دام برس :
تعد قضية المياه واحدة من القضايا التي شغلت العدو الصهيوني حتى قبل عدوانه واحتلاله للأرض العربية الفلسطينية, وقبل إعلان إقامة دولته اليهودية المزعومة, فقد قام تيودور هيرتزل مؤسس الحركة الصهيونية بتأليف كتاب شهير في عام 1896 بعنوان “الدولة اليهودية” ناقش فيه إقامة كيان لليهود مدعياً أنهم يشكلون قومية على الرغم من أنهم ديانة وليست قومية, ونادى بضرورة جمع شتات اليهود من حول العالم وإقامة دولة لهم في الأرجنتين أو في شبه جزيرة سيناء أو فوق أرض فلسطين “وطنهم التاريخي” المزعوم.
وفي البداية استبعد فكرة إقامة الوطن في الأرجنتين, ثم اتجه مباشرة للتفكير في فلسطين وسعى لمقابلة السلطان العثماني عبد الحميد الثاني لإقناعه بالفكرة, وفشلت كل محاولات عقد لقاء مباشر مع السلطان على مدار خمس سنوات كاملة, وفي عام 1901 تمكن من لقاء السلطان عبد الحميد وعرض عليه الفكرة في إطار صفقة كعادة اليهود الذين يجيدون عقد صفقات البيع والشراء, وكانت الخلافة العثمانية في أضعف حالاتها وكانت الديون تثقل كاهل السلطان فعرض عليه هيرتزل أن يتولى اليهود تسديد ديون الدولة العثمانية مقابل منحهم ميثاقاً يسمح لهم بإقامة وطن على أرض فلسطين, لكن السلطان عبد الحميد رفض العرض والصفقة.
وبعد أن فشلت مساعي هيرتزل في إقامة دولته المزعومة على أرض فلسطين, فكر في إقامتها على أرض شبه جزيرة سيناء حيث تواصل مع المندوب السامي البريطاني في مصر وعرض عليه المشروع, وبدأ بالفعل في التفاوض مع الحكومة المصرية آنذاك برئاسة بطرس غالي حيث عرض عليهم تأجير شبه جزيرة سيناء لمدة 99 عاماً قابلة للتجديد لإقامة دولتهم المزعومة, وكانت المشكلة الحقيقية التي تواجههم هي عدم توافر المياه, هنا اقترح عليهم هيرتزل تحويل جزء من مياه النيل إلى شبه جزيرة سيناء, لكن الحكومة المصرية رفضت المشروع بعد أن رأت صعوبة تنفيذ فكرة نقل المياه لسيناء, وأن نقل مياه النيل سوف يؤثر على التوسع الزراعي في مصر.
وإذا كانت هذه هي أول محاولة تظهر الأطماع الصهيونية في المياه العربية, فإن المحاولة الثانية يمكن رصدها من العبارة الشهيرة المدونة على لوحة معلقة فوق مدخل الكنيست الإسرائيلي والتي تقول “حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل” وهذه العبارة لا توضح فقط أطماع العدو الصهيوني في الأراضي العربية بل في المياه العربية تحديداً, فليس من سبيل الصدفة أن تكون الحدود المزعومة لدولتهم نهرين من أهم الأنهار العربية, فالحدود التي تذكرها العبارة حدود مائية وليست حدود يابسة, وحدود مياه عذبة وليست حدود بحرية لمياه مالحة لا تصلح للعيش والحياة.
وبعد استيلاء العدو الصهيوني على الأرض العربية في فلسطين في عام 1948 بدأ محاولاته التوسعية في الأرض العربية من أجل الحصول على المياه ومن أجل تحقيق مقولتهم الشهيرة “حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل” فهذا هو الحلم الصهيوني المزعوم, وتمكن العدو الصهيوني من السيطرة على 80 % من مياه الينابيع المتجددة الفلسطينية, ويبيع الـ20 % الباقية للشعب العربي الفلسطيني بسعر دولار لكل متر مكعب, وهو ما يعني أنه يسيطر على مخزون المياه في الضفة والقطاع.
ويستولي العدو الصهيوني على 40 % من مياه الجولان العربية السورية, وهي مياه بكميات ضخمة أثبتت المسوح أنها تعادل ضعفي كمية المياه السطحية التي تغذي بحيرة طبريا, والتي من المتوقع أن تصل لمليار متر مكعب, كما أن العدو الصهيوني يتعاون مع نظام أردوغان من أجل استخدام ورقة المياه ضد العراق وسورية والتلاعب بحصصهما في مياه دجلة والفرات.
وقام العدو الصهيوني بمد خط أنابيب للمياه من نبع العين المتفرع من نهر الجوز في لبنان, وهو أحد روافد الحاصباني, ويستغل بشكل كامل مياه الحاصباني والوزاني بمعدل 145 مليون متر مكعب سنوياً, كما يسيطر على قسم من نهر الليطاني, ويقوم بتحويله إلى نهر الحاصباني, ثم بحيرة طبريا عن طريق محطة ضخ قرب جسر الخردلي.
ومن المعروف أن العدو الصهيوني يستولي على مياه نهر الأردن والذي ينبع من الأراضي الأردنية ويمنع الأردن من إقامة أي سدود عليه, وفي اتفاقية وادي عربة بين العدو الصهيوني والأردن سمح العدو للأردن بتخزين 20 مليون متر مكعب من مياه الفيضانات في فصل الشتاء, بالإضافة إلى 10 ملايين متر مكعب من المياه المحلاة من الينابيع المالحة المحولة إلى نهر الأردن, إلى جانب 10 ملايين متر مكعب يقدمها العدو الصهيوني للأردن خلال فصل الصيف.
وبالطبع معلوم دور العدو الصهيوني الآن في العبث بمياه نهر النيل عبر تقديم العون لإثيوبيا لإقامة سدود على منابع النيل للتأثير على حصة مصر والسودان التاريخية من المياه, هذا إلى جانب عرضه على إثيوبيا شراء مياه النيل, ومن هنا يتضح كيف تعامل العدو الصهيوني مع الموارد المائية العربية, لذلك يجب التحرك العربي المشترك لوقف العبث الصهيوني بشرايين حياة الشعب العربي وفي مقدمتها أزمة سد النهضة الراهنة, اللهم بلغت اللهم فاشهد.
كاتب من مصر