقابر الارمنية ومنها مقبرة القديس هاكوب في ساحة تقسيم وباعوا حجارتها وطمروا بعضها في المكان أو دعّموا بها اساسات المشاريع فضاعت حجارة ثمينة تشكل ارث انساني بذل النحاتون من أجله سنين من عمرهم بذلوها، لنحت النقوش والرسوم والصلبان المقدسة دون ان يعلموا بأن جهدهم وعرقهم سيرمى في الأساسات أو تحت انابيب الصرف الصحي للمشاريع، وهكذا فمن منا كان يتوقع أن جزء كبير من ساحة تقسيم الحالية وما حولها كان بالاساس كنيسة ومشفى ومقبرة القديس هاكوب وضاعت هذه الاشياء بعد ضياع اصحابها لتنبش قبورهم فيما بعد، فلا يتركون في رقادهم الأبدي بسلام...وفي الختام لا بد من توجيه تحية لعشرات الألوف من المتظاهرين في ساحة تقسيم والذين لا نعرفهم، وهم أيضاً لا يعرفون شركائهم في التظاهر ولكن يعرفون تماماً أن هناك ألماً قد وحّدهم هو حتماً جاء نتيجة الظلم الفادح المتراكم.
آرا  سوفاليان
كاتب انساني وباحث في الشأن الأرمني
دمشق 05  06  2013
arasouvalian@gmail.com
 

اقرأ أيضا ...
تعليقات حول الموضوع
  0000-00-00 00:00:00   كل يزيف عبى هواه
للاسف كل كاتب يزيف التاريخ والحقائق على هواه _ وتحت ضغط نفسي من الحقد الدفين داخل احشائه
احمد  
  0000-00-00 00:00:00   من نقسيم الى تسنيم
باذن الله ستكون هذه الحديقه مقبره لاعداء سوريا من العربان وصغير تركيا اردوكان وكل من شارك في سفك الدم السوري السوري الاصل وبس وعندها تدوس اقدام الاحرار فوق رفاتهم وعندها تكون حديقة تسنيم
يحى اسماعيل المختغي  
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz