دام برس:
في متابعتنا للمصطلحات التي كانت وما زالت تروج عبر الأزمة السورية، ومن خلالها، فإن ما يلفت الانتباه أن هناك مصطلحات ذات طابع دستوري سياسي حاول المغرضون أن يستنسخوها ليعطوها بعداً مذهبياً، طائفياً، ويروجوها بين الدهماء فيصدقها هؤلاء ويسيروا خلفها دون أن يدروا أنهم يسيرون إلى المقصلة، وأن هذه الشعارات والمصطلحات ليست إلا فخاً، ومصيدة نصبها لهم أفاقون، ودجالون، مرتبطون بمشروع تدميري وتفتيتي للدولة والمجتمع.
- من هذه المصطلحات، مفهوم (الأكثرية والأقلية)، وهو مفهوم دستوري سياسي يعني الأكثرية السياسية، أو البرلمانية الحاكمة، والأقلية السياسية والبرلمانية المعارضة. وهذا المصطلح معروف في كل دول العالم التي تطبق معايير ديمقراطية.
- ما حدث في المنطقة العربية والإسلامية التي دُرست بعناية من أجل تقسيمها أنه جرى الترويج لهذا المصطلح من قوى، ودول، وفضائيات بيوتها من زجاج، ومع ذلك كانت ترمي الآخرين بحجارتها، وهنا دعونا نسأل بتجرد: ما الأكثرية الحاكمة مثلاً في السعودية، وقطر، والكويت، والبحرين والإمارات؟
- هل هي أكثرية آل سعود، وآل ثاني، وآل الصباح، وآل خليفة، وآل نهيان؟ وهل هذه الأكثرية هي سياسية أم عشائرية أم مذهبية أم عائلية ذات ارتباط بمصالح الرأسمال العالمي، أم ماذا؟
- ثم ما مفهوم الأقلية في هذه المشيخات؟ هل هي الشعب السعودي، والبحريني والكويتي والإماراتي، والقطري أم هي الأقليات المذهبية أم الأقليات السياسية التي لا يسمح لها بممارسة النشاط السياسي؟
- في مناقشة المصطلح تطرح تساؤلات كثيرة، وترصد تناقضات عديدة ففي العراق مثلاً قام الأميركي بكتابة دستور إشكالي للعراق، ترتبت على أساسه أغلبية، وأقلية، وجزء انفصالي، ولا تستطيع أن تفهم هنا كيف جرى التقسيم، فإذا قسمت على أساس الأغلبية الدينية مثلاً فإن الأغلبية إسلامية، وهناك مسيحيون، وأقليات أخرى، وإذا جرى التقسيم على أساس قومي أو إثني فإن الأكثرية عربية، والأقلية كردية، ولهذا فإنه جرى التقسيم داخل الدين الواحد، وداخل القومية الواحدة وداخل المذهب الواحد، والهدف سياسة (فرق تسد) والسيطرة، واستمرار الفتنة، وعوامل التفجير، وإبقاء المجتمع مفتتاً ضعيفاً، غير قادر على تحقيق تنمية مستدامة، على الرغم من أن هذا هو الهدف من أي نظام سياسي أو أي أكثرية وإلا فما الفائدة من أي نظام سياسي قائم أو لاحق؟
- لا يدري المرء عن أي أكثرية وأقلية يتحدث الإسلاميون، ويخطبون بنا صباح مساء، هل هي أكثرية إسلام السعودية (الحنبلي)، أم إسلام المغرب (المالكي) أم إسلام مصر (الحنفي) أم إسلام الإمارات (المالكي) أم إسلام اليمن (الشافعي) والزيدي، أم إسلام إيران (الجعفري الاثنا عشري)؟
- هذا إذا لم نضف لهم إسلام ومذاهب ماليزيا وأفغانستان، وآسيا الوسطى بجمهورياتها وإسلام الصين وروسيا، ومسلمي أوروبا، وأميركا، والباكستان، وليبيا، والجزائر، وتركيا... ومئات ملايين المسلمين من كل حدب وصوب.
- إن الغوص في هذه المسألة معقد، ومضحك أحياناً في ضوء ما أراد البعض أن يروجه لنا عن مصطلح (الأكثرية والأقلية) في سورية، وخاصة أولئك الذين كانوا يطلون علينا عبر شاشات ممولة من أكثرية (آل سعود، وآل ثاني)، وحكومات الآل والمشيخات، وأرادونا أن نعتنق مصطلحاتهم، ومفاهيمهم، وننجر وراءها كالثيران الهائجة دون إدراك وفهم ووعي.
- فعن ماذا يتحدث هؤلاء حينما يشيرون للأكثرية والأقلية، ففي هذا المعنى أكثرية السوريين ترفض أنظمة الخليج ومشيخاته، وقصصهم، ومغامراتهم وأكثرية السوريين تريد وطناً آمناً، متقدماً، مزدهراً، وتريد حريات وترفض تدخل الأجنبي، وتدعم جيشاً قوياً، وتشعر بالاعتزاز بوطنيتها، وهويتها، وانتمائها، وتحارب الفاسدين، والخونة، والعملاء، وتريد مسؤولين يلبون حاجات الناس، ويتواضعون لهم، ويكونون رجال دولة وليسوا موظفين بألقاب كبيرة فارغة.
- أكثرية السوريين تدعم المقاومة، والخط الوطني لبلدها، وتريد نظاماً سياسياً يلبي طموحاتها، ويحقق حاجاتها وترفض أولئك الذين مسحوا الجوخ للأجنبي، وتخاطبوا سراً وعلناً مع الإسرائيلي، ويسمون أنفسهم معارضة وليس عملاء.
- ما يجب أن نلاحظه أن ما جرى في سورية مثلاً كان إلى حد كبير قريب لما جرى في الجزائر فعمليات التقطيع، والتفجير، والقتل كانت تتم بغض النظر عن البعد الذي يحاولون ترويجه في سورية من أنه بعد مذهبي وطائفي، على حين إن الجزائر لم يتم تناول هذا البعد فيها لأنه لا يصلح، أما الجرائم، والأدوات، والأساليب السادية فقد كانت نفسها في البلدين.
- ما أود قوله في هذه العجالة: إن (الأكثرية والأقلية هما مفهومان رُسخا دستورياً ليعطيا بعداً سياسياً، وليس مذهبياً كما أراد تجار السياسة، وأزمات الشعوب، ورواد التقسيم الجديد في المنطقة.
- إن ما يجب أن ندركه أن الصراعات الجارية هي سياسية بالدرجة الأولى، وأن الإسلام يستخدم واجهة للتغطية، والتعمية من أجل السيطرة على الثروات تارة، والجغرافيا تارة أخرى، وإلا فلماذا نجد أن أغلب الدول والأمم في العالم تتجه نحو التوحد على أساس المصالح بينها، على حين إننا نجد الجغرافيا العربية والإسلامية تُقطع، وتقسم بالسكين، ويتصارع الناس فيها على قضايا وملفات وخلافات ليسوا مسؤولين عنها، ولم يُستشاروا بها، فلماذا ندفع نحن ثمن هذا الجدل، دون حق أن نقرر ما الذي نريده لمستقبلنا ولمستقبل أولادنا وأحفادنا؟
دمتم ودامت سورية
*مدير مركز دمشق للدراسات الإستراتيجية