دام برس
لم يكن باراك اوباما يتصور ان صاحب القرار الايراني ليس فقط زاهدا باللقاء مع زعيم الدولة الكبرى في العالم اذا لم تتحقق شروط اللقاء، بل انه ليس على استعداد لان يمنحه جائزة المصافحة مجانا !
ولما كان الايراني يعرف ان الامريكي ما جاء ليحاوره الا مذعنا ومن موقع الضعيف والخاسر للحرب الكونية ضد دمشق ، فقد رفض حصر الحوار والتفاوض حول النووي او تحمل شروطا تضر بحلفائه في محور المقاومة !
لذلك تراه كان صارما في الشكل والمضمون عندما رأى تردد الامريكي في قبول الشروط فقرر ان يقفل راجعا الى بلاده رافضا ‘شبهة’ التسوية القلقة !
ولما كانت هي ايران التي انهكته في العراق واربكته في افغانستان وساهمت في اذلاله على بوابات دمشق واجباره بسحب ورقة العدوان فقد قرر اوباما في اللحظة الاخيرة استدعاء ذاكرته بانه وعد بالتطبيع مع طهران باي ثمن كان، فقرر استدراك ما فاته بالتهاتف فورا مع الزائر الشيخ الاكثر دهاء قبل مغطرته نيويورك !
من جهة اخرى فان يقول الشيخ حسن روحاني لمراسل السي ان ان في نيويورك بانه يملك الصلاحيات الواسعة واللامحدودة من قبل ‘ الزعيم الايراني’ للحوار مع الغرب عموما والولايات المتحدة الامريكية خصوصا ‘من اجل التوصل لحل سياسي مشرف للمسألة النووية الايرانية وانه لو اقتضت المصالح الايرانية العليا لالتقيت اوباما اليوم ‘ انما كان يعكس فيما يعكس امرين اخرين مهمين لم يلتقطهما لا الغرب ولا الذين روجوا طوال فترة انعقاد الجمعية العامة للامم المتحدة لاحتمالات تقديم ايران لتنازلات مؤلمة وضعها البعض في خانة جرعة السم التي اضطرت القيادة الايرانية العليا لتناولها في نهاية الحرب العراقية الايرانية في اواخر العام 1988م !
وهذان الامران المهمان جدا للمتابعين للشان الايراني هما:
اولا: ان من منح هذه الصلاحيات هو الرجل الاول في النظام اي القائد الامام السيد علي الخامنئي والذي بامكانه ان يسحبها تماما كما منحها متى شاء وانه قد وضعها مشروطة في اطار تحقق المصالح الوطنية الايرانية العليا!
ثانيا: ان النافذة الديبلوماسية المفتوحة والتي تأتي هذه المرة كمبادرة من جانب طهران وليس من جانب واشنطن انما تصلح ‘لزمن محدود وليس الى ما لا نهاية’ كما عبر روحاني نفسه لمراسل التلفزيون الامريكي، ما يعني ان الخيارات الاخرى امام ايران واردة في اللحظة التي تعتقد فيها طهران بان زمن الفسحة المعطاة لواشنطن قد نفدت !
لماذا هذان الامران المرادفان للمبادرة الايرانية مهمان الى هذه الدرجة لدى المتابعين والقارئين للسياسة في ايران؟
اولا: لان طهران التي تتحرك اليوم من موقع المبادر من خلال تكليف الشيخ روحاني بهذه المهمة لاجل تسهيل مهمة حكومته انما تتقدم هي قبل الادارة الامريكية بهذه الخطوة الهامة ودون انتظار رد الفعل الامريكي المتوقع على المبادرة انما يعكس موقع القوة الذي تتمتع به ايران في المعادلتين الاقليمية والدولية.
ثانيا: ان القيادة الايرانية العليا التي اطلقت يد روحاني في هذا الملف تسهيلا لمهمة حكومته ومنحته مفتاح الحوار في نيويورك حتى اذا تطلب الامر على مستوى القمة هي نفسها صاحبة المقولة الشهيرة: بان قضية فلسطين والدفاع عنها كما قضية سورية والدفاع عنها هما خط احمر وجزء لا يتجزأ من الامن القومي الايراني’ !
وبالتالي فان عدم التقاط اوباما لهذه المسلمات الايرانية وسوء تقديره للموقف العام ولتوازنات القوى الاقليمية والدولية التي تتحرك ضمنها ايران بصعود واضح وبلاده المتقهقرة على كل المستويات جعله يطلب طلبا سخيفا من طهران جعلت طهران تشفق على حاله فيها عندما قال: ‘على ايران وقف دعمها لسورية’!
انها ديبلوماسية ‘المرونة الثورية’ يا اوباما التي تعني فيما تعني عندما تطلقها القيادة الدينية والسياسية الايرانية العليا وتمنح مفتاحا من مفاتيحها للشيخ الرئيس حسن روحاني، بان طهران الثورة والاسلام المقاتل ضد الامبريالية وطهران الخمينية وطهران الخامنئية هذه هي نفسها التي قالت لك عشية اعلانك المتردد او ترويجك المزعوم في الواقع بانك تريد قصف مواقع محدودة في دمشق: ‘انه لا ضمان لاحد ان تبقى المعركة محدودة وان الشام خطنا الاحمر’!
هل تتذكر يا اوباما شريط الفيديو الخاص الذي نقل لك بهذا الخصوص عشية الترويج للضربة المحدودة الانفة الذكر، والذي يفترض انه ذكرك بشريط الفيديو السابق الذي نقل لك عندما توهمت قبل ذلك بانك قادر على ضرب السواحل الايرانية يوما ؟!
ثم ان المرونة الثورية يا اوباما عبارة من كلمتين وليس كلمة واحدة فكما فيها مرونة فان فيها ثورة ايضا، ومن يقرر اللجوء للخيار المرن هو نفسه القادر للجوء للخيار الثوري.