دام برس:
لا يمكن لأحد أن ينكر أن سقوط حكم الإسلاميين في مصر هو اللكمة الأولى التي سددت إلى هذا المد الإسلاموي الذي بدأ يجتاح العالم العربي من المحيط إلى الخليج منذ ما يزيد عن عامين ، لكن هل يمكننا أن ندرج هذا السقوط ضمن تسلسل عفوي وطبيعي ؟؟
الكثيرون يذهبون إلى هذا المنحى لكن فيما لو تناولنا الموضوع من جميع جوانبه سنكتشف أن تحليل الأمور بهذه السذاجة فرضية غير منطقية فجميعنا يعرف أن الإسلاميين ومنذ أن بدأت بذورهم تنبت في أفغانستان كانوا صنيعة أمريكية بدعم وتمويل وتسليح أمريكي سواء التقت مصالحهم مع أمريكا أو افترقت عنها يبقى هذا الفراق مرحلي وتكتيكي ويبقيان وأمريكا حلفاء استراتيجيين مهما اختلف التكتيك إذ هل يعقل بعد هذا الدعم والزخم أن تتفرج أمريكا على حلفاءها يسقطون دون أن تأتي بأي حركة هنا يمكننا أن نناقش الموضوع ضمن فرضيتين :
البعض ذهب للقول أن الجيش المصري انتفض وخلع عنه تبعيته وانقياده للسياسة والموقف الأمريكي وأعلن أن تاريخ مصر وحضارتها ورغبة شعبها فوق كل رغبة وقام بانقلابه تحت تغطية شعبية متجاهلا ما قال عنه البعض أنه تحذيرات أمريكية شديدة من المساس "بالشرعية" ضرب الجيش بها عرض الحائط وأقدم على خطوته انصياعا لرأي الشعب وحده
لاشك أن الجيش المصري بهذه الحركة ظهر بمظهر البطل والحامي للشرعية الحقيقية التي هي الشعب على اعتبار أن الشرعية هي ملك الشعب وأنه مصدر كل السلطات
لكن حتى نستطيع أن نصنف خطوة الجيش ومدى توافقها أو اختلافها مع الرؤية الأمريكية فلننظر إلى ردود الأفعال ولنبدأ بالرأس أمريكا أعلنت أنها ستقطع المساعدات العسكرية عن مصر سيخرج علينا من يقول هذا دليل أن الجيش خلع عن نفسه عباءة كامب ديفيد عندما خلع مرسي وأنه فعلا تحدى المصالح الأمريكية مهلا للنظر إلى الذنب السعودية كانت أول المهنئين !!
قطر هنئت بدورها لكن على استحياء باعتبار المخلوع كان صديقها وحليفها وشريكها في عملية بيع مصر لإمارة الغاز
هل يمكننا إذا أن نتحدث عن تمايز بين الموقف السعودي والأمريكي ؟؟
بشيئ من التحليل نكتشف أن هذه الفرضية غير ممكنة ومنذ متى كان للسعودية موقف مستقل عن الموقف الامريكي ؟
هل يجرؤ آل سعود على تحدي حماتهم ومشغليهم وأرباب نعمتهم
لا أطن ذلك ممكنا
لن أطيل في تناول الموقف القطري هو ببساطة تحصيل حاصل ضمن سياسة إعادة رسم السياسات التي بدأها أمير أمريكا الجديد في قاعدة قطر العسكرية الأمريكية ولو أن من شأن ماحدث أن يجعل قطر في موقع الشماتة من السعودية الغير راضية حتما عن التمدد القطري في مصر
الآن لنأخذ الموقف التركي ...ندد وبشدة
إذا هل يمكن أن نقول أن هناك تمايز أمريكي ...تركي ...سعودي ولنجعل القطري الذي دخل في حالة الإنكفاء جانبا
التركي والأمريكي أثبتا بالدليل القاطع وعلى امتداد عدد من السنوات أن حكومة أردوغان ماهي إلا صدى لمواقف الحليف الأمريكي واصطفافاته حتى في تمثيلية الصراع التركي الإسرائيلي أثبت أردوغان أنه أمهر من أمهر ممثلي هوليود وأن أنفعلاته وغضبته وارتجافه في دافوس عقب حادثة أسطول الحرية لم يعدو كونه زوبعة إعلامية مهدت لخديعة كبرى تصب ضمن محاولة الإستقطاب الطائفي لشعوب المنطقة وتلميع الموذج الإخواني في المنطقة والذي تم على حساب دماء العشرات من الأترك الذي قضوا ضمن حادثة أسطول الحرية لكن هذا طبيعي لطالما اعتاد الإخوان التسلق والوصول على صفوف الآلاف من الفقراء والمساكين وليس العشرات فقط
لكن ماحقيقة الموقف السعودي ؟ هل قرر السعوديين التمايز ؟ هل لهذا التمايز أساس ؟
لو كان هذا التمايز موجودا فعلا ألا يجب أن يظهر أولا ضمن أكثر ساحات المنطقة اشتعالا وهو الساحة السورية وهذا الذي لم يحدث بعد بل بات من الواضح التنسيق الكامل في مواقف الدول الثلاث على صعيد التسليح والتمويل للمجموعات المسلحة والحديث العبثي عن الحل السياسي
إذا يمكننا أن نضع هذا التمايز اللحظي ضمن خانة توزيع الأدوار بين القطري والتركي والأمريكي لا أكثر ....
لكن ولكي لا نغفل الفرضية الأخرى دعونا نذهب إليها بشيء من العناية .
البعض يقول أن الجيش الذي تسلحه أمريكا وترعاه ويعيش تحت مظلة كامب ديفيد التي لم يخلعها منذ عشرات السنين الجيش الذي تسرح وتمرح البوارج الإسرائيلية ضمن قناة السويس تحت ناظريه
الجيش الذي رضي أن يرزح شعب غزة تحت الحصار لسنين لا يمكن إلا أن يدور ضمن الفلك الأمريكي وبناء على هذه المعطيات يذهب أصحاب هذا الرأي للقول أن أمريكا وبعد فشل المشروع الإخواني في سوريا وبعد فشل الإخوان في إثبات تواجد حقيقي على الساحة المصرية عبر الأخونة الكاملة للدولة ومنها إلى تهجير المسيحين أو إيجاد بيئة توافق على تقسيم مصر ضمن المشروع الهادف إلى تبرير وجود دولة يهودية في المنقطة قررت أن تسدد الضربة القاضية للإسلاميين في عموم المنطقة وكانت بداية التجربة في تركيا وتجليها الحقيقي في الساحة الأضعف مصر
وضمن هذا السياق جرى تنسيق أمريكي مع الجيش المصري في ظل صمت سعودي متفق عليه على استغلال الغضب الشعبي في الشارع المصري الناتج عن السياسات الغبية لمحمد مرسي وتشويهه لسمعة مصر على مستوى العالم بهدف إنهاء حكم الإخوان المسلمين في مصر معقلهم الأهم في المنطقة تمهيدا للإجهاز عليهم في بقة الساحات بعد أن فشلوا في إثبات وجودهم على الساحة المحورية في المنطقة وهي الساحة السورية البعض قد يظن أننا نبالغ لكن لنعد إلى تصريح أحد مسؤولي الإخوان لمحظة الcnn الأمريكية حين قال قبل خلع مرسي بساعات (في حال خذلتنا أمريكا في مصر سوف نخذلها في سوريا )
المفكر المصري محمد حسنين هيكل وضع معركة القصير ضمن أحدى الشعرات التي قسمت ظهر البعير الإخواني في مصر وتركيا أيضا
نضع هذه التصريحات برسم كل من يحاول أن يدحض هذه الفرضية
سيقول قائل أن الموقف الاوروبي يعبر دوما عن الرؤية الأمريكية فأين الموقف الاوروبي من كل هذه المعمعة لنعود إلى التصريح الذي صدر قبل أيام عن الإتحاد الأوروبي ردا على الفتاوى التي أطلقها شيوخ مرسي من القاهرة
حيث قال المصدر الأوربي أن مصر أصبحت دولة راعية للإرهاب تحت رعاية رسمية من الرئيس
طبعا أوروبا ليست أقل رعاية لللإرهاب من مرسي لكنها لحظة التخلي عن الاجير الصغير في عملية الرعاية وهذه دوما مراسم ماقبل التخلي
لنجمل الموقف من الفرضية الثانية رعاية أمريكية سمحت بانقلاب عسكري مغطى شعبيا في ظل صمت سعودي بداية وتهنئة لاحقة وشماته مضمرة من الخسارة القطرية بالتزامن مع إنكفاء قطري ضمن مرحلة إعادة رسم التواجد القطري في خرائط الحل المنتظر لقضايا المنطقة والنتيجة أمريكا تبدأ بتسديد الضربة الاقوى للإسلاميين في المنطقة وفي معقلهم الأقوى مصر بعد أن هزت وجود إسلاميي تركيا ولجمت الجنون الإردوغاني الذي فشل في تأدية مهمة إسقاط سوريا التي أوكلت إليه بشكل رئيسي بعد أن جرى تلميعه كشخص وكقائد لنموذج الحكم الإخواني وكزعيم طائفي بهدف تغذية الحالة الطائفية في المنطقة واستقطاب المتأثرين بها
بعد كل ماحدث أصبح لدينا عدة أسئلة أصبحت تحتاج إلى أجوبة لايمكن التكهن بها قبل الأيام القادمة
هل ماحدث في مصر سيكون النهاية أم أن مصر مقبلة على أيام عجاف سمتها الأهم الفوضى ؟
هل ماحدث في تركيا من اهتزاز وماتلاه من زلزال في مصر هو ضمن خريطة التوازنات القادمة التي سيتم المصادقة عليها نهائيا في جنيف2 ؟
هل بدأت أمريكا بخلع جلدها الإخواني تمهيدا للإنسحاب الكبير ؟
ماذا سيكون مصير أخوان تونس وهي التي بدأت تغلي على نار حامية ؟
هل علينا أن نتوقع تغييرا ميدانيا على الساحة السورية عقب الزلزال المصري والوعكة التركية والتغيرات القطرية ؟
وحده الزمن والحدث والرصاص الذي يخرج من فوهات رجال الحق في الجيش العربي السوري القادر على نقل كل هذه التساؤلات إلى خانة الأجوبة المحققة أما الآن فليس باستطاعتنا إلا أن نسأل ... المنطقة إلى أين ؟؟