دام برس:
كان ذلك في شهر نيسان من عام 1973 م ، عندما عدت من الأتحاد السوفياتي الى بيروت ثم الى دمشق في طريقي الى الأردن ... وكنت آنذاك مناضلا في صفوف الجبهة الديمقراطية لتحير فلسطين ...
كان لا بد للعائدين من أعضاء الجبهة من مختلف الأقطار التي درسوا فيها ، كان لا بد لهم من المرور بمعسكر الإعداد والتدريب العائد للجبهة الديمقراطية والكائن بالقرب من معلولا ... تلك البلدة الوادعة على سفح القلمون الأشمّ .
كان معسكرنا يقع على بعد أقل من كيلومتر واحد من البلدة مما أتاح للكثيرين منا فرصة زيارة البلدة والتعرف الى أهلها ، وإقامة العلاقات مع بعض شبابها وزيارة أسواقها ومطاعمها المتواضعة .
كانت تعليمات الشهيدين الرفيق ( بطرس ) المسؤول العسكري ل( القاعدة ) ، وبطرس هو اسمه الحركي ( وبالمناسبة ، لحد الآن لا أعرف اسمه الحقيقي ) ، والرفيق ( سالم ) المفوّض السياسي للقاعدة ، واسمه الحقيقي عاطف سرحان ، كانت تعليماتهما المشددة لنا ألا نزعج أهالي البلدة المجاور للقاعدة ( معلولا ) وألا نزور القرية إلا للضرورة القصوى ...
لا أتذكر الآن بعد مضيّ 40 عاما ، لماذا زرت البلدة ( معلولا ) للمرة الأولى برفقة رفيقين آخرين من المتدربين ، وأعتقد أن السبب كان لشراء بعض السجائر من هناك ...
سرنا الى البلدة دون اسلحتنا بالطبع ، وبعد أقل من نصف ساعة كنا قد دخلنا البلدة ... فوجئنا بأنها قطعة من جنة الله على أرضه ... أول ما لفت أنظارنا أن سكانها يتكلمون في ما بينهم بلغة غريبة على مسامعنا وفهمنا ، ولكنهم سرعان ما يبدأون التحدث بالعربية عندما ننضم إليهم ، وعندما استفسرنا عن لغتهم تلك عرفنا أنها اللغة الآرامية ( لست ملمّا باللغات ، ولكني اعتقد أنها السريانية أو قريبة منها ) ... لغة السيد المسيح عليه السلام .
بسرعة فائقة استطعت ورفاقي أن نبني صداقة ممتازة مع ثلاثة أصدقاء من شباب البلدة ، وجدنا لديهم من الحب لفلسطين والإهتمام بالقضية الفلسطينية وتفاصيلها ومن الوعي السياسي المميّز ، ما جعلنا نهتمّ بهم ، بل ونحاول جذبهم الى أن يكونوا أعضاء مؤازرين للجبهة الديمقراطية ...
لم يسألنا أحد عن ديننا وعن هويتنا وعن مذهبنا ... عرفوا فقط أننا فلسطينيون نتدرب في القاعدة القريبة من بلدتهم ، فما كان منهم إلا الإحترام الزائد لشخوصنا ولتنظيمنا وللقضية التي نناضل من أجلها ...
معلولا ... هذه البلدة السورية الجميلة الوادعة في أحضان طبيعة جبال القلمون الساحرة ، والتي ينتمي أغلب سكانه الى الديانة المسيحية ، هوجمت هذه الأيام من برابرة القرن الواحد والعشرين من سلفيين مزيفين ومن جهاديين لا يفقهون من الجهاد شيئا ...
هاجموها ونكّلوا بأهاليها ودمروا بعض كنائسها ونهبوا ما استطاعت أيدهم القذرة أن تطاله من كنوز أثرية نادرة في دور العبادة ...
معلولا ... يا بلدة المسيح ... الصبر ثمّ الصبر يا معلولا ... فوالله ما هاجموك إلا لجمالك وبهاءك وصفاء قلوب أهلك وساكنيك .. فهؤلاء أعدء للجمال أينما وجد ...
الرحمة لشهداء معلولا ولكل شهداء الشعب العربي السوري الشقيق ...
تحياتي الى سركيس ونقولا وميلاد ، أصدقائي الحميمين من أبناء معلولا الجريحة ...
المجد لك ... معلولا ..
والخزي والعار لأعداءك وأعداء الوطن السوري
عاطف زيد الكيلاني
عمان - الأردن