خاص دام برس - أريحا - بلال سليطين :

أريحا واجهة إدلب الغربية ونموذج المصالحة الوطنية الذي يستحق الانتشار على طول وعرض الجغرافية السورية، تحولت في ليلة وضحاها إلى ضحية ارتكبت بحق أهلها أبشع المجازر التي يندى لها جبين الإنسانية، شيوخ قطعت رؤوسها ذبحاً وأطفال بترت أيديهم وهم أحياء ومبان سويت بالأرض وسواد الحزن سيطر على المشهد في أريحا وفي ذهن كل من يحمل في جعبته ذرة إنسانية وعرف ما حدث فيها.

أريحا التي لطالما دافع عنها أهلها في وجه المسلحين ووقفوا ضد دخولهم إليها عاشت مرحلة طويلة من الاستقرار _وفق ما تحدث الهاربون منها لمراسل دام برس_ قبل أن يتمكن عناصر المجموعات المسلحة من اختراقها والدخول إليها رغماً عن إرادة أهلها، الأمر الذي دفع الجيش العربي السوري للتدخل وتوجيه تحذير للمجموعات المسلحة أنها إذا لم تغادر المدينة فإن الجيش قادم لتطهيرها، الرسالة وصلت قويةً للمجموعات المسلحة ولعب أفراد المصالحة الوطنية دوراً كبيراً في تنفيذ مضمونها بمساعدة الأهالي الذين كان لهم دورٌ كبير في صد المجموعات المسلحة والوقوف في وجههم، وبالفعل انسحبت هذه المجموعات من أريحا بدون معارك.

بعد الانسحاب دخلت وحدات الجيش إلى المدينة ومشطتها بشكل جيد قبل أن تغادرها وتكلف عناصر اللجان الشعبية من أهالي أريحا بحماية مدينتهم والذود عنها، وعلى هذا الأساس وضعت حواجز في أريحا وتمت إحاطتها بشكل جيد وعادت دوائر الدولة فيها للعمل بشكل كامل.

هذه التجربة أمنت لمدينة أريحا حياة آمنة ومنعت الضرر والأذى عن المواطنين والممتلكات وجنبتها معركةً ضارية، عاشت المدينة فترة طويلة من الاستقرار وكانت مرحلة عيد الفطر المبارك من أجمل مراحل الحياة في المدينة حسب وصف الأهالي ومحافظ إدلب "صفوان أبو سعدى".

واقع أريحا المستقر أقلق راحة المجموعات المسلحة ومموليهم حيث انتظروا الفرصة الملائمة وقاموا باجتياح المدينة كما اجتاح المغول والتتار بغداد قبل مئات السنين (حسب وصف أحد الناجين)، قتلوا الأطفال والشيوخ والنساء وفخخوا المباني والمنشآت المدنية والحكومية، وبلغ عدد الشهداء المدنيين الذين وصلوا إلى مستشفى إدلب في اليوم الأول إلى /40/ شهيداً فيما فاق عدد الشهداء في الحصيلة الإجمالية /300/ شهيداً ومفقوداً إلى جانب المختطفين والجرحى (إحصائية  تقريبية وغير رسمية).

أكثر العائلة التي تم التعامل معها بدموية "آل عيد" حيث قامت المجموعات الإرهابية المسلحة بذبح والد الدكتور عبد القادر عيد البالغ من العمر /77/ عاماً وهو ذاهب ليؤم المصلين في المسجد، كما ذبحت عدداً كبيراً من أفراد العائلة، وكذلك آل الصواف في "كفر زيتا" الذين ذبحوا منهم رجلاً مع أبناءه الثلاثة وابن شقيقه (أطفالاً)، وغير ذلك عشرات الحالات الأخرى المشابهة، وقد علق أمين فرع إدلب لحزب البعث العربي الاشتراكي على ما حدث "لقد مارسوا الرعب بكل أشكاله بحق المدنيين الآمنين، وارتكبوا مجازر لم يرتكبها المغول والتتار".

أكثر الحالات التي شكلت صدمةً للرأي العام في إدلب هي الجريمة التي ارتبكت بحق طفل في السادسة من العمر، عندما دخل المسلحون إلى "أريحا" واقتحموا منزل أسرته سألوه كيف استقبلت الجيش العربي السوري في مدينة "أريحا" فأجاب لوحت لهم بيدي اليمنى، فقاموا بقطعها له وهو على قيد الحياة على مرأى ومسمع من العشرات، والطفل موجود حالياً في المستشفى الوطني لمحافظة إدلب وقد تسنى لمراسل دام برس مشاهدته والاطمئنان على صحته، وهو يحظى باهتمام كبيرمن المسؤولين في المحافظة وعلى رأسهم المحافظ ومدير المستشفى وحتى أهالي إدلب.

بعد سيطرة المجموعات المسلحة على أريحا قامت بقطع الطريق الدولي من اللاذقية إلى إدلب والذي تمر عبره المساعدات الغذائية والتموينية والحاجات المعيشية إلى الأهالي المدنيين المقيمين فيها، وقاموا بتضييق الخناق على المدينة حيث استمر الحصار لأيامٍ ذاق خلالها الأهالي الأمرين، وفي تعبير لأحد الناشطين في الهلال الأحمر قال كنا على وشك الدخول في كارثة إنسانية لولا قيام الأجهزة المختصة بفك الحصار عن المدينة.

الإرهاب الذي لا دين له يجب مواجهته والقضاء عليه هكذا يقول أحد القادة الميدانيين الذين شاركوا في معارك أريحا لدام برس، وبالفعل قامت وحدات من الجيش العربي السوري بوضع خطة محكمة لتطهير المدينة من المجموعات الإرهابية، حيث وجهت وحدات الجيش نيرانها بكثافة نحوهم

، وقامت بتطهير الطريق الدولية والانطلاق منها باتجاه أريحا في عملية تقدم وتفكيك عبوات ناسفة كانت قد زرعت في مناطق متفرقة ومبان متعددة، وقد استخدمت وحدات الجيش تكتيك الذراع العسكرية الطويلة أثناء الهجوم حفاظاً على أرواح المقاتلين، وبالفعل تمكنت الجيش من تطهير "أريحا" بأقل الخسائر الممكنة وبزمن قياسي.

معركة أريحا وما حدث بها فتح الآفاق لتحرير جبل الأربعين الاستراتيجي والذي تقدمت الوحدات العسكرية نحوه وقامت بعمليات نوعية غاية في الخطورة والدقة لتحريره من المجموعات المحتلة له، وتمت السيطرة عليه بعد معارك ضارية استمرت عدة أيام.

السيطرة على جبل الأربعين تعتبر خطوة إستراتيجية بكل ما للكلمة من معنى فهذا الجبل يشرف على مساحات واسعة وشاسعة وهو يطل على الطريق الواصل من اللاذقية إلى إدلب وعلى العديد من المواقع الهامة الأخرى وولا للحدود السورية التركية ومن خلاله يمكن التعامل مع أي وجود مسلح في أي منطقة من المناطق التي يشرف عليها حتى لو كانت بعيدة لعدة كيلو مترات، وهذا الاستهداف يتم عبر إستراتيجية الذراع الطويلة لوحدات المدفعية والصواريخ السورية، وهو يزيد من حصانة مدينة إدلب التي ينعم أهلها بالأمن والأمان منذ دخول وحدات الجيش إليها في العام الماضي.

بعد جبل الأربعين أصبحت الطريق إلى "سرمين" شبه سالكة ومنها إلى "سراقب" التي بمجرد وصول وحدات الجيش العربي السوري إليها تصبح الطريق إلى "حلب" من "سراقب" وحتى دوار الموت عند مدخل مدينة "حلب" في مرمى نيران وحدات الجيش العربي السوري، الأمر الذي قد يغير الواقع في منطقتي إدلب وحلب ويؤدي إلى حصر المجموعات المسلحة في الجهة الشمالية فقط إلى جانب الحدود السورية التركية، وبالتالي تصبح طريق اللاذقية إدلب حلب سالكة بسهولة وأمان.

 تصوير: الياس كتور