دام برس - متابعة : اياد الجاجة

لم تتضح معالم مؤتمر “جنيف 2″ لحل الازمة السورية. المواعيد التي حددت اصطدمت بشروط خليجية وصلت إلى حدّ إعلان الرياض “القطيعة” مع حلفائها. يتحدث دبلوماسيون غربيون في الأروقة الدولية عن رسائل سعودية وصلت الى الأوروبيين والأميركيين تحتوي على عتب شديد على الحلفاء بسبب المستجدات حول سوريا. يقول هؤلاء ان خطوة المملكة في مقاطعة الامم المتحدة بعدم حضور الجمعية العامة ولا توزيع كلمة وصولا الى الانسحاب من عضوية مجلس الامن بعد انتخاب الرياض تأتي في سياق التعبير عن الغضب الشديد من “ترك الحلفاء الغربيين الرياض وحيدة في الميدان السوري” في الوقت الذي “لهثت فيه الادارة الاميركية خلف طهران وأسست لحوار مباشر افتتحه الرئيس باراك أوباما شخصيا”.
يروي الدبلوماسيون انفسهم تفاصيل معبرة عن انتخاب السعودية في مجلس الامن، يقولون ان الدول تسعى طويلا وتبذل جهودا تمتد لأكثر من سنة في محاولة الوصول الى عضوية مجلس الامن، وهذا ما حصل مع السعوديين لكن الرياض غضبت من انفتاح الأميركيين على الإيرانيين وسلوك واشنطن خط التسوية مع روسيا حول سوريا، ما يعني ان كل السيناريو السعودي للشرق الاوسط ومصالح الرياض ضربتها واشنطن دون أدنى اعتبار للخليجيين.
بقيت المملكة وحيدة بعد فشل مساعيها في اسقاط القيادة السورية، العواصم الدولية تدرجت في سحب يدها من الملف السوري، لم يعد يتحدث احد عن ايام معدودة للرئيس بشار الاسد، ولم تعد تحسب خطوات الدعم العسكرية والمالية، ولا خطط المعارضين المسلحين لاقتحام العاصمة، انقلب المشهد تماماً وصار الاسد نجما تلفزيونيا شبه يومي يطل على شاشات الأميركيين والأوروبيين يشرح عن مخاطر “القاعدة” وسعي بلاده لضرب التطرف وإعادة الاستقرار لسوريا. لم يعد “للجيش الحر” وجود بعدما اصبحت “داعش” وأخواتها ملوك الميدان. صارت تقارير الاعلام الغربي تتحدث يوميا عن ارتكابات المتطرفين: عن قطع الرؤوس عن جهاد النكاح وسبي النساء والسرقات وعن عودة مقاتلين من الجيش الحر للانضمام في صفوف الجيش النظامي لقتال داعش والنصرة.

يتوقع دبلوماسي فاعل تأخيرا في موعد مؤتمر “جنيف2″ ، ويشير الى “تخبط حاصل اليوم بين الأميركيين الساعين للتسوية مع الروس وفق مصالحهم والأوروبيين المؤيدين بتحفظ لحفظ المصالح وماء الوجه امام الحلفاء العرب، والإسرائيليين الساعين لتوسيع التسوية لتشمل ضمانات لامنهم مستقبلا، والخليجيين المصدومين بما الت اليه الامور.
يرى الدبلوماسي نفسه امكانية تأجيل الموعد او عقد اجتماعات تمهيدية مكثفة، ورجح ان لا تكون القيادة السورية وحلفاؤها مستعجلين لبت التسوية، “لان الوقت بات في خدمتهم الان وتطورات الميدان تتدرج في صالحهم”. من هنا حصل تضارب حول مؤتمر “جنيف 2″ يمكن ان يمتد حتى إقناع السعوديين بالتسوية.  لكن كيف ذلك؟
يقول مطلعون ان مطلب إسقاط القيادة السورية اصبح من الماضي، الإحصاءات الاميركية أثبتت فوز الرئيس الاسد في الانتخابات المقبلة، ولذلك يعمل الأميركيون على إشراك المعارضين في بنية النظام حكوميا واقتصاديا، من خلال ادخال تعديلات جوهرية دستورية وإعطاء صلاحيات للحكومة. لا يمانع احد حول عنوان الطرح، لكن كيف ومن يشارك؟
داخل “الائتلاف المعارض” وجهات نظر، منهم من يؤيد المشاركة في جنيف دون شروط لحجز موقع له في السلطة لاحقا، ومنهم من يريد فرض الشروط لضمان المشاركة او “رفع السعر”، ومنهم من يرفض كليا لاعتقاده بأن لا مكان له في مستقبل سوريا بحال التسوية. لذلك ازدادت الخلافات بين المعارضين وتأجلت اجتماعاتهم مرات عدة، علما ان أسبابا خارجية فرضت عليهم توجهات مغايرة لبعضها البعض بعد تباين الرياض مع حلفائها الغربيين.
يدرك النظام واقع التباينات عند اخصامه معطوفة على التخبط المسلح في الميدان وتبدل المزاج السوري الذي كان يحتضن المعارضة. لذلك يبدو النظام عمليا هو الطرف الأقوى بأشواط الى حد يستطيع فيه ان يضع فيتو على من لا يريد اشراكه من المعارضين. 
في الشكل والجوهر حقق النظام انتصارا حتى الان: ابقى علم بلاده وحيدا وسيكون العلم الاخضر راية حزبية لبعض المعارضين لا غير في احسن الاحوال، وابقى النظام جيش بلاده متماسكا يعود اليه “التائبون” من “الجيش الحر” ، وحافظ على المؤسسات كاملة وبقي يدفع رواتب الموظفين على مساحة سوريا دون انقطاع… أبقى النظام اوراق قوة في يده ستفرض نفسها في جنيف وما بعده.
يرد الدبلوماسي نفسه عن أسئلة عدة حول ما سيجري بالقول: سوريا تسير الى وضع افضل يوما بعد يوم، لكن لا مسافة زمنية محددة بعد لا لموعد المؤتمر في جنيف ولا اذا كان سيقتصر على رقم اثنين ام يصل الى عشرة. كما لا يبدو محددا كيفية إرضاء الأميركيين للسعودية: اين وكيف؟ لان ضمان نجاح جنيف لاحقا لا بد ان يرضي العواصم المؤثرة كي لا يكون مستقبل سوريا مشابها لوضع العراق الان. لكن الدبلوماسي نفسه يتوقع ان تتحرك حركة موازية فاعلة تنشط على خط الرياض – طهران، “قد تبدو قريبة بعد ولادة علاقات جديدة بين الأميركيين والإيرانيين، حينها تصبح المهمة أسهل”.