دام برس:

إن البرنامج النووي الذي تستعمله إيران لإنهاء الحصار الإقتصادي وإعادتها الى الساحة الدولية كدولة فاعلة معترف بها كقوة اقليمية قد أحرزت تقدماً لدبلوماسية لم يكتب لها النجاح إلا بعد ان ارتبطت بقوة ومناورات على الأرض مباشرة، فقد شكل هذا التقدم إستفزازاً لحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية وعلى الأخص اسرائيل والتي كانت تصر على مشروعية المواجهة المباشرة العسكرية مع إيران، فكثرت تحذيرات نتنياهو في المحافل الإعلامية من خطر الانجراف وراء المفاوضات والتشكيك بجدوى التفاوض مع الايرانيين.
وفي وقت سابق أظهر الغربيون وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، والإيرانيون حسن نية وإرادة لإنجاح مفاوضات صعبة حول النووي الايراني، كما كان الملف النووي في صلب لقاءات عديدة بين وزراء ودبلوماسيين في ميونيخ الألمانية بمناسبة المؤتمر السنوي حول الأمن للتوصل الى إتفاق نهائي لإنهاء الخلاف الممتد منذ عشر سنوات بشأن برنامج إيران النووي ، وبحث وزير الخارجية الأميركي جون كيري في هذا الأمر مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، وأكد كيري على أهمية التفاوض بحسن نية بالنسبة الى الجانبين وبإحترام التعهدات بالنسبة لإيران، وقال ظريف "هناك الكثير من العمل"، وأوضح "لكننا قمنا بخطوة أولى" ، ولدى إيران الإرادة السياسية والنية الحسنة للتوصل إلى حل يرضي الطرفين.
تهدف المفاوضات التي ستعقد في العاصمة النمساوية فيينا في 18 فبراير الجاري، الى تسوية النزاع النووي بعد أن وافقت إيران بموجب إتفاق أولي في نوفمبر الماضي على تعليق الأجزاء الأكثر حساسية من أنشطتها النووية التي تعتبرها حقاً لها، للقضاء على مخاوف القوى العالمية الست الكبرى، وهم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين، إضافة الى ألمانيا مقابل تخفيف بعض العقوبات الإقتصادية.
وبموازاة ذلك وصل الى طهران ثلاثة مفتشين من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لتفقد منجم اليورانيوم في غاشين الواقعة جنوب البلاد، وتأتي هذه الزيارة إلى المنجم الذي لم يتم تفتيشه منذ العام 2005، في إطار إتفاق مبرم بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، إذ يسمح للوكالة بالتأكد من الطبيعة السلمية للبرنامج النووي الإيراني المثير للجدل، ويشكل هذا المفاعل مصدر قلق رئيسي للقوى العظمى لأنه يوفر لإيران إمكانية إستخراج البلوتونيوم الذي يمكن معالجته وإستخدامه لصنع قنبلة ذرية رغم نفيها ذلك، وفي إطار المرحلة الأولى من الإتفاق، تمكّنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ديسمبر الماضي من زيارة مصنع المياه الثقيلة في أراك، الواقع وسط إيران بالقرب من مفاعل المياه الثقيلة، الذي تعتزم إيران تشغيله مع نهاية العام2014 .
يعتقد دبلوماسيون غربيون أن المفاوضات الخاصة بالنووي الإيراني، قد تستغرق على الأرجح وقتاً أطول للتوصل إلى إتفاق جذري حوله، وقد فرضت الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، عقوبات على إيران لرفضها وقف تخصيب اليورانيوم وأنشطة نووية أخرى حساسة قد تساعدها في إنتاج أسلحة نووية، وبالمقابل ترفض طهران مزاعم الدول الغربية وحلفائها بأنها تسعى إلى إكتساب القدرة على إنتاج أسلحة نووية وتصرّ على أن طموحاتها النووية تقتصر على التوليد السلمي للكهرباء.
وفي سياق متصل كانت إيران ومجموعة "5+1" قد توصلت إلى إتفاق يتضمن الإعتراف بحق إيران لتخصيب اليورانيوم مع مواصلتها للنشاطات في منشآت نووية إيرانية، إضافة إلى رفع جزء من العقوبات المفروضة عليها، ذلك الإتفاق الذي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى خرقه وفق ما أكده برلمانيون إيرانيون إذ أكد حسين نقوى حسيني المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني أن الولايات المتحدة تسعى إلى تمهيد الطريق لخرق وتقويض الإتفاق النووي الذي تم التوصل إليه بين إيران ومجموعة "5 +1" في جنيف وذلك من خلال فرض المزيد من العقوبات على طهران.
وبالتالي فإن جهود الكونغرس الأميركي لفرض عقوبات جديدة على إيران في الواقع تشكل خطوة تمهد الطريق أمام الولايات المتحدة للتراجع عن اتفاق جنيف، كما يشكل لعبة سياسية في الولايات المتحدة لتوفير غطاء قانوني لإلغاء هذا الإتفاق.
وبموجب هذا الإتفاق تعهدت الدول الست بإلغاء بعض العقوبات المفروضة على إيران مقابل موافقة طهران على الحد من جوانب معينة من أنشطتها النووية خلال فترة ستة أشهر كما تم الاتفاق أيضاً على عدم فرض أي عقوبات لها علاقة بالموضوع النووي خلال الفترة الزمنية نفسها،
يشار إلى أنه على الرغم من توقيع الإتفاق النووي ومعارضة إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما فقد أيد 59 من أعضاء مجلس الشيوخ مشروع قانون ضد إيران يقضي بفرض المزيد من العقوبات على طهران في حال فشل الاتفاق.
وفي السياق ذاته أكد كيري بوضوح خلال لقاءه مع ظريف في ميونيخ أن الولايات المتحدة ستستمر في تطبيق العقوبات الحالية على طهران، وبالمقابل دعا ظريف واشنطن الى إحترام تعهداتها وأكد ان الإعتقاد بإننا نتفاوض لان العقوبات كانت فعالة سيكون خطأ فادحاً، كما هددت إيران باللجوء إلى رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إذا فرضت عليها المزيد من العقوبات الدولية، مشيرة إلى أن القوات الإيرانية جاهزة لأية خيارات، وأعلن قائد القوة "الجوفضائية" التابعة للحرس الثوري الإيراني، العميد أمير علي حاجي زاده، أن حزب الله في لبنان يمتلك قدرات كبيرة لأية مواجهة مقبلة، وبالتالي فإن فرض أي حظر جديد ضد طهران بمثابة إنهاء المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة "5+1"، مؤكداً أنه لو حدث مثل هذا الإجراء فإنه يتناقض مع مسيرة المفاوضات، وسيؤدى إلى إفشالها.
وهنا يمكنني القول إن تغير وتيرة التصريحات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران لم يأت بشكل عفوي بل جاء نتيجة قراءة دقيقة لتطورات المنطقة من قبل الطرفين، ربما يكون رغبة من الإيرانيين في إخراج بلدهم من عزلته الدولية وتدهور علاقاتهم مع أمريكا والغرب والتي تزامنت مع تطورات الأزمة السورية، وبالتالي فإن هذا التقارب الحذر بين إيران والولايات المتحدة الامريكية، أثار بالتأكيد شكوك إسرائيل، فكانت الحكومة الإسرائيلية على حذر سريع من متابعة إيران تخصيب المزيد من اليورانيوم، ويبدو أن إسرائيل أجرت اتصالات مع الولايات المتحدة الامريكية بهذا الشأن، وهو ما دعاها الى طمأنة إسرائيل من أن أي تقارب بين واشنطن وطهران لن يغير في الموقف الأمريكي الحالي.
وأخيراً أختم مقالتي بالقول لقد غيّر إبرام اتفاق جنيف النووي المعادلات الأمنية والسياسية على الصعيدين الإقليمي والدولي لصالح إيران، الأمر الذي مكنها بما يتناسب مع مصادر الطاقة الوطنية لديها من فرض مطالبها على الطرف الآخر، وبالتالي فإن الوصول الى حل شامل لابد ان تعمل إيران بشفافية لطمأنة الأطراف الأخرى بسلمية أنشطتها النووية وخفض هواجسها تجاه هذه الأنشطة وينبغي أن تعمل الأطراف الأخرى بالمقابل أيضاً على إلغاء إجراءات الحظر المفروضة على إيران.
Khaym1979@yahoo.com