دام برس - ريتا قاجو :

لم يكد يمضي على اندلاع الأزمة في سوريا سوى شهر واحد، عندما بدأت الدول العربية وباقي دول العالم، المراهنة على سقوط القبادة السورية، ولم تفوت فرصة في المحافل الدولية ، إلا وطالبت بالتدخل العسكري الخارجي، فباتت القضية السورية، في أولويات هذه الدول، والمسيّر الأساسي لأجندات وسائل إعلامها، حتى العرب نسوا الصراع العربي_ الإسرائيلي، وكادوا ينتحرون على المنابر من أجل تدخل خارجي في سوريا !
ومرت السنوات، ونحن اليوم في عام 2015 ، ورغم كل الدمار والخسائر البشرية والاقتصادية وتداعيات الحرب ، سوريا ما زالت صامدة، جيشها يحقق المزيد من الانتصارات، والأوراق تنكشف واحدة تلو الأخرى، وباءت المراهنات على سقوطها بالفشل !
الصمود والثبات الذي لم يكن في الحسبان، جعل الجميع اليوم يعيدون حساباتهم، وبدأت جميع الدول "الشقيقة" و" الصديقة" تنسج خيوط عودة علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق، فأدركت أن الرهان على سقوط سوريا دون أن يسقطوا هم أنفسهم ضرب من الخيال !
وانقلب السحر على الساحر، فباتت البلدان التي صدرت الإرهاب لقتل الشعب السوري، هدفاً ثميناً للإرهابيين أنفسهم، فاقتنعوا " مجبورين" أن الحريق السوري لن يسلم منه شبر على امتداد الجغرافيا العربية وربما جغرافيا العالم، فوجهوا بوصلتهم من جديد نحو دمشق !
الكويت وتونس ومصر، من أوائل البلدان العربية التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا، لعلّها أدركت اليوم أن موقفها لم يكن مدروساً، واتُخذ في غوغائية الحرب والحسابات الخاطئة، فتحاول اليوم البحث عن مفتاح لبوابة دمشق، وهو ما تجلى في التصريحات الأخيرة للرئيس المصري، والمطالبة الشعبية التونسية بإعادة العلاقات مع سوريا، والأهم أن العلم السوري بنجمتيه الخضراوتين عاد يرفرف من جديد في سماء الكويت.
الكويت التي لطالما صدحت فيها أصوات تدعم ما يسمى "الثورة السورية"، حلّت المعادلة من جديد فاكتشفت أن قرارها لم يكن صائباً، وعلى خطاها بدأت العديد من الدول العربية والغربية، تتواصل سراً أو علناً مع المسؤولين السوريين، بغية إيجاد منفذ ضوء تعود من خلاله العلاقات الدبلوماسية.
إيطاليا، الدولة التي يصفها مراقبون، بأنها كانت أكثر مرونة من غيرها من دول أوروبا في التعاطي مع الأزمة السورية، تنوي فتح السفارة السورية في روما مجدداً، وهو ما تتحدث عنه بعض الوسائل الإعلامية، وربما على نهج إيطاليا ستسير العديد من جاراتها .
انفجار الإرهاب وتمدده خارج الجغرافيا السورية، أصبح يهدد الأمن العالمي، وارتداداته هزت الحكومات التي أرسلت المقاتلين إلى سوريا ودعمتهم مادياً وسياسياً وإعلامياً، فأعادوا النظر في مواقفهم، بعد أن أصبحت بلدانهم محط أنظار "داعش" وغيرها من الجماعات المتطرفة، وهو ما يتجلى في خوف الكثير من الدول من الخطر الذي تشكله عودة الجهاديين من سوريا والعراق، فتوجهوا نحو مصافحة دمشق والتعاون معها لمكافحة الإرهاب .
وفي حال استمرار بعض الدول "بالتعنت" لا يمكن حصر تداعيات الحرب السورية على الوطن العربي في تمدد الإرهاب فقط، بل على المنظور البعيد سيؤدي استمرار الصراع السوري إلى انتشار ثقافة الموت والإرهاب، وربما التقسيم لبعض الدول، ورسم ملامح جديدة تغير وجه العالم !
اليوم لا تكفي النوايا والاعتذارات المبطنة، يجب على الدول التي طوت صفحة الماضي ، أن تقوم بممارسات فعلية ، تثبت رغبتها الجادة في مكافحة الإرهاب، وإصلاح الأخطاء التي ارتكبتها بحق سوريا وشعبها، وهو ما ستثبته الأيام القادمة !