دام برس :
منذ أن لمس المواطنون السوريون في الجولان بدء تطبيق الإجراءات الإسرائيلية الممهدة لعملية الضم، أخذوا يجمعون صفوفهم، ورفضوا التخلي عن هويتهم الوطنية وقبول الجنسية والهوية الإسرائيليين، وتنادوا إلى عقد مؤتمر في قرية مجدل شمس في أواخر 1980، حضره زعماء المنطقة وعدد كبير من أبنائها، وأصدروا بياناً أسموه الوثيقة الوطنية، وأبلغوه إلى الأمين العام للأمم المتحدة وإلى وسائل الإعلام العالمية التي استطاعوا الاتصال بها..
استهل المؤتمرون وثيقتهم بقولهم: نحن المواطنين السوريين في المرتفعات السورية المحتلة نرى لزاماً علينا أن نعلن... من أجل الحقيقة والتاريخ، حقيقية موقفنا من الاحتلال الإسرائيلي، ودأبه المستمر لابتلاع شخصيتنا الوطنية، ومحاولته ضم الهضبة السورية المحتلة حيناً، وتطبيق القانون الإسرائيلي علينا حيناً آخر، وجرّنا بطرق مختلفة للاندماج بالكيان الإسرائيلي، وتجريدنا من جنسيتنا العربية السورية التي نعتز ونتشرف بالانتساب إليها ولا نريد عنها بديلاً، والتي ورثناها عن أجدادنا الكرام الذين تحدّرنا من أصلابهم وأخذنا عنهم لغتنا العربية التي نتكلمها بفخر واعتزاز.
وعلى الرغم من مرور 31 عاماً على قرار الضم الصهيوني للجولان و45 عاماً على احتلاله ظل هذا الجزء الغالي من وطننا حياً وحاضراً في أولويات وطنه الأم سورية شعباً وجيشاً وقيادة وحكومة لأن الجولان يشكل رئة سورية الجنوبية وبوابتها الوحيدة لتحرير بيت المقدس والتعاطي بفعالية مع القضية الفلسطينية، وليس صدفة ما قاله الرئيس الخالد حافظ الأسد عن أن الجولان هو وسط سورية وليس على حدودها باعتبار أن سورية الطبيعية تمتد حتى سيناء المصرية مرورا بفلسطين سورية الجنوبية.
هذا الحضور الدائم والمتألق لقضية الجولان في وجدان وعقل الشعب السوري يعود لأسباب عديدة يأتي في مقدمتها الموقع الاستراتيجي الهام الذي يشغله الجولان في خارطة سورية الحالية والطبيعية، وثاني هذه الأسباب وربما أهمها الصمود الأسطوري الذي أبداه أهلنا في الجولان خلال مقاومتهم للاحتلال وممارساته وإجراءاته القمعية والتعسفية ومحاولاته المستميتة لطمس هويتهم العربية السورية واستبدالها بالهوية الصهيونية، وكذلك التضحيات الغالية التي قدمها الجولانيون على طريق نيل الحرية والعودة إلى حضن وطنهم الأم وتقديمهم لمئات الشهداء عبر انتفاضتهم الباسلة ضد قرار الضم والإضراب المفتوح الذي استمر أشهرا طويلة، وهنا تحضر بإجلال معاناة الأسرى والمعتقلين والإعلاميين الذين زجّ بهم في المعتقلات والسجون الصهيونية لأنهم قاوموا الاحتلال وفضحوا مخططاته وممارساته العنصرية.
تخطئ إسرائيل كثيراً إذا ما اعتقدت يوما أن احتلالها للجولان سيستمر ويدوم طويلا مهما أقامت على ترابه من أسوار فولاذية أو رفعت من جدران عنصرية، أو غيرت أو بدلت في معالم أرضه وجغرافيته، لأن الجولان سيبقى عربي الهوى والهوية سوري الأصالة والانتماء، وقد أثبت أبناؤه الأوفياء في الكثير من المناسبات أنهم في قلب قضايا وطنهم الأم سورية لا يتخلون عنها مهما كانت المغريات أو التحديات، وهنا نستذكر بكل فخر مواقفهم ووقفتهم المشرفة خلال الأزمة التي تمر بها البلاد، إذ لم يتخلوا عن بلدهم ولم يخرجوا من انتمائهم لعلمه وكانوا إلى جانب شعبه وجيشه وقيادته يذودون عن حماه ويدافعون عن وحدته وأمنه واستقراره، من خلال زياراتهم وبياناتهم التي تعبر أصدق تعبير عن تمسكهم بهويتهم ووطنهم سورية ,,
ولذلك يجب أن يدرك حكام الكيان الغاصب وإرهابيوها بأن سياسة الاحتلال والقتل والقمع والتوسع والعدوان والتمييز العنصري وبناء المستوطنات وفرض سياسة الأمر الواقع وضم أراضي الغير بقوة السلاح كلها ممارسات لا مستقبل لها لأنها مرفوضة من أصحاب الأرض ومن شرفاء المجتمع الدولي وقواه الحية، لأنها تنتهك المواثيق والأعراف الدولية وفي مقدمتها ميثاق الأمم المتحدة واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 ولذلك فإن مصيرها الإدانة والاستنكار والرفض من قبل غالبية المجتمع الدولي.
لقد حافظت قضية الجولان العربي السوري المحتل على حضورها الدائم والمتألق في الذاكرة الجمعية والوجدان السوري رغم كل المحاولات الصهيونية البائسة واليائسة والمتكررة لبلورة وترسيخ قرار الضم المشؤوم بحقه على أرض الواقع.